البدالي يوم غضب الأسرة التربوية: التعليم ضحية قراصنة البرامج و النماذج

البدالي يوم غضب الأسرة التربوية: التعليم ضحية قراصنة البرامج و النماذج

هذا اليوم، الخميس 19 أكتوبر 2017، وكما أعلنت العديد من النقابات، فإنه يعد يوم الإحتجاج بالنسبة للأسرة التعليمية، وفيه تحمل شارة الغضب مع تنظيم وقفات تنديدية  تزامنا مع استراحة الفترة الصباحية واستراحة الفترة الزوالية. مطالبة بالإشتغال على إيجاد حلول عاجلة لإنقاذ المنظومة و في مقدمتها النهوض بأوضاع نساء و رجال التعليم بدل اللجوء إلى خرجات إعلامية غير محسوبة تزيد الوضع التعليمي احتقانا. فضلا عن دعوة السلطة التربوية في شخص وزير التربية الوطنية و التكوين المهني و التعليم العالي و البحث العلمي إلى إعمال منطق الشراكة وإيقاف منهجية استهداف أهل الميدان. وفي هذا السياق، أبدى صافي الدين البدالي، ناشط حقوقي وسياسي كما أنه قيادي بحزب الطليعة الديمقراطي الاشتراكي، برأيه في الواقع التعليمي ككل من خلال هذه السطور التي خص بها جريدة "أنفاس بريس":

"يعرف قطاع التعليم اليوم في المغرب أزمة حقيقية، و تزداد عمقا بفعل سياسة تحدي المطالب الشعبية و توصيات المنظمات الدولي، و يأتي الموسم الدراسي الحالي 2017 /2018 ليكشف عن عمق هذه الأزمة التي يعيشها قطاع التعليم . و هي أزمة إن لم نقل كارثة تعليمية/تعلمية، تربوية / بيداغوجية لا مثيل لها في دول العالم، بل حتى الدول التي تعيش حروبا طاحنة و حتى التي تقاوم الإستعمار لها تعليم وطني.

إنها أزمة ليست وليدة اليوم أو أنها أزمة في سياق ظرفية سوف تزول بزوال مسبباتها، وإنما هي أزمة هيكلية لم تعد قابلة للترقيع أو للتأجيل أو للخطابات الرنانة حتى الرسمية منها من أجل التطبيع معها، لأنها أزمة تمس المجتمع المغربي بشكل مباشر في عمقه الاجتماعي و الاقتصادي و الثقافي و التنموي و في هويته الوطنية، و تحول دون تقدمه و استقراره . فمنذ الإستقلال، من عهد الراحل محمد الفاسي سنة 1956 وزير للتربية الوطنية و الشبيبة والرياضة و الفنون الجميلة إلى الوزير حصاد وزير التربية الوطنية و التعليم العالي و تكوين الأطر في هذه السنة الدراسية 2017 / 2018 و التعليم يتعرض لهزات عنيفة جراء سياسة النظام المخزني الذي ظل يعتبر التعليم قطاعا غير منتج مقابل القطاع السياحي و القطاع الزراعي، و ظلت كل الإصلاحات المحسوبة على التعليم ريعا ماليا و سياسيا لا علاقة لها بالمفهوم العلمي للإصلاح، بل كانت تترجم إلى قرارات تهدف إلى تحويل المدرسة الوطنية إلى مؤسسة تنتج الأمية و التطرف و الإتكالية و الرشوة و الغش و الجهل و ترسيخ الفكر الخرافي و تجبر أبناء عدد من الأسر الميسورة إلى الرحيل نحو المدارس الخصوصية التي أصبحت تحظى بالرعاية الكاملة من طرف النظام و إجبار أبناء الأسر الضعيفة إلى المغادرة كرها للمدرسة العمومية. مما جعل نسبة الهدر المدرسي و الإنقطاع عن الدراسة ترتفع حتى أصبحت مخيفة بالنسبة لمنظمة اليونسكو في تقريرها الأخير و للمؤسسات الدولية.

فأين نحن من توصيات لجان الإصلاح التي عرفها الحقل التعليمي منذ الاستقلال، أي لجنة إصلاح التعليم لسنة 1957 و التي من هم أهدافها  تعميم التعليم على الجميع والتعريب عبر مراحل، بالإضافة إلى الإهتمام بتكوين الأطر و مغربتها، ثم اللجنة الملكية الإصلاح التعليم سنة 1958؟ و أين نحن من ملاحظات اللجنة الأممية في مؤتمر طرابلس سنة 1966 الذي أكد على  أن التعليم في المغرب يفتقد إلى التوازن بين أسلاكه و الأهداف الاجتماعية و الثقافية و الاقتصادية"؟. أين نحن من الميثاق الوطني للتربية و التكوين؟ أين نحن من منتديات الإصلاح في نهاية القرن الماضي؟ أين نحن من البرنامج الإستعجالي؟ أين هي نتائج مئات البرامج التي مولتها منظمات دولية و ما هو مصير ملايين الملايير من الدراهم التي خصصت لما يسمى بالإصلاحات رغم أنها إصلاحات مفقودة؟ و ما هو الجديد الذي جاء به المجلس الأعلى للتعلي؟ و ماذا استفادت المدرسة العمومية من هذا المجلس؟ و ما هي القيمة المضافة في التعديلات التي أدخلت على البرامج التعليمية خلال السنتين الأخيرتين في عهد الوزير بلمختار و التي صرفت فيها أموال طائلة لفائدة المطابع و للمؤلفين؟

إننا أمام مجزرة حقيقية في حق المدرسة العمومية و في حق الأجيال الصاعدة، أبطالها قراصنة البرامج والنماذج الأجنبية لنهب ميزانية التعليم تحت ذريعة الإصلاح (التدريس بالأهداف، التدريس بالكفايات، بيداغوجية الإدماج...)، و من ورائهم لوبيات خوصصة التعليم العمومي بإفراغه من محتواه و طمس رمزية الأستاذ الذي تحول إلى متعاقد حتى تكون المدرسة العمومية عبارة عن مصنع لا ينتج إلا الأزمات التربوية و النفسية و الإشكالات المعرفية و المهاراتية. و يقول الأستاذ فوراستيي << إن البلد المتخلف اقتصاديا هو بلد متخلف تربويا>>. لذلك يجب أن تكون المدرسة مرتبطة بمذهب تعليمي يحمل جملة من المبادئ و الأهداف منها:

ـ مدرسة وطنية منسجمة بانسجام الأسلاك و الثقافات و الكتب المدرسية و التوحيد و الإهتمام بالمواد العلمية و التقنية و جعل اللغة العربية لغة البحث العلمي و العمل.

ـ مدرسة تنتج أجيالا و اعدة و منتجة تتعاطى بشكل إيجابي مع التحولات الاقتصادية و البحث العلمي.

ـ جعل الأستاذ باحثا و مؤلفا و مبدعا و مدبرا ومنشطا و مخططا و رمزا للثقافة و المعرفة بتوفير كل الشروط الضرورية أثناء مرحلة التكوين الأساسي و التدريب الميداني و عند تكليفه بمهمة تعليم الأجيال.

ـ جعل البناية المدرسية محفزة و ذات بنية تحتية لها جاذبية تستجيب للشروط التربوية و الثقافية و الرياضية و الفنية حتى تساير التطور العلمي، لأن العلم يتقدم بسرعة و يغير من أنماط حياة الإنسان و الدولة المغربية لا زالت تجعل من العلم ومن العلماء سخرية و من المدرسة ريعا ماليا و من الأميين مفكرين و مخططين. وفي هذا السياق قال الفيلسوف الإنجليزي روسيل" Roussel " << إن العلم يتقدم بخطى العمالقة وهو في كل يوم يصوغ مصير الإنسان أكثر فأكثر. إنه يغير أنماط حياته و يصيبه حتى في استجاباته العميقة...>>. و مع ذلك فإن المغرب يتعامل مع التعليم و كأن شيئا لم يقع. ولا زال الكبار في هذا البلد يتخذون التعليم لعبة و ليس روحا للوطن".