المحجوب حبيبي: هذا هو تفسيري حول تنامي الاعتداءات ضد رجال التعليم

المحجوب حبيبي: هذا هو تفسيري حول تنامي الاعتداءات ضد رجال التعليم

يرى المحجوب حبيبي، الباحث في علوم التربية، أن ما يحدث من اعتداءات وإهانات لرجال التعليم؛ يجد جذوره في الاستهداف الذي طال الحركة التلاميذية منذ السبعينيات من القرن الماضي، والإجهاز على العلاقة الحميمية التي كانت تجمع الأساتذة بتلامذتهم من خلال ضرب القدوة والمثال واجتثاث الفعل التربوي والإجهاز على البرامج والمناهج التعليمية، مما أدى الى نشوء علاقات تضاد بين الأساتذة والتلاميذ، مؤكدا، في حديثه لـ"أنفاس بريس" أن المدرسة الآن تحولت الى ما يشبه المزاد مليء بالجثث التي تفوح منها الروائح وإنتاج " المشرملين " و حاملي الأفكار المتطرفة، محذرا من تفاقم الوضع بعد تبني الوزارة الوصية للتشغيل بالتعاقد .

+ماهو تعليقك على بروز ظاهرة الإعتداء على الأساتذة بالمؤسسات التعليمية، وعلى الخصوص حادث وارزازات وحادث تمارة ؟

++قبل أن نتحدث عن النتيجة المأساوية التي رأيناها في الشريطين المشار إليهما، ينبغي أن نتكلم عن المنطلقات والأسس، فالأمر لا يتعلق بحالة معزولة هنا وهناك، والعنف ليس فقط هو العنف الجسدي فقد يكون عنفا معنويا، وعنف بأشكال متعددة، فيه نوع من اللامبالاة ونوع من الإهانة..وإذا بحثنا في الجذور سنجد أن ذلك تأسس منذ مدة بشكل رهيب، ويمكنني القول منذ السبعينيات من القرن الماضي، والتي شكلت بداية مهاجمة الحركة التلاميذية عبر ضرب النقابة الوطنية للتلاميذ ( 1972-1973 ) والتي كانت مؤسسة واعدة رغم إمكانياتها المتواضعة، حيث حوكم العشرات من التلاميذ، علما أنه كانت هناك علاقة حميمية بين الأساتذة وتلامذتهم والتي تتجلى في التنظيم الجماعي للرحلات، الأوراش، الأنشطة، فكان هناك إحساس جماعي بأن هناك مطلب يجب أن يتحقق وهو بناء الإنسان، كما أنه مع نهاية السبعينيات ضرب رجال التعليم مابين 9 و 11 أبريل 1979 ( ضرب الوحدة والإنسجام، طرد وإهانة عدد هام من رجال التعليم، تصفية الحسابات من خلال الترقيات..) هكذا تم ضرب القدوة والمثال واجتثاث الفعل التربوي وإلهائه، وتم الإجهاز على العلاقة الحميمية التي كانت تجمع التلاميذ بالأساتذة عبر كبح الدينامية الإجتماعية لأسباب امنية، فكانت النتيجة للأسف الشديد هو ما سيؤول إليه التعليم في ما بعد، حيث ستتنتهي تلك العلاقة التربوية وسيصبح العمل التربوي كما شبهه أحد المفكرين عملا بلقيا، أي أن التلميذ الذي يدخر ما يعطى إليه سواء كان له علاقة بمصيره ومستقبله وبرؤيته وبفكره أو لم تكن له هذه العلاقة المهم أن يسترجعه عند الامتحان لأن الحراسة المشددة ينظمها الامتحان، وبالتالي فإن الذي لا يستطيع أن يحفظ سيلتجأ الى الغش..دخل الغش وأصبح الأستاذ حارسا ليواجه ذلك الغش فنشأت علاقة تناقضية لا أذكر فيها هذه الأشياء فقط ولكن هناك أشياء لا حصر لها تتولد عن هذا المسار الرديء والحقير والذي نبهنا له في حينه بكتابات وبتوجهات، لكن كان السيل جارفا .

+هناك من يقول إن السبب وراء تفشي هذا الصنف من العنف والذي يستهدف رجال التعليم يعود الى انهيار هيبة الأستاذ في السنوات الأخيرة بسبب بروز عدد من الفضائح من قبيل فضيحة " الجنس مقابل النقط " ما رأيك ؟

++لما يصير الأمر مبتذلا وتعم الإنتهازية، ولما يتم تشيء العمل التربوي وتحويله الى موضوع للربح، تظهر جميع الفطريات وتظهر جميع المصائب..لايمكن اتهام طرف دون آخر فيما يحدث..فذلك الذي يبحث عن غايته أو عن هدفه كيفما كان..قذرا أو بأي شكل من الأشكال هو في حد ذاته نتاج هذه التربية، اذن كما ربي هو يربي، وكما علم يعلم ..

+اذن هذا يقودنا حتما لإشكالية التكوين ؟

++الأمر متشابك جدا..تخيل معي أنا مارست التكوين وكنت أحاول أن أكون وأن أشحن وأعبىء، فكانت النتيجة هو أن الناس يميلون إليك ويبحثون عن توجهاتك ويسايرونك إبان مرحلة التكوين، فاذا كنت من اتجاه سياسي معين إسلامي أو يساري..يخاطبونك بنفس الخطاب، ولكن عندما يخرجون يمارسون نفس ماهو سائد داخل المؤسسة وماهو عام..أقول أن المدرسة بهذه العلاقات التربوية..تلاميذ وأساتذة ومادة التكوين كل هذه الأشياء شكلت بنية أنتجت ما انتجته لنصل الى ذلك العنف المدرسي الذي يمتد من الكراهية ومن السباب ومن إلغاء الآخر ومن إحساس بعض التلاميذ بأنه لا مصير لهم ولا مستقبل لهم وبأن المدرسة لم تعد تجيب على حاجياته من وبأن دبلومه وشهادته ليست لها قيمة فهذا سيؤدي حتما الى واقع فيه تنابذ وتباعد وهو ما أدى الى ما أدى إليه..

+وكيف تنظر الى رد فعل التلاميذ أثناء حصول الاعتداء بوارزازات، حيث وصفه بعض المراقبين ب " السلبي " إذ اكتفوا بالفرجة بدل التدخل لإنفاذ الموقف ؟

++في السابق كانت تحصل اعتداءات هنا وهناك وكان التلاميذ يتدخلون لفرض احترام الأستاذ وعدم التطاول عليه، بخلاف ما يحصل الآن إذ أصبح العنف ضد رجال التعليم مقبولا من طرف التلاميذ، وهو الأمر الذي يستدعي البحث من طرف علماء النفس وعلماء التربية، وأعتقد أن القرار بهذا الشأن ينبغي أن يكون سياسي وتربوي، وأنا أقول بصوت عالي، المدرسة العمومية على سرير الموت وليس فقط مهددة بالسكتة القلبية، فالمدرسة أضحت تنتج صنفين من الخريجين : صنف يعدون أنفسهم للموت وهم المرشحين للانخراط في مختلف التوجهات المتطرفة بما فيها " الداعشية " وإما صنف " المشرملين " أما الاستثناء فهم من أفلتوا من التلاميذ  إما بتأثير من وسطهم العائلي أو لانتمائهم لجمعية معينة وهم يظلون مجرد أقلية..

+وما هي سبل إعادة الاعتبار لرجل التعليم في نظرك ؟

++كما قلت لك المدرسة المغربية ماتت، فها نحن نعاين إدماج خريجين بدون تكوين باعتبارهم أساتذة بالتعاقد، مع الأسف المسؤولون عن تدبير القطاع ارتهنوا لحسابات الاقتصاد وهو ما يؤكد غياب الإرادة لدى هؤلاء لحل الأزمة التي يتخبط فيها التعليم..فماذا سننتظر في مزاد مليء بالجثث..لن تشم إلا رائحة الموت..وهذا لا يعني وجود استثناءات ضمن هؤلاء المتعاقدين، ولن يجدوا فكرهم ورأيهم صدى..هذه كارثة علما أن الأمر يتعلق برحم المجتمع وأقصد المدرسة التي تنتج المربين والقضاة والأطباء ورجال الأمن..