للأمانة لا أتذكر أن والدتي تحدثت معي في يوم من الأيام عن حقوق الغير أو ضرورة احترامها؛ ولكنني تعلمت من خلال مواقفها احترام الآخر وعدم احتقار أيا كان وعدم معاملة الناس بالمثل. بل معاملتهم معاملة حسنة مهما بلغ بك ظلمهم. وأكاد أجزم أنك مثلي تتذكر لوالدتك مواقف نبيلة وجميلة أثرت فيك حتى اليوم... أذكر واحدة منها.

مواقف لم تحدثك عنها أو نصحتك بفعلها ولكنها تركت فيك أثرا لا ينسى حتى هذا اليوم...

هذا ما أدعوه التربية من خلال القدوة الحسنة...

أن تتصرف أمام أبنائك بأخلاق رفيعة تغنيك عن ألف نصيحة وخطبة بليغة...

مهما ادعيت لنفسك فلا قيمة لدعواتك قبل تطبيق ذلك في حياتك وتصرفاتك اليومية. فالدين المعاملة والأخلاق تجسدها تعاملاتك مع الناس...

ما نفع الكلمات والنصائح إن كنت تفعل أمام أطفالك ما يناقضها؟ ما فائدة حثهم على الصدق والنزاهة والأمانة وأنت تعجز عن تطبيق ذلك بينهم وأمامهم؟...

كيف تتوقع منهم المحافظة على القيم والأخلاق أو حتى النظافة وعدم الاعتداء على الغير وحقوق الغير... دون أن يروك تفعل ذلك أولا؟...

سيعتبرونك منافقا أو ضعيف الإرادة. أو في أفضل الحالات تطالبهم بما تعجز عن فعله أمامهم. هذا التناقض بين أقوالك وأفعالك سينتهي حتما بتأثير معاكس عليهم. مصداقا لقوله تعالى في محكم كتابه الكريم "كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون" سورة الصف الآية 2.

وفي المقابل تجسيد الأفعال الراقية والحسنة أمامهم يحولك إلى قدوة حسنة وكتلة من الأخلاق المتحركة... لا تعفيك فقط من تكرار الإرشادات والنصائح بل وتحدث داخلهم تغييرا فوريا ودائما لم تقصده أو تتوقعه منهم.

وبطبيعة الحال قد يحدث العكس تماما... فحين يراك اطفالك تتصرف بشكل سيء أو مشين يفهمون ذلك كتصريح وضوء اخضر لفعله مستقبلا... فالرجل الذي يحتقر زوجته ينجب أبناء سيحتقرون المرأة ويعتبرون زوجاتهم جزءا من أثاث المنزل (وأعتذر على هذه الكلمة اخواتي ).... والأب الذي يعامل أبناءه بطريقة عنيفة ومشددة بحولهم إلى وحوش تعامل أطفالها مستقبلا بذات الطريقة... والعائلات التي صنعت ثرواتها من الاختلاس وغبن الناس تنجب من يستبيحون المال العام ويعتبرونه حقا لهم لا لغيرهم...

وستجعل مسك الختام هذه الكلمات، وأتمنى أن تقرأها بتمعن، وتعيد قراءتها عدة مرات، وأن تعمل بها:

راقب أفكارك لأنك ستعبر عنها بالكلمات..

راقب كلماتك لأنك ستطبقها كأفعال..

راقب أفعالك لأنها ستصبح عادات تصنع شخصيتك وستؤثر مواقف على من حولك...

 

- سعيد بدر، إطار ببريد بنك - تنغير