نبيل الدريوش: قراءة في نتائج الانتخابات الجهوية بمدريد

نبيل الدريوش: قراءة في نتائج الانتخابات الجهوية بمدريد نبيل الدريوش

قد تكون الانتخابات الجهوية بمدريد التي جرت يوم الثلاثاء 4 ماي 2021، بداية تغيير عميق في المشهد السياسي الإسباني المنقسم منذ نهاية عام 2015.

 

فاندحار حزب "بوديموس" واحتلاله للمرتبة الأخيرة جعل زعيمه الأوحد "بابلو ايغليسياس" يستقيل من الحياة السياسية أمام تقدم لحزب "ماس مدريد" الذي كان يشكل الجناح المعتدل نسبيا داخل حزب "بوديموس" بقيادة "انييغو اريخون" قبل انشقاقه وشقه لطريقه الخاص.

 

ارتبط حزب بوديموس منذ البداية بشخص "بابلو ايغليسياس"، نجم النقاشات التلفزيونية آنذاك وأستاذ العلوم السياسية الذي كان يكرر أن راتبه لم يكن يتجاوز 900 يورو، كانت هناك صورة تجمعه مع المؤسسين الأوائل للحزب في المؤتمر التأسيسي بفيستا اليغري، رحل كل من كان في الصورة ولم يبق غيره وزوجته في الحزب؛ واليوم يرحل ومعه تصبح نهاية الحزب وشيكة.. أما "سيودادانوس"، فقد اختفى مواطنوه وتفرقوا على القبائل الحزبية الأخرى يمينا ويسارا، وهو الحزب الذي وصل إلى القمة قبل سنوات قليلة وكان يراهن على إزاحة الحزب الشعبي من عرش اليمين إلى درجة تغيير هوية "سيدادانوس" من حزب تقدمي إلى ليبرالي خلال مؤتمره الوطني الأول بمدريد، فكان أقصى ما يطمح إليه هو فوزه بأي مقعد في هذه الانتخابات، لأن عدم تحقيقه لهذه النتيجة يعني موته السريري.

 

بدأ الحزب أولى حملاته الانتخابية بكتالونيا عام 2006 بصورة دعائية تظهر زعيمه المستقيل "البير ريبيرا" عاريا ليقول لناخبين إنه مرشح شفاف إلى درجة كبيرة، وفي الواقع لم يكن هناك شيء يمكن لريييرا ورفاقه أن يصدم به الناخب الكتالاني ويدفعه للتصويت للحزب الوليد غير تلك الصورة، لكنه اليوم يغادر الحياة السياسية عاريا أيضا كما دخلها أول الأمر، اللهم من إحساس جارف بالفشل.

 

بدأ الحزب كفكرة بين أصدقاء محسوبين على اليسار، رفاق من زمن الأمس القريب يحتجون على تدريس اللغة الكتالانية وتهميش القشتالية بكتالونيا وناقما على الحزب الاشتراكي الكتالاني وصار مع بزوغ فجر الانفصال ورقة لتوحيد البلاد ومناهضة سيول القومية الجارفة، قبل أن ينكمش طموحه ويصير أكبر أحلامه أن يتنفس حفنة من الاوكسجين قد تبقيه على قيد الحياة، أما بديله بشكل من الأشكال حزب فوكس، فمازال له صوت يعبر عنه، صامدا على أقصى يمين المشهد لأنه الجواب المطروح على فورة القومية الكتالانية، أما الحزب الشعبي فيخرج من إعصار الفساد سالما رغم كل الكدمات والكسور وحوادث السير التي رافقته في السنوات الأخيرة.

 

نتائج الانتخابات الجهوية الإسبانية هي أيضا جرس تحذير يرن في أذن الحزب الاشتراكي الإسباني، تغييرات عميقة تشهدها إسبانيا، كانت انتخابات اليوم جهوية، لكن برهانات وطنية كبيرة. فعندما تقول مدريد كلمتها تكون إسبانيا كلها آذانا صاغية.

 

- نبيل الدريوش، كاتب صحافي مقيم بإسبانيا