محمد سالم إنجيه: مذكرات الحج... رحلة الذكر والشهود (14)

محمد سالم إنجيه: مذكرات الحج... رحلة الذكر والشهود (14)

- إلى طيبة الطيبة مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم

يقطع الحجاج مسافات طويلة في رحلة إيمانية لأداء فريضة الحج بمكة المكرمة والمشاعر المقدسة؛ وبانتهاء مناسك الحج، تسمو نفوسهم إلى زيارة مسجد النبي صلى الله عليه وسلم والسلام عليه وعلى صاحبيه، وزيارة المواضع المسنون زيارتها في إطار رحلة شهود المنافع في الحرمين الشريفين قبل العودة إلى أوطانهم...

تكفلت وكالة الأسفار بإرسال أمتعة مجموعتنا عبر شاحنة إلى محطتنا المقبلة المدينة المنورة، ثم أخبرنا بوقت المغادرة وهو حوالي العاشرة صباحا، ركبنا الحافلات ومرت عبر مكتب المطوف القريب من مقر وزارة الحج، لأخذ تصريح بالخروج وتسلم جوازات السفر، فاستغرقت العملية حوالي أربع ساعات ونحن ننتظر لم نفارق الحافلات إلا لصلاة الظهر أو شراء بعض المأكولات الخفيفة،  وهكذا يبقى الزمن أسير الإجراءات البطيئة مع الأسف، والضحية الحجاج ومن يقوم عليهم...

في الطريق إلى المدينة المنورة توجد محطات استراحة، لكنها غير مؤهلة مع الأسف لاستقبال أعداد كثيفة من المسافرين، صلينا العصر في منتصف الطريق، ثم وصلنا إلى محطة تبعد عن المدينة المنورة بحوالي مائة وستين كلمترا، حيث توقفنا لتزويد الحافلة بالوقود، فصادف توقفنا غروب الشمس، حيث صلينا المغرب والعشاء جمع تقديم في مسجد المحطة، ثم واصلنا المسير حتى بلغنا مركز تفويج الحجاج والمعتمرين، على بعد حوالي سبع كلمترات من المدينة المنورة، صعد الحافلات شباب من جمعية خيرية وزعوا علينا علبا فيها وجبة حاج... وصلنا إلى الفندق بالمنطقة المركزية للمدينة المنورة على الساعة العاشرة تقريبا، وتمت عملية التسكين بحمد الله بناء على المجموعات التي كانت في مكة المكرمة...

أثناء الرحلة ألقيت كلمة في حافلتنا ضمنتها التذكير بأبرز محطات الهجرة النبوية ابتداء من الاعداد لها، ومسار سيرها، والمعجزات التي تحققت فيها، إلى حين وصول المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاحبه الصديق رضي الله عنه إلى المدينة المنورة، مرورا بقباء، ومباشرته لبناء المسجد في مبرك الناقة، ومؤاخاة الأنصار والمهاجرين، وكتابة وثيقة المدينة التي نظمت العلاقة مع اليهود...

ثم عرجت على ذكر مشاهد التضحية والحب والبذل في بعض غزواته كبدر الكبرى، وأحد، والخندق..، وبينت المزارات المسنونة بالمدينة المنورة؛ مثل السلام على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه الصديق والفاروق، والصلاة في الروضة الشريفة التي بين قبره صلى الله عليه وسلم ومنبره، ومقبرة بقيع الغرقد التي تضم بعض آل البيت، وما يقارب عشرة آلاف صحابي، وكثير من العلماء القدامى والمحدثين، ولا يزال الدفن فيها مستمرا إلى الآن، وتبلغ مساحتها حوالي 180000 متر مربع.  ومسجد قباء الذي كان يأتيه النبي عليه الصلاة والسلام متطهرا من بيته فيصلي فيه ركعتين، وذكر أنهما تعدلان عمرة... إضافة إلى زيارة شهداء أحد، وعلى رأسهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنهم جميعا...

وهناك مواطن أخرى لها ذكريات مثل مسجد القبلتين، والمساجد السبعة، ومكان الخندق قرب جبل سلع، وفي سطح المسجد النبوي من الجهة الغربية توجد مكتبة عظيمة، منظمة ومرتبة بشكل جيد، عبارة عن قاعة مطالعة مفتوحة أمام الزوار مع توفير خدمة البحث الإلكترونية وقسم للغات... كما أقيمت في جنبات المسجد معارض تعتمد وسائل إيضاح حديثة تستحق الزيارة والمشاهدة، وهي: معرض تاريخ المدينة، ومعرض الحرمين، ومعرض أسماء الله الحسنى، ومعرض محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومعرض القرآن الكريم، ومعرض تاريخ عمارة المسجد النبوي... وزيارة هذه الأماكن تذكي روح الانتماء، وتعزز التعلق بالرسالة فضلا عن الاطلاع على جهود الأوائل في نصرة هذا الدين في ظروف صعبة جدا قد يصعب على أحدنا تخيلها اليوم، حيث نعيش قدرا من التنعم والانتفاع بوسائل عديدة تخفف من وطأة صعوبة العيش، ومع ذلك نكثر الشكوى، وغالب حالنا التفريط في خدمة الرسالة العظيمة التي حبانا الله تعالى بها...