الجزائر.. الدولة المارقة التي صنعت خارج رحم التاريخ والجغرافيا

الجزائر.. الدولة المارقة التي صنعت خارج رحم التاريخ والجغرافيا عبد الوهاب دبيش، وعبد المجيد تبون
أكثر من ثمانية عشر جنيرالا ممن غادر البلاد أملا في حياة هادئة وآمنة بعيدا عن القتل والإعدام والسجن، وأكثر من ثمانية قتلوا في ظروف غامضة أو إثر محاكمات صورية غاب فيها العدل والعدالة، وحضر الاتهام بالتخابر ضد الدولة، وأكثر من أربعمئة ناشط سياسي غادر البلاد بحثا عن ملاذ آمن بعيدا عن الاغتيال والسجن والتعذيب.
لا تجد داخل هذه الدولة شخصا واحدا يشتغل بموضوعية، ولا يمكن له أن يشتغل إلا إذا أعلن الولاء لاطروحة العداء للمغرب. إنها جزائر ما بعد الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي.
العروي كان واضحا في حواره مع الراحلة مليكة مالك، حين قال متسائلا وموجها خطابه إلى الدولة المغربية: كيف يمكن أن تبني مستقبلا مشتركا مع من يعتقد أنك سبب احتلاله سنة 1830؟
إنها مفارقة الدولة المريضة المستعصية عن الشفاء من مرض عضوي اسمه المغرب أو كما يتفوهون «المخزن». الجهل ديدنهم حتى في صك الاتهام الموجه إلى الجار الغربي، ولتكن البداية بتوضيح بسيط قد يجعلهم يتخلون عن سب المغرب بالمخزن.
المخزن أيها الجهلة المارقون المرضى، بنية مؤسساتية قديمة بالمجال المغاربي، ولعلها من صنع الموحدين الذين تفترون عليهم ظلما وعدوانا بأنهم من الجزائر.
ولنعد إلى مصطلح الجزائر، هذا المصطلح كان يطلق تجاوزا على بعض الجزر الموجودة في خليج الجزائر العاصمة التي كانت تابعة لإحدى الإمارات أو القبيلة التي تدعى مزغنة،, وهي بالمناسبة موجودة في المجال الترابي للمدينة آنفة الذكر. أما كيف أطلق لفظ الجزائر على البلد قبل الدولة، فهذا موجود في شهادة ميلاد الجزائر الفرنسية سنة 1839، تسع سنوات بعد احتلال الجزائر من قبل فرنسا.
هذا الاحتلال كانت له تبعات أبرزها ما يعرف بحركة الأمير عبد القادر الجزائري الرجل المفترى عليه في منظومة البروباغاندا الجزائرية المشروخة الاسطوانة.
ثار عبد القادر الجزائري واستنجد بالمغرب الذي قدم له مساعدات لوجيستية كبيرة وانتقل إلى الأقاليم المغربية باحثا عن الدعم الذي لم يعثر عليه في بلاده، بل إن الأعيان بالغرب الجزائري حاصروه وخرج هاربا بجلده إلى المغرب أملا في المساعدة التي حصل عليها مباشرة من السلطان العلوي مولاي عبد الرحمان بن هشام
كانت نتيجة مساندتنا للجزائر تعرض المجال المغربي للقصف الفرنسي، كان من أبرز نتائجه انهزامنا في معركة ليسلي 1844-1845 وتوقيع المغرب لمعاهدة إسلي التي فقدنا خلالها الخط الحدودي الذي كان يمر عبر وادي تافنة غرب بني صاف مباشرة، بدل الوادي الفاصل بين السعيدية والجزائر حاليا
كان المغرب الأرض التي استقبلت الآلاف من العائلات الجزائرية الهاربة من الاستعمار الفرنسي، والتي استقرت بفاس ومكناس ووجدة وتطوان وطنجة وسلا. وتوالت مشاكل المغرب مع استمرار الاحتلال الفرنسي للجزائر التي أصبحت تضم ثلاث مقاطعات هي: مقاطعة وهران والجزائر العاصمة وقسنطينة.
وبدأ مسلسل اقتطاع أجزاء ترابية من المغرب منذ نهاية العقد الثامن من القرن التاسع عشر، وكانت البداية من توات المغربية التي احتلها الفرنسيون بين 1898 و1902، ثم مناطق القنادسة وگورارة وتيكرارين وبشار وتندوف، وكلها مناطق مغربية لها مسلك واحد ووحيد هو الذي يربطها بسجلماسة المدينة التاريخية بتافيلالت، مهد الدولة العلوية!!
وجاء احتلال المغرب فيما عرف تاريخيًا بفرض عقد الحماية ثلاثين مارس 1912.
واستمر المغرب قبلة الجزائريين، وهذه المرة استقبل العائلات الجزائرية التي كانت تلعب دور المترجم للفرنسيين حديثي الوجود بالبلاد.
تأسست نواة المقاومة التي لم يغب فيها الدور المغربي، حتى أن الحضور الشعبي في المقاومة الجزائرية تعترف به الأرض الجزائرية قبل حكامها.
حصل الاستقلال المصادر، كما عبر عنه فرحات عباس une indépendance confisquée، وتم قتل كل الزعماء من قبل العناصر العسكرية الملتحقين بالدولة الجزائرية بعد الاستقلال.
محمد بوضياف قتل في يونيو 1992، حسين اين احمد مات مغتربا بسويسرا، محمد خيضر مات مغتربا وأوصى بدفنه بالدار البيضاء بالمغرب، وكريم بلقاسم الذي هاجر قسرا إلى ألمانيا واغتالته العصابة الحاكمة في قصر المرادية سنة 1970.
إنها تراجيديا الاغتيالات والقتل التي اعتنقها كابرانات (تسمية هؤلاء بكابرانات أصلها ان رتبهم في الجيش الفرنسي عند بداية الاستقلال المصادر كانت لا تتعدى كابران او كابران شاف) تراجيديا الاستقلال المغتصب الذي جاء به هؤلاء.
مشكلة العسكر الجزائري هي الدولة المغربية التي يؤرق تجذر بنياتها الدستورية حكام دولة صنعت خارج رحم التاريخ وخارج رحم الجغرافيا وبعيدة عن الشعب الجزائري وتطوره الطبيعي.
دولة امتهنت الكذب في أبهى صور البروباغاندا بأكاذيب انطلت على الشعب الجزائري أولا، وعلى دول العالم ثانيا.
الأكذوبة الأولى تهم عدد الشهداء المتوفين جراء الاستعمار الفرنسي، والتي تعتقد العصابة وتصر على الترويج إنها فاقت المليون ونصف المليون شهيد.
هذه الأكذوبة صنعها عبد الناصر الرجل الزعيم» الذي لم يحقق نصرا في تاريخه، قالها في وهران وصدقه بنبلةً وروجها القائمون على المشهد السياسي.
هذه الأكذوبة استثمرت بشكل جيد لغسل دماغ المواطنين الجزائريين لإعطائهم وهم الزعامة والثورة والقوة التي لا تقهر.
هذه هي الجزائر، دولة مريضة جدا وتعاني من انفصام وجودي ليس له علاج إلا بنهاية الاسطورة ومن ساهم في صنعها.
 

عبد الوهاب دبيش، أستاذ التاريخ