أوطوروت الحسيمة- أسا: الورقة الملكية لجمع شتات الأمة المغربية

أوطوروت الحسيمة- أسا: الورقة الملكية لجمع شتات الأمة المغربية عبد الرحيم أريري

في عهد سنوات الرصاص، كان قاموس المغاربة لا يشمل سوى الألفاظ "الجنائزية" من قبيل «معتقل درب مولاي الشريف»، «المعاريف»، "تازمامارت"، "الكوربيس"، «دار المقري»، «الدار الحمراء»، «معتقل أكدز»، «معتقل قلعة مكونة»، «معتقل تاكونيت »، «مقبرة البومبيا بالحي المحمدي»، "اغبيلة"، "مقبرة البومبيا بالناضور"، «لاراف»، «القرعة»، «الشيفون»، "الطيارة"، "الأوباش"، «الصعاليك»، "البسيسيمي"....

وفي عهد محمد السادس وقعت تحولات في المعجم السياسي والإعلامي، حيث لم نعد نسمع سوى: الإنصاف المجالي، العدالة الترابية، التنمية البشرية، الإنصاف والمصالحة، جبر ضرر المناطق المتضررة، الأنشطة المدرة للدخل، محاربة اقتصاد الريع، الملكية المواطنة، الإقصاء الاجتماعي، الهشاشة، رد الاعتبار للمرأة ولذوي الاحتياجات الخاصة وللفئات المهمشة، المغرب المتعدد ثقافيا، تلحيم روافد الهوية المغربية، إلخ.

الانقلاب في المعجم بين العهدين لم يظل حبيس «الشفوي»، بل تجسد على أرض الواقع عبر مصالحة المغاربة مع ترابهم وبداية تمرينهم عل الاهتمام بمجالهم طوال عشرين سنة الماضية. وتجلى ذلك في عدة أوراش أنجزت: المدار الساحلي المتوسطي، ميناء طنجة المتوسطي، أوطوروت فاس وجدة، أوطوروت مراكش أكادير، المحطة الشرقية الثالثة بميناء الدارالبيضاء، القطب المالي، مشروع وصال بساحل البيضاء، الترامواي، مشروع أبي رقراق، المدار الجنوبي بالبيضاء، الطريق السريع فاس صفرو، الطريق السريع مراكش الصويرة، الخط السككي تاوريرت الناظور، الطريق السريع مكناس الحاجب، الطريق السريع بنسليمان المحمدية، الطريق السريع أجدير الحسيمة، الطريق السريع السعيدية وجدة، أوطوروت الفنيدق تطوان، المحطة المينائية الناظور، المحطة المينائية الحسيمة، الطريق السريع العروي الناضور، أوطوروت سطات مراكش، المكتبة الوطنية، الطريق السريع تارودانت أكادير، مطار طانطان، تثليث أوطوروت الرباط البيضاء، تي جي في، أوطوروت بني ملال برشيد، أوطوروت الجديدة البيضاء، أوطوروت دكالة أسفي، الطريق السريع تبزنيت الداخلة، برمجة ميناء الداخلة الأطلسي، واللائحة تطول.....

لكن هل تشفع كل هذه المشاريع لخلق اطمئنان على صحة التراب الوطني وصحة اقتصاده؟ الجواب بالإيجاب سيكون من باب النفاق أو السذاجة. لماذا؟ لأن الأعطاب الكثيرة التي راكمها المغرب منذ الاستقلال إلى اليوم لم تسمح لهذه الأوراش سوى بفتح شهية المغاربة إلى رؤية تحقيق المزيد، خاصة وأن خطاب محمد السادس تمحور حول تقعيد أسس الجهوية، علما أن روح أي جهوية لن تتحقق سوى بتوفير مجموعة من الأسس، وعلى رأسها تحقيق اندماج فعال une véritable cohésion وسلس لكل المكونات البشرية التي تشكل المغرب.

صحيح أن الاندماج يتحقق عبر الملكية وعبر النشيد الوطني والدرهم والطابع البريدي والراية، لكن رغم وجاهة هذه المكونات، فإن الأهم هو تحقيق تدفق المغاربة من الشمال إلى الجنوب، ومن الشرق إلى الغرب والعكس صحيح، عبر محاور طرقية فعالة وآمنة وسريعة. وهذا ما يتساءل حوله كل مغربي حينما يرى أن مناطق شاسعة من ترابنا مازالت معزولة من الريف في الشمال إلى الواحات جنوبا، مرورا بسلسلة الأطلس المتوسط والكبير والصغير.

فخلال تنقلاتنا المهنية التي غطت كل تراب المغرب تقريبا، عاينا مدى تعطش المغاربة إلى قرار سياسي جريء يقضي بربط الريف بالعمق الصحراوي للمغرب. عبر إنجاز أوطوروت تمتد من الحسيمة شمالا إلى أسا جنوبا(1500 كلم)، ولم لا تمديد الورش إلى مدينة الداخلة بعد أن تعرج الأوطوروت  من أسا إلى السمارة عبر البيرات والحوزة، إذا تبنى صانعو القرار هذا الملف.

 

لماذا؟

لأن "أوطوروت محمد السادس"، هي الكفيلة بردم شبح الجنيرال ليوطي إلى الأبد. فرغم استقلال المغرب عام 1956، فإن ليوطي الاستعماري مازال حاضرا بيننا. فهذا الجنيرال عزل منطقة الأطلس والريف في عهد الاستعمار. 

ولما استقل المغرب حذا حذو ليوطي، بالتركيز على إنجاز البنيات بالواجهة الأطلسية والاهتمام بمدن المحور الأطلنتيكي. ولن يقبر ليوطي حقيقة إلا إذا قام المغرب باختراق وتكسير سلسلة الريف وسلسلة الأطلس. ليس لتحقيق التلاحم بين المغاربة فقط، بل لما ستجنيه البلاد من دينامية ومن ثروة اقتصادية مذهلة، بالنظر إلى أن إنجاز أوطوروت بين الحسيمة وأسا عبر فاس وخنيفرة ووارزازات وطاطا، ستحدث حوالي مليون منصب شغل لمدة خمسة أو ستة أعوام، هذا دون الحديث عن الارتفاع الواضح في الناتج الداخلي الخام.

ربط الحسيمة بأسا بواسطة أوطوروت، لا يعتبر مصدرا "لإحياء الشعب المغربي" الذي أنهكته تداعيات كورونا، بل يمكن اعتبار هذا الورش الضخم  mega projet  بمثابة تجديد الموارد الرمزية للمؤسسة الملكية في حد ذاتها   elle va se ressourcer لثلاثة اعتبارات:

 

أولا: تحقيق ما عجز عنه المغرب في السابق بسبب الخوف من تكسير حاجز جبال الريف والأطلس   La barrière du Rif et de l'atlas

ثانيا: تذويب المغاربة في قالب واحد عبر تكثيف التواصل بينهم وتسهيل تنقل الأفراد والسلع.

ثالثا: تجنب الارتخاء الناجم عن قرب الانتهاء من الأوراش الكبرى التي تبناها المغرب منذ عام 2000، وبالتالي الحاجة إلى خلق مصدر للتعبئة للسنوات الخمس أو الست المقبلة.

رابعا: أضحت الحاجة ملحة إلى حصر إطلاق اسم محمد السادس على مشروع ضخم يحقق الاندماج الوطني ويضمن إقلاع الاقتصاد الوطني ويخلق الاعتزاز (La fierté) بالانتماء الوطني. ولا يوجد أي مشروع يصلح لأن يحمل هذا الاسم سوى «أوطوروت محمد السادس» تمتد من الحسيمة إلى أسا مخترقة جبال الريف وسلسلة جبال الأطلس.

المشروع المذكور سيكلف (حسب تقديرات الخبراء الذين استأنسنا برأيهم) حوالي 20 إلى 25 مليار درهم ، وهو مبلغ لا يمثل سوى 7 في المائة مما ترصده الحكومة في برنامج خماسي للبنية التحتية، وهو مشروع -إن تم اتخاذ القرار السياسي بشأنه- سيعتبر انعطافة تاريخية في تاريخ "الأمة المغربية".

فغياب الموارد المالية طرح مردود حسبما شرحه لنا العديد من الخبراء الذين التقيناهم، وحسبما تقتضيه الرؤية السياسية الاستراتيجية في صناعة الأمم.

كما أن الدفع بعدم مردودية أوطوروت الحسيمة أسا مردود بدوره، بالنظر إلى أن أوطوروت فاس الرباط لم تتحكم فيها المردودية المادية مقارنة مع مردودية أوطوروت مراكش البيضاء مثلا، ومع ذلك أنجزت آنذاك، وها نحن كمغاربة نقطف ثمار ذاك القرار الاستراتيجي.

وحتى على افتراض أن المغرب لا تتوفر له حاليا الموارد المالية لإنجاز هذه الأوطوروت الجديدة، فما المانع من إنجاز اكتتاب وطني يشارك فيه كل المغاربة القادرين على دفع 100 درهم سنويا لمدة خمس سنوات لإنجاز حلم عجز كل من تعاقب على حكم المغرب على تحقيقه، ألا وهو: وصل الشمال بالجنوب في يسر وأمان لترجمة التلاحم والاندماج الوطنيين بين مختلف المجموعات التي تكون أمة المغرب!؟

سؤال يتوقف الجواب عنه على مدى الارادة في أن يدخل محمد السادس التاريخ من أبوابه الواسعة كملك جمع شتات أمة ظلت مفككة طيلة عقود.