فلسطين تتحول إلى «ساندويتش» بين غطرسة الصهاينة وخذلان العرب

فلسطين تتحول إلى «ساندويتش» بين غطرسة الصهاينة وخذلان العرب رئاسة الحكومة مخططات أكثر تطرفا ووحشية للإجهاز على الحقوق الفلسطينية
تاريخ القضية الفلسطينية هو بكل تأكيد تاريخ نضال عادل من أجل استعادة الحقوق التاريخية للفلسطينيين، منذ أن سقطوا ضحية التآمر الدولي إبان الحرب العالمية الأولى. لكن هذا المعطى التاريخي لا ينبغي أن يحجب عنا ما يبدو حقيقة أساسية تشكل مدخلا لما يجري اليوم من أحداث دموية بقطاع غزة، ذلك أن تاريخ القضية هو كذلك تاريخ الاستثمار الانتهازي حيث تتداخل اعتبارات السياسة والمصالح لتجعل فلسطين مجرد رقم في علاقات هذه الدولة أو غيرها مع محيطها الإقليمي أو الدولي. وتتعقد المسألة أكثر كلما تعمق الصراع الذاتي بين الفصائل الفلسطينية التي ارتبطت، بفعل قنوات التدخل السياسي والتمويل والتسليح، بدول معينة تعادي دولا أخرى.
بدأ الأمر على هذا النحو:
لقد ارتبط الكفاح الفلسطيني، منذ نشأة منظمة التحرير الفلسطينية سنة 1964، بالمد القومي وبالتجربة الناصرية تحديدا التي كانت تبسط سلطاتها السياسية والمعنوية على عدد من الأنظمة المجاورة، كما على مشاعر الجماهير العربية. لكن بعد هزيمة 1967، والتي كانت كذلك هزيمة موازية للقوميين العرب، انفرط تحالف الأنظمة العربية، خاصة في مصر وسوريا والأردن، ومع ذلك الانفراط ازدادت مع الوقت آثار تمزق الفصائل الفلسطينية. وقد تعمق ذلك بدرجات كبرى بعد خروج مصر أنور السادات عن الصف العربي، إثر عقد اتفاقية كامب دافيد مع الإسرائيليين سنة 1978.
هنا صار الجسد التنظيمي الفلسطيني موزعا، حسب معيار الموالاة واعتبارات الدعم المالي، بين النواة المركزية (خصوصا حركة فتح، ممثلة خط الاعتدال، التي ظلت على ارتباط مع مجمل الأنظمة العربية، وخاصة محيط فلسطين ودول الخليج) وبين فصائل وطدت سبل الارتباط مع سوريا أو مع العراق كما هو حال الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، جيش التحرير العربي، قوات الصاعقة، فتح الانتفاضة... ورغم ذلك استطاع الفلسطينيون أن يحافظوا على تماسك وحدتهم بفضل كاريزما ياسر عرفات ووضوح منهجه، وقدراته على التفاوض والمناورة، وكذلك بفضل الفعالية النسبية لجامعة الدول العربية ولمنظمة التعاون الإسلامي. ثم سيحدث الشرخ الكبير مع دخول الفلسطينيين المفارضات الرسمية مع إسرائيل التي ترتب عنها اتفاقيات أوسلو سنة 1993، بحيث صارت السلطة الفلسطينية تحكم ما يشبه الدولة على مساحة  22 في المائة فقط من أرض فلسطين التاريخية.
إن هناك مظاهر خطيرة لهذا الشرخ أهمها استفراد منظمة حماس بقطاع غزة بعد فوزها بتشريعيات سنة 2006، فيما لم تعد السلطة الفلسطينية (حركة فتح وحلفاؤها) تحكم سوى الضفة العربية، فيما ظل الطرفان في كل من الضفة وغزة يرزحان تحت الاحتلال الفعلي بلا سلطات فعلية، وبلا استقلال أمني أو اقتصادي، فما بالك بباقي ما تنص عليه اتفاقيات أوسلو من قبيل تطبيق حق عودة اللاجئين، والوضع النهائي لمدينة القدس... ومن ثمة صرنا على أنقاض هذه الأوضاع المتصدعة نعاين، من حين لآخر، انفجار الوضع الذاتي  بين الفصائل الفلسطينية نفسها (حرب الإخوة العداء)، أو مع المحيط المجاور، وهو ما يستغله الكيان الصهيوني باتجاه توسيع الاستيطان، وإبطال كل مقتضيات أوسلو. خاصة وأن تدخل الإدارة الاسرائيلية بهذا الخصوص صار مرتبطا باللعبة الانتخابية، بحيث كلما أعلن مرشح إسرائيلي لعضوية الكنيست، أو لرئاسة الحكومة مخططات أكثر تطرفا ووحشية للإجهاز على الحقوق الفلسطينية كلما كان الأقرب إلى الفوز بصناديق الاقتراع.  
المأساوي هو أن بعض الأنظمة العربية، وغيرها في المحيط الإقليمي هي كذلك جعلت تفجير الوضع الفلسطيني ورقة حاسمة لحل مشكلاتها الذاتية، أو أثناء تفاوضها سواء مع إسرائيل، أو مع الولايات المتحدة الأمريكية. بل إن المأساوي أكثر هو أن الفصائل الفلسطينية، هي الأخرى، صارت تستمرىء هذا الوضع المعقد لتدرج تصدعها الداخلي ضمن اللعبة الانتخابية الخاصة بمن يحكم منظمة التحرير، أو بمن يتحكم في الانتخابات البلدية أو التشريعية، أو في التفاوض مع المحيط العربي والإقليمي، وبالخصوص من لدن أصوليي حماس الذين يجعلون القرار مرهونا بإرادة الخارج، سواء كان في قطر كما حدث سابقا، أو في طهران كما يحدث اليوم.
من داخل كل تلك الحسابات والتدخلات يظل الشعب الفلسطيني، كما هو وضعه التراجيدي اليوم، الضحية المتواصلة للغطرسة الصهيونية ولسلوكها العنصري، ولأطماعها التوسعية، والضحية المؤكدة لبعض قياداته التي تتاجر بالقضية لإحكام القبضة على سلطة بلا سلطة حقيقية في البر، ولا في البحر ولا في السماء.