ماذا بعد سخط الملك على خيانة الأمانة؟

ماذا بعد سخط الملك على خيانة الأمانة؟

لم يكتف الملك محمد السادس بالإقرار، في خطاب 13 أكتوبر 2017 بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية، بفشل نموذجنا التنموي، وبتحديد مجمل الاختلالات التي تشوب عمل الإدارات العمومية والهيئات المنتجة. لكنه دعا كذلك إلى مسيرة من نوع جديد تؤسس لمقاربة ناجعة من شأنها مواصلة لبنات عملية الإصلاح الشامل، عبر إعادة النظر في النموذج المتبع في كل المجالات والقطاعات الحيوية التي تهم المعيش اليومي للمواطنين، بحثا عن إيجاد الحلول العملية للمشاكل المطروحة، وللمطالب المشروعة للمغاربة، في أفق تنمية متوازنة ومنصفة. ومن ثم أكد جلالته على الحاجة إلى المقاربة التشاركية التي تتطلب انخراط كل القوى المجتمعية الحية في المسيرة الجديدة. بل دعا إلى أكثر من ذلك: الانكباب الجدي على القضايا والمشاكل المطروحة، وتقديم مقترحات عملية، واضعا الحكومة أمام مسؤوليتها لوضع جدول زمني لاستكمال تفعيل الجهوية المتقدمة، محددا مسؤوليات الجميع، برلمانا وحكومة ومنتخبين، أمام الله والشعب والملك عن الوضع الذي تعرفه البلاد.

 لم يكن الخطاب الملكي إذن نعيا فقط لنموذج تنموي أو مجرد توصيف لحالات قائمة، ولكنه وضع خارطة طريق لإصلاح الأوضاع الحالية اقتضتها الصلاحيات الدستورية للملك، وتطلبتها الحاجة إلى التجاوب مع المطالب المشروعة التي يرفعها الشارع المغربي منذ سنوات، واحتدت بشكل خاص منذ أكتوبر 2016، تاريخ انطلاق أحداث الشمال إثر مقتل محسن فكري. الأمر الذي أدخل بلادنا في زمن الاحتجاج بدت معه الحكومة بكل أذرعها الإدارية، والمنتخبون بكل تلويناتهم، فاقدين كل إرادة حقيقية في التعامل مع تلك الأحداث. تماما كما لو أنهم غير معنيين بما يجري. وهو ما اعتبر ليس فقط خيانة الأمانة، أو إخلالا بتحمل المسؤولية، ولكنه كذلك انتهازية مقيتة، وجبن سياسي وأخلاقي.

وكان علينا أن ننتظر إلى أن أعلن الملك، في الخطاب المذكور، عن الحاجة إلى «اعتماد حلول مبتكرة وشجاعة، حتى وإن اقتضى الأمر الخروج عن الطرق المعتادة أو إحداث زلزال سياسي»، وما ترتب عن ذلك من دينامية تشكيل لجنة للتحقيق في سبب تعثر الأوراش الكبرى، وضمنها مشروع منارة المتوسط المخصص لتنمية مدينة الحسيمة منذ سنة 2015، وصولا إلى الحدث غير المسبوق بإعفاء وزراء ممارسون وسابقون، ومسؤولين كبار أقر التحقيق بأنهم ضالعون في تعثر الأوراش المقررة.

إزاء كل ذلك يتبين أن أحد تمظهرات فشل نموذجنا التنموي: افتقاد الإدارات العمومية، بعد غرقها في الروتين البيروقراطي، وبسبب عتاقتها التسييرية، لدورها في الخدمة العمومية. كما أن الهيئات المنتخبة لم تعد تمثل آليات وساطة بين الدولة والمجتمع. إضافة إلى ذلك تبين أن الفساد المشتري ليست فقط فساد تبذير المال العمومي والثروة الطبيعية وهدر الزمن المادي والنفسي عبر العبث بالقرارات والمشاريع. ولكنه أيضا فساد السياسة، والنخب الحزبية تحديدا، بعد أن تخلت هي الأخرى عن دورها الدستوري في التأطير، واقتصرت فقط على مجال الاستثمار الشخصي، واقتسام مغانم الريع السياسي.

وقد استشرى هذا الفساد المتعدد الأوجه حتى أصبح يعطي الانطباع بأن عجزنا التنموي حالة بنيوية تجعلنا عاجزين على الدوام عن التقعيد لنموذج تنموي على شاكلة كل البلدان الصاعدة مثل كوريا الجنوبية وسنغافورة وماليزيا وتايوان؟

في هذا السياق نقرأ دعوة الملك محمد السادس إلى تجديد نفَس الإصلاح، وإلى خارطة طريق مضبوطة ومحددة للمسؤوليات والالتزامات، وربطها ذلك بمبدإ اقتران المسؤولية بالمحاسبة.

السؤال المطروح: هل تلتقط النخب كل تلك الإشارات الملكية لنباشر حقا "مسيرة من نوع جديد"؟ أم أنها في حاجة إلى زلازل جديدة؟  فالمؤكد أن الأفكار والمشاريع موجودة. مثلما المؤكد أننا بحاجة إلى نموذج تنموي جديد. ما نحتاجه فقط هو المصلحون الحقيقيون داخل الإدارة العمومية والهيئات المنتخبة والإدارات الترابية، وداخل الجسد الحزبي.

ملف هذا العدد يطرح الموضوع وأسئلته على مجموعة من الجامعيين لقراءة الوضع الراهن عبر تفحص أسباب فشل نموذجنا التنموي، وإمكانيات استئناف مشروع الإصلاح من جديد.

(تفاصيل أوفى حول هذا الملف تقرؤونها في العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن")

A-Une-A