كشفتها خريطة الاحتجاجات التي رصدتها «الوطن الآن».. كيف تحوّل الشارع بالمغرب إلى ديوان للمظالم!

كشفتها خريطة الاحتجاجات التي رصدتها «الوطن الآن».. كيف تحوّل الشارع بالمغرب إلى ديوان للمظالم!

لم يعد الاحتجاج في المغرب مكسوا بالاصفرار الذي يترجمه إهمال المواطنين لحقوقهم الأساسية، ولم يعد الخروج إلى الشارع يتكسر على جدار ما يسمى بضرورة الحفاظ على السلم الاجتماعي؛ فلا يكاد يمر يوم دون أن نرى أو نسمع أن الناس، في هذه المنطقة أو تلك، خرجوا للتعبير عن عدم تحملهم للجوع والعطش والحرمان والإقصاء والظلام، ودون أن تصلنا أنباء عن الوقفات أو المسيرات التي تثبت أن الاحتجاج تحول إلى دم يتدفق في العروق، وأنه «أصل تجاري» لملء المطالب والتعبير عن السخط من بطء تنزيل الأجندات التنموية التي يلتزم بها المسؤولون على المستوى المحلي والمركزي.

إن ما يعيشه المغرب، منذ سنوات (وتحديدا منذ بداية الانفتاح السياسي في أوائل التسعينات من القرن الماضي، تاريخ تصاعد منحنى الاحتجاج بالشارع)، ليس تقليدا لموجة الاحتجاجات التي اجتاحت العالم العربي ،بعد 2011، كما يمكن أن يتبادر إلى الذهن، بل هو تعبير عن تراكم كبير تحقق في ثقافة الاحتجاج بالمغرب بغاية محاربة الفساد والضغط على المسؤولين لتحقيق الإصلاح الموعود، فضلا عن كونه تمرينا واختبارا للمسؤولين عن تدبير السياسات العمومية. فالمواطن يراقب عن قرب، ويحتج على الفساد والإفساد، ويطالب بحقوقه، ويطمح إلى الترقي الاجتماعي على مستوى الخدمات الأساسية، من ماء وكهرباء وشغل ونقل وصحة وتعليم وطرق. وهذا يوضح  أن تجربة الاحتجاج في المغرب، رغم استمراريتها، أكثر تقدما ونضجا من التجارب الأخرى في العالم العربي،كما أن عدم توقفها يثبت أن الاحتجاج أصبح جزءا لا يتجزا من ثقافة المغاربة.

يتميز الاحتجاج المغربي بمجموعة من الخاصيات:

أولا: التوسع والاستمرارية: لا تحتكر أي جهة من جهات المغرب الـ (12) الخروج إلى الشارع للتعبير عن المطالب الاجتماعية، وهي مطالب إما فئوية أو محلية، تشتعل في هذا المكان لتنطفئ في ذاك، بوتيرة متصاعدة، حيث بلغ عددها، خلال 4 أشهر (من ماي إلى غشت) أكثر من 110 احتجاجا..

ثانيا: الطابع الاجتماعي: أغلب المطالب التي يرفعها المحتجون مرتبطة بما هو اجتماعي واقتصادي، وأيضا بالمشاكل البنيوية التي تعرفها البلاد: مستوى الفقر، الرشوة، أداء الإدارة، المحسوبية والزبونية، الغش والتدليس والاستيلاء على الملك العمومي، التدبير الكارثي لبعض المرافق الحيوية، تبذير الميزانيات وتجميد المشاريع...إلخ.

ثالثا: السلمية: تحول الاحتجاج إلى ثقافة سلمية بامتياز، إذ تكاد لا تخلو مدينة أو قرية من وقفات ومسيرات واعتصامات. وتشهد البلاد، على مدار السنة، احتجاجاتٍ من كل الأصناف، وفي جميع المجالات، وترفع فيها كل أنواع المطالب، ويشارك فيها المئات من المواطنين، كما أن أغلبها يمرّ في ظروف سلمية، فيما يدخل المحتجون أحيانا في مواجهات عنيفة مع عناصر الأمن، كما وقع يوم الأحد الماضي في زاكورة. لكن لم يسبق أن تحول الاحتجاج إلى عصيان مدني، أو إلى سلطة مضادة للمؤسسات.

رابعا: غياب الوسطاء: كشفت الحركة الاحتجاجية في المغرب معطى أساسيا تمثل في غياب مؤسسات الوساطة (الأحزاب، النقابات، الجمعيات، الزوايا)، وهو ما يثبت أن هذه المؤسسات فقدت قدرتها على أن تصنع رابط بينها وبين أهم انشغالات المواطن. ويمكن إرجاع هذا الغياب، فضلا عن الترهل، إلى عدم

قدرتها على نهج سياسة محلية مواكبة لهموم المواطن، وأيضا إلى عجزها عن تأطير الاحتجاج الاجتماعي بأجندة تنموية محددة بدورها كوسيط بين المحتجين والسلطات العمومية.

خامسا: الإبداعية: ظهرت على سطح الاحتجاج أساليب جديدة، من قبيل «مسيرة الشموع»، «قرع الطناجر»، «خروج الأمهات إلى الشارع»، «ارتداء الأكفان»، وإبداعات نضالية أخرى مختلفة، مما يبين أن هناك إبداعا جماعيا لأشكال الاحتجاج، تعبير عن الترابط الاجتماعي بين أشخاص ونظرائهم الذين يشتركون بنفس الهدف ويتكافلون جميعهم لإحداث تغيير في المجتمع، وتحديدا تغيير الشروط السوسيو اقتصادية القائمة، فضلا عن الرفع من مستوى الوعي والبناء الديموقراطي للمواطنين محليا.

(تفاصيل أوفر حول موضوع هذا الملف تقرؤونها في العدد الحالي من أسبوعية "الوطن الآن")

A-AAA-A-AAA