إنها البداية، ولكل بداية كبوة، ولتكن إن شاء الله اللبنة الأولى لبناء صرح ثقافي مغاربي، قادر على تكسير ما شيدته السياسة من خنادق وسياجات، وبحثا عن تثبيت جهوية موسعة حقيقية اختتمت يوم السبت المنصرم فعاليات الدورة الأولى للمعرض المغاربي للكتاب "آداب مغاربية تحت شعار " لنعبر عن الشباب، لنكتب الأمل" بندوة صحفية نشطها من محمد امباركي رئيس المعرض والمدير العام لوكالة جهة الشرق الذي جدد على براءة المعرض من جميع التوصيفات التي يمكن أن تلحق به، معتبرا أن الملتقى هو ملتقى فكري وثقافي، تلتحم فيه جميع رؤى وأفكار الأدباء والنقاد والشعراء والكتاب والفنانين المغاربيين قصد غاية جوهرية وهي إعادة الاعتبار للكتاب والكلمة الصادقة.
" لم نقص أحدا، والدليل على أننا لم نقص فرع اتحاد كتاب بوجدة هو حضور رئيسه السابق حسن نجمي، كما وضعنا مبادئ كأرضية للاشتغال، ومن جملتها لا نؤدي تعويضا لأي مشارك في الموائد المستدير" بهذه العبارات رد امباركي على تساؤل بعض الصحفيين حول صحة إقصاء إدارة المعرض لفرع اتحاد كتاب المغرب بوجدة الذي بالمناسبة أصدر بيانا تبرأ من المعرض، واعتبره مناسبة لتكريس الرداءة لا أقل ولا أكثر، وتعليقا على جواب امباركي، ومن باب الإنصاف وإعطاء كل ذي حق حقه، ينبغي في البداية أن أشير أنني لست من العدميين، وللتاريخ أقول وهذا هو اعتقادي ـ أي إيماني المطلق ـ بأن مجرد التفكير في تنظيم معرض مغاربي للكتاب بوجدة يستحق التثمين والتشجيع، فبالأحرى أن ينظم معرض تحضره كما أعلمنا بذلك صاحب العرس خمسة عشرة دولة، فضلا عن عدد من الأسماء المثقفة ـ لا أعرف منها أنا شخصيا إلا النزر القليل وقد أكون شاذا في هذه الواقعة والشاذ لا يقاس عليه ـ من بلدان المغرب العربي الكبير، وقد عبرت عن رأيي بصراحة أمام ثلة من الصحفيين خلال الندوة الافتتاحية، وامتدحت الأخ المدير العام لوكالة جهة الشرق، واعتبرت في توصيفي للحدث بحكم حجمه أنه ما كان لينزل على أرض الواقع لولا الحضور القوي لشخص المدير امباركي، بحكم علائقه القوية والمتنوعة، ولم أستحضر حينئذ أي طرف آخر، مادام واجهة المعرض من البداية كانت تحمل اسم سيادته، لكن وبعد توالي الأيام من عمر المعرض أخذت مجموعة من الأمور تطفو على السطح، من قبيل أن وكالة تنمية الجهة الشرقية طرف كباقي الأطراف الداعمة للمعرض، وما غياب الأطراف الأخرى عن منصة الكلام إلا دليل على أن الخيوط جميعها التي تحكمت في التنظيم المالي والمادي واللوجستيكي والعلمي كانت بيد واحدة ووحيدة، وهي التي تتحمل مسؤولية المحاسبة والتقصير في جميع القضايا التي أثيرت والتي ظهرت والتي لم تظهر.
وبالرغم من القيمة المضافة التي قد يقدمها المعرض في المستقبل البعيد إن كتب له الاستمرار فإنني لا أستسيغ أن يبنى معرض على أسس ضيقة جدا، لأنك لا تجني غير الرداءة بعد زرع البذور الهجينة غير المتأصلة، ولم يكن لنطمئن على معرض يحمل فوق هودج لا يركبه إلا من ارتضته الإدارة الموقرة، أو امتلك صكوك تقارب وجهات النظر، ومن حق جميع المعنيين بالحقل الثقافي بالجهة الشرقية أن يعبروا عن صدمتهم واستيائهم من الطريقة التي تبنتها إدارة المعرض في البحث والتنقيب عن المثقفين الحقيقيين، لأن نهجها لم يسفر إلا عن حضور باهت وبارد وفقير لجل الجلسات، وأغلب الحاضرين والحاضرات باسم المثقفين وليس كلهم هم المتهافتون والمتهافتات، والدليل أن البعض منهم من أسندت إليه رئاسة جلسة لا يعرف أو تعرف من يجلس على يمينه أو يساره من أهرام المدعوين الجزائريين أو التونسيين أو المغاربة، ومن حق الداعمين والشركاء الحقيقيين كذلك أن يسألوا عن مصير أموالهم أين وكيف صرفت لأنها في آخر المطاف أموال الشعب؛ فلا يعقل أن تمنح الصلاحية الكاملة لشخص بعينه ومن معه قصد تزكيته لصرف أموال معتبرة حسب تقديري وهي أموال الشعب بالنظر لحجم أسماء المؤسسات العمومية الداعمة، وأجهل قدرها بالرغم من أن سؤالا مباشرا طرح في الموضوع وتم تجاهله بطريقة وكأن شيئا لم يطرح.
لا أنكر أن إجابة السيد الرئيس في الحفل الاختتامي بدت لي أغرب من الخيال، خاصة حينما أراد تبرير عدم إقصاء أحد، بالقول أن اتحاد كتاب المغرب حاضر، لأن رئيسه السابق وهو يقصد حسن نجمي حاضر ضمن اللجنة المشرفة على التنظيم، فحاولت فهم هذه العلاقة بين اتحاد ورئيس سابق فلم أفهم شيئا سوى أن فعل التغييب كان مقصودا، لأسباب لا يعرفها إلا القائمون على تنظيم المعرض.
الأسئلة التي حيرتني بكل بصدق، مع من نسقت اللجنة المنظمة في وضع برنامجها الثقافي على هامش المعرض الذي يبدو على الورق مقبولا، لكن لم يتحقق منه على أرض الواقع إلا النزر القليل؟ وما هي العناوين الوازنة التي استقدمها العارضون من دول المغرب الكبير، لا أحد ممن شاركتهم الحديث في الأمر خرج راضيا عن عناوين الكتب المعروضة، كل في تخصصه؟ وماذا تنتظر من أنشطة ثقافية تغيب عنها منظمة بحجم فرع اتحاد كتاب المغرب بوجدة وهي المنظمة التي يفترض أنها بيت كبار الكتاب والأدباء والشعراء والنقاد والقصاصين والروائيين والمفكرين في المجالات الأخرى القانونية والاقتصادية والطبية والعلمية؟ وعن أي علم بشكل عام يمكن أن نتحدث عنه في غياب ما تزخر به كلياتنا بالجهة من طاقات وأسماء كبيرة؟.
إذن النتيجة كانت منتظرة، لأنك السيد الرئيس كنت تنظر لنفسك وكأنك العارف والملم بكل شيء، وتناسيت أن أهل الدار دار العلم والمعرفة والأدب ولا غيرهم أدرى بأبنائها، وأدرى بأهل العلم والمعرفة والأدب، وحينما استعنتم بغير أهل الدار ضللتم السبيل، فجنيتم خيبة الأمل الذي سميناه حبا في المدينة نجاحا.
السيد امباركي في معرض إجابتك عن الإقصاء، استنكرت بل استغربت أن يطلب أديب أو مثقف له اسمه على الساحة الوطنية أو الدولية تعويضا عن مشاركته في أي نشاط ثقافي، مستندا في ذلك كما قلت بصيغة صارمة على مبادئ وضعتها من البداية تحرم على المشاركين في الموائد المستديرة أي تعويض، وأنا أجيبك بكل تواضع متعاطفا ومدافعا عن كرامة المثقف والمفكر والعالم والمثقف والأديب والشاعر والناقد والفنان، بالقول: إن كنت تصر السيد الرئيس على حرمان هذه الفئة من حقها في التعويض فلمن صرفت المبالغ المالية التي يعلم الله حجمها، هل تحرمهم لأنهم يحملون هما وتزيدهم أنت هما آخر؟ هل تحرمهم لأنهم فقط مثقفون؟ هل تحرمهم لأنهم لا يليق بمقامهم أن يحصلوا على تعويض مقابل معاناتهم اليومية مع الكتابة؟ هل تحرمهم لأنك في ذاتك لوحدك تظن أنك بقرارك تحترمهم؟ هل تحرمهم لتوزع الوزيعة على كل من هب ودب من الخدم والخادمات والأقلام المأجورة؟ .
لا وألف لا السيد الرئيس، كبار المثقفين والأدباء في العالم لا تحضر محاضراتهم إلا بعد تأدية واجب الحضور، والفئة الوحيدة التي ينبغي أن تكرم وأن نزيد في إكرامها ماديا ومعنويا هي الطبقة المثقفة، وبدونها لا يستقيم أي معرض، وفي الدول التي تحترم نفسها تفرغ المثقف للإنتاج فقط مع منحه شيكا على بياض، فكيف تريد السيد الرئيس أن ننهض بأمتنا وأنت أول من يريد إبقاء محركاتها بدون مؤونة؟.