"صقر" فن العيطة الشيخ عمر الزيدي يحكي سفره الفني في جغرافية عبدة الساحرة (05)

"صقر" فن العيطة الشيخ عمر الزيدي يحكي سفره الفني في جغرافية عبدة الساحرة (05)

في ثلاث ليالي متتالية من النبش والنقاش، خرجت "أنفاس بريس" بانطباع يعزز مكانة الشيخ عمر الزيدي التماني، ليتم تصنيفه صقرا من صقور تراث فن العيطة، بكل تفرعاتها، بعدما قلبت صفحات ذاكرته الفنية والطربية والغنائية.. كيف لا يكون "صقرا" وهو الذي ترعرع واشتد عوده في "عش الفن" بحي مولاي الحسن القريب من سيدي عبد الكريم وواد الباشا وجنان الشقوري، تلك الفضاءات التي تعتبر مفاتيح أبواب ومعالم مجال جغرافية عبدة الساحرة لولوج عاصمة السمك والفخار مدينة أسفي. من هذا المغرس والمنبت حلق الصقر بجناحين متوازنين نحو الأفق الرحب مسجلا مساره الفني رفقة العديد من الشيوخ والشيخات، كاتب كلمات وملحن وعازف وضابط إيقاع ومغني وحفاظ للقصائد "الشعبية" بمختلف أصنافها ومواضيعها. ضمن هذه السلسلة من سفرنا الفني مع صقر فن العيطة نقدم للقراء الحلقة الخامسة:

في حديثنا عن الشيخ الدعباجي وشيخته الرائدة عيدة، تكلم صقر العيطة السي عمر الزايدي بكثير من العشق، والتقديس والاحترام عن هذا الثنائي الفني الرائع، الذي بصم مساره على مستوى فن العيطة، وقال "الشيخ السي محمد الدعباجي كان شخصية جد محترمة، ومحبوبة من طرف عشاق العيطة، شخصية جمعت بين الإنسان المتواضع، وبين علو كعب الفنان على مستوى الإيقاع والعزف والغناء، وعشق الطرب والتراث الغنائي العيطي، شخصية كان لها الفضل الكبير في تحبيب العيطة داخل بيوت المغاربة".. ويشدد الشيخ عمر في هذا السياق على أن "الدعباجي استطاع بأدائه المتميز لفن العيطة رفقة شيخته الثانية لالة عيدة. أن يستقطبا جمهورا واسعا من العشاق بفضل حنكتهما في مجال تاشيخات". وأكد الزيدي على أن السي محمد الدعباجي وجد في الشيخة عيدة كل "مكونات المرأة المحترمة، والفنانة الشغوفة بحفظ واتقان العيطة الحصباوية". وأضاف أن الدعباجي وجد فيها أيضا "تلميذة لامعة، تجيد الإصغاء، والحفظ، وتقاسما حب العيطة بدون طمع، وبدون لهات وراء المال، واستطاعا أن يشيدا صرحهما الفني، ويعززا مكانتهما الاعتبارية فنيا رغم ظروفهما الاجتماعية الصعبة، وسجلا حضورهما في قلوب المغاربة سواء في الأعراس والحفلات أو الجلسات الخاصة المميزة".

ينحدر الشيخ السي محمد الدعباجي، الذي وافته المنية سنة 1997 بأسفي، وحسب الكاتب الباحث أحمد الشتيوي، فإن الدعباجي من "مواليد سنة 1910 بدوار الدعابجة بمنطقة الحصبة التي تبعد عن مدينة أسفي بحوالي 38 كلم، حيث بدأ مشواره الفني كعازف على الطعريجة، قبل أن ينتقل للعزف على آلة "الكمنجة" متشربا متون العيطة الحصباوية وإيقاعاتها على غرار رواد هذا الفن بمنطقة الحصبة كالشيخ إدريس بن دحان الذي لم يحترف الغناء، والشيخ أحمد ولد سي صالح، والشيخة "نُصْ بْلاصة" والشيخة "عينين لغنم". لقد اعطى الشيخ الدعباجي الكثير للعيطة الحصباوية، فيكفي أن نذكر أن عيطة الرادوني مثلا وهي من أطول العيوط وأصعبها، والتي كان الشيخ الدعباجي يؤديها ببراعة وإتقان لا نظير له، لم يجرؤ أي شيخ من شيوخ هذا الوقت على أدائها باستثناء القليل ولكن بكثير من التكلف والنقص والتشويه".

لكن الفنان المبدع السي عمر الزيدي، يستدرك في حكيه الشيق ما قالته له الشيخة عيدة ذات جلسة تواصلية، مصرا على أن الشيخ الدعباجي "كان في بداية مشواره الفني ضابط إيقاع ممتاز جدا، (طعايرجي) وكان يرافقه في الإيقاع ضمن مجموعة يرأسها أحد الشيوخ  كعازف على الكمان، الشيخ أبا لشهب". هذا الأخير حسب صقر العيطة "هو الذي لقن أصول فن العيطة للشيخ الدعباجي، ويعتبر معلمه الأول دون منازع، ومرجعه الأساسي في أغلب العيوط الصعبة المنال، وخصوصا عيطة سيدي حسن، وعيطة الرادوني"، حسب قوله.. "الدعباجي علمه أصول الغناء أبا لشهب رحمه الله، بحكم أنه كان يحفظ جميع لعيوط، ويضبط، إيقاعاها وعزفها، وكلماتها". أضف إلى ذلك يقول السي عمر "كان أبا لشهب عضوا رئيسيا في الفرقة (الرباعة)، وكان مغنيا رائعا، يجيد أداء العيطة، ويمتاز بصوت حاد جدا، ويتجاوب مع الصوت الأجش ـ لحرش ـ للدعباجي، حيث كانا يشكلان ثنائيا رائعا في التناوب بين الصوتين الساحرين، بمعية الشيخة عيدة". هذه الأخيرة، حسب حكي صقر، العيطة أكدت "أن الدعباجي حفظ عن ظهر قلب عيطة سيدي حسن وعيطة الرادوني عن الشيخ أبا لشهب".

وفي سياق حديثنا عن عيطة الرادوني أكد صقر العيطة السي عمر الزيدي قائلا بأن "عطية الرادوني هي أصل العيطة العبدية، وتسمى ببرغالة، ولها أيضا اسم آخر هو (الخيل أوين)". وتعتبر الرادوني، حسب الصقر، من أرقى أشكال فن التعبير الغنائي، وأصعب الأغاني العيطية "هي الرحم الولاد، الذي أنجب أغاني العيطة، وتفرعت منها أغانيها الجميلة بمجال منطقة عبدة".. ويمضي في حديثه قائلا "أغلب أغاني عيوط المرساوي تتضمن قتيبات مأخوذة من عيطة الرادوني، ونفس الشيء يسري على أغاني العيطة الحصباوية، والحوزية كذلك ..."

وتفاعلا مع حلقات سفرنا الفني مع الشيخ عمر الزيدي التماني عبر مجال عبدة الساحرة، أكد الشاعر الحمري الزجال الأستاذ إدريس بلعطار أن الباحث الأستاذ بوحميد يعتبر أن عيطة الرادوني تتوفر على "عْتوبْ" مرساوية لكنها لم تكتمل.. مؤكدا على أن "النمط الحمدوشي تم تركيبه في ذات العيطة من طرف أهل الحصبة، خلاف العيطة المرساوية التي يغيب فيها الإيقاع الحمدوشي.." ، وأصر على أنه يحترم كل الآراء في تصنيف العيطة، على اعتبار أن هناك اختلاف حول مسألة أن الرادوني هي أم لعيوط".. هناك من يقول بأن الحصبة/ رجانا في العالي، هي أم العيوط، وهناك من يدافع عن عيطة خربوشة بأنها رافعة لواء العيطة لأنها تتضمن نفسا ملحميا وبطوليا، وتؤرخ لمرحلة تاريخية من مراحل المقاومة ضد الظلم والطغيان".

ملاحظة: (القتيبة هي توشيحة تقاسمتها العيطة مع الطرب الأندلسي، فيها لحن وإيقاع وكلمات معينة منسجمة مع اللحن والإيقاع الذي تتركب عليه الكلمات، وقد تتكون العيطة من قتيبة أو أكثر (من 1 إلى 9)، الرادوني تتضمن 9 قتيبات، وكل قتيبة لها لحنها وإيقاعها وكلماتها، والانتقال من قتيبة لأخرى يتطلب "حطة"، والحطة هي التي تقوم بعملية الربط بين القتيبات...