وهكذا يتضح من خلال هذه الإفادة اللاحقة عن يوم الاحتجاج، وكذا بيان وعيدها السابق عليه ،للإعلام والأئمة ،أن وزارة الأوقاف فقدت بوصلة التعاطي المسؤول مع مركزها القانوني في ظل الوضعية الجديدة لمسطرة تأهيل الأئمة، وبالتالي فقدت بوصلة التواصل المنتج مع المعنيين بالأمر والرأي العام.
إنه بصرف النظر عن مدى استجابة الأئمة ليوم الاحتجاج- خصوصا وأن وسائط التواصل الاجتماعي تعج بالشكوى من تهديد المرشدين والمراقبين المباشر لهم بالطرد. كما أن متطلبات "النضال" المادية، تزكي الخوف على هذه الفئة الهشة،الجديرة بكل التفاتات الإنصاف، من التصدق بها جملة، على الأصولية-فإن مسطرة التأهيل المفروضة، قد ألحقت ضررا بهؤلاء. حيث يستوجب عين العقل رفع هذا الضرر عنهم بدون إبطاء.فاحتجاج جند سلطان أمير المؤمنين ، على تعسف مشيخة الأصولية عليهم، وبتعميد وزير الأوقاف ،يستوجب نفير كل حواس الدولة لإنصافهم.
لذلك،فبصرف النظر عن لعبة الأرقام ،وهي عادية في معادلة الاحتجاجات بين الاطراف المنظمة لها،والقطاعات المعنية بها،لكنها لم تصل درجة تقييم الأوقاف ،لما اعتبرت“تضخيم الأرقام هدفه ممارسة الدعاية من جهات معروفة بعدائها لثوابت المملكة”.علما أن هناك أكثر من جهة معادية للبلاد، حيث تقتضي اليقظة عدم تمكينها من فرص التكالب عليها، وخصوصا في ملف حساس مرتبط بجند سلطان أمير المؤمنين على القلوب. والغريب هنا، أن وزارة الأوقاف،على عكس ادعاءاتها،هي في واقع التمكين الإديولوجي والبشري والمالي للحاضنة الأصولية .
إن الوقفة الاحتجاجية - بصرف النظر عن لعبة الأرقام ،والتوزيع الجغرافي فيها، وإن كنا نعرف بصمة سوس العالمة في الاحتجاجات السابقة للقيمين الدينيين-كانت ناجحة. فقد ربح المحتجون استحقاق التنظيم المنضبط في توقيته وفقراته،وتواصله مع السلطات. وربحت السلطة والأمن استحقاق السهر على ممارسة حق الاحتجاج السلمي .كما أن التزام السلطات بإيصال رسالتهم،لإيجاد حل لهم،سيغل يد الوزارة بشأن تنفيذ وعيدها. حيث سينضاف التزامها هذا، لسجل وزارة الداخلية كوسيط في الاحتجاجات بين المنظمين لها وقطاعاتهم ..في حين خسر المجلس العلمي الأعلى ووزارة الأوقاف ،أمانة ترجمة رعاية أمير المؤمنين لحقوق القيمين الدينيين،بالنظر إلى كون المادة الأولى من ظهير 2014، قد وضعت القيمين الدينيين حسب منطوقها،"تحت الرعاية السامية لجلالتنا،باعتبارنا أمير المؤمنين،الراعي لشؤونهم ،والضامن لحقوقهم ".إلا أن هناك فرقا كبيرا، بين حضور القيمين في الظهير ،وبين وجودهم الفعلي على الأرض .من هنا فالانتصار لمقاصد رمز الأمة، تستوجب ردم هذه الهوة القائمة بين النص والواقع.
وقفة البرلمان، كانت أيضا رسالة للبرلمان ،لأن مرور وزير الأوقاف به،و بتأشيرة الفريق الاستقلالي ،وبذلك الإخراح السيء للسؤال والجواب،كان في موقع اغتيال الحقيقة.
إن عمى البصيرة، قد حجب رؤية المصدر المطلع لوزارة الأوقاف لاحتجاج الأئمة ،وهم يرفضون مسطرة التأهيل للمجلس العلمي الأعلى،على أنه يمثل انتصارا لمسطرة وزارة الأوقاف في تعيين القيمين الدينين.وهو أمر لم تدرك قيمته الوزارة،كمدخل لاستيعاب الوضع.
أكيد أن الضرر الذي يطال القيمين الدينيين ،لا يقف عند حدود مسطرة التأهيل،بل يتجاوزه إلى مستويات أخرى ليس آخرها، بقاء أكثر من نصف القيمين الدينيين بدون منحة عيد الأضحى للسنة الماضية.فالواقع شيء وبلاغات المناسبات شيء آخر.
إن ما نلاحظه في هذا المعترك لصولة وزارة الأوقاف ،هو سلبية المجلس العلمي الأعلى. فقد ألقى بلغم مسطرة تأهيل الأئمة،ولاذ بالصمت.وحتى في تعاطيه مع حصيلة اجتماعات المجالس العلمية الجهوية، انتصر لأهواء أصحاب هذه المسطرة بجهات: طنجة والدار البيضاء وبني ملال، وهم يمثلون الخلية الأصولية لوزير الأوقاف. في حين تجاهل ملاحظات باقي الجهات.فغابت باستبداد الأقلية، المقاربة التشاركية في التدبير.
ويجمل بي ، علي سبيل الختم، الإشارة في امتدادات هذه المتابعة لمسطرة التأهيل،إلى الملمح القانوني التالي:لقد نشر الباحث مولاي عبد الواحد غنضور دراسة تحت عنوان:" الإشكالات القانونية لتكليف القيمين الدينيين المزاولين لمهام دينية"،ضمن العدد 154(شتنبر-أكتوبر 2020) ل"المجلة المغربية للإدارة المحلية والتنمية".