رئيس المجلس العلمي بطنجة محمد كنون يتحدى الدولة بالوصاية الأصولية لمشيخة العلماء!

رئيس المجلس العلمي بطنجة محمد كنون يتحدى الدولة بالوصاية الأصولية لمشيخة العلماء! محمد كنون يتوسط أحمد التوفيق (يمينا) ومحمد يسف

على صفحته بالفايسبوك، قام المجلس العلمي المحلي بطنجة في 29 أبريل 2021، بقراءة كتاب "المشيخة العلمية"، الصادر سنة 2020، تولاها صاحب الكتاب رئيس المجلس، الأستاذ محمد كنون، بمعية عضو المجلس الأستاذ عبد الخالق أحمدون. كما سبق في 23 أبريل 2021، (موافق 10 رمضان) قراءة كتاب "سبيل العلماء"، حيث تولى هذه القراءة عضو المجلس الأستاذ أحمد الحمداني، المحسوب على حركة التوحيد والإصلاح. وقد قدم رئيس المجلس لهذ القراءة بالآتي: "لقد اختار المجلس المحلي بطنجة ضمن أنشطته العلمية والثقافية لهذا الشهر المبارك السعيد، أن يقوم بقراءة في بعض الكتب العلمية التي صدرت خلال هذه السنة. ومن الكتب العلمية والوثائق الجيدة التي صدرت في الفترة الأخيرة، كتاب سبيل العلماء، الذي صدر عن المجلس العلمي الأعلى"...

 

وإذا كان كتاب "المشيخة العلمية" مقبول "القراءة"، ولو من باب المجاملة، لصدوره مؤخرا، فإن كتاب "سبيل العلماء" كما هو معلوم قد صدر 2016، أي تفصلنا عن صدوره خمس سنوات. وهكذا تم اختزال كل هذه المدة، في "الفترة الأخيرة"، وبتخصيص "خلال هذه السنة"، وهذا من التدليس البين. علما أن هذا الكتاب قد تم عرضه في طنجة عقب صدوره، من قبل مجموعة تأليفه، ومن بينها كنون، تحت إشراف الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى العلامة محمد يسف، وبحضور المجالس العلمية بالجهة الشمالية، فلماذا إعادة قراءته الآن؟

 

من الواضح أن الدافع إلى قراءة هذين الكتابين، هو "الرد "على ما كتبناه مؤخرا حولهما، حيث يندرجان ضمن أفق ترسيم مجلس الوصاية الأصولية على صاحب الأمر، وقد تم تجريده من ميراث النبوة، بالرغم من مركزه الروحي في عمق "أهل البيت".

 

وإذا كانت صيغة هذا الرد/ الرسالة، لا تعنينا إلا في جانب التأكيد على صواب رؤيتنا لخائنة الأعين في الحقل الديني، فإنها تعني بالدرجة الأولى هيبة الدولة، وقد تم الالتفاف بمكر، على مقومات وجودها، فتم الدوس عليها. لذلك يجمل بنا أن نفحص، في السياق والتداعيات، إصرار كنون على هذه القراءة، لتكريس مضمون الكتابين، المناهض لجوهر الثوابت المذهبية ومرجعية إمارة المؤمنين، من خلال ما يلي:

 

1- يظهر أن كنون أصبحت لديه أولويات مقلوبة، يتصرف وكأنه في ضيعة خاصة، يرجح حسابه الشخصي والطائفي، على استحقاقات المؤسسة التي ينتمي إليها. وهذا من التسيب الذي يعرفه الحقل الديني. وهو ثمرة لمعتقده في التدبير من منطلق "إنما العاجز من لا يستبد". لكن هذا المعتقد يتعارض مع إيمان صاحب الأمر من كون "لا ديموقراطية بدون ديموقراطيين"، مما يبين طبيعة الاتجاه المعاكس لسير اتجاه الإمامة العظمى. ومع ذلك يتم تسويق الأمور وكأن الدنيا بخير، في حين أن "السوسة" تنخر المعمار المذهبي والمؤسساتي بكل اطمئنان.

 

2- كما هو ملاحظ، فقد تزامن تاريخ قراءة "سبيل العلماء"، مع ذكرى وفاة أب الأمة، المغفور له محمد الخامس، في العاشر من رمضان، وقد تم تجاهلها. علما أن هذه الذكرى، هي مناسبة للمجالس العلمية، للوقوف على جهاد الرمز الجامع لطاقات الأمة، من أجل الاستقلال الوطني والبناء المؤسساتي والتحديث المجتمعي، لكن العمى الإيديولوجي جعل المجلس العلمي بطنجة يخلف موعده معها.

كما أن إعطاء الأولوية لقراءة هذين الكتابين، وطنجة من المدن التي عرفت احتجاجات، بشأن صلاة التراويح، يظهر أن هناك فرارا من تحمل مسؤولية ترشيد تصورات الناس، ومواجهة مغالطات الأصولية بهذا الشأن، حيث يظهر أن هاجس السرعة القصوى للتمكين للمخطط الأصولي على صعيد مؤسسة العلماء، هو الغالب في ممارسة المؤلفة قلوبهم.

 

3- ويحيل هذا التحدي على مسألة اتساع رقعة التسيب، في غياب المساءلة، لما يقع التغاضي في إبانه، عن التجاوزات المذهبية الحاصلة من طرف مسؤولي الحقل الديني. فكنون ما كان ليعمد إلى هذا التحدي، لو كان متابعا وظيفيا بثقافة المواكبة والتقييم والمساءلة.

ويمكن أن نوسع من مدى الرؤية لتلمس اتساع هذا الخرق، لغياب ربط المسؤولية بالمحاسبة، بالإشارة إلى ملمحين: أحدهما يتعلق بمجموعة الواتساب لمؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية للقيمين الدينيين. فرغم ما تمت كتابته عن خدمة مدير هذه المؤسسة الأستاذ محمد أمين الشعيبي، للأجندات الأصولية، فهو يصر في غياب المساءلة، أن يمكن للتبشير الوهابي/ الإخواني في هذه المجموعة، مما يتعارض مع أهداف إنشائها.

أما الملمح الآخر، فيتعلق بمضمون "سبيل العلماء"، وهو يستوطن -وقد مر بسلام بدون تمحيص- إصدارا للأستاذ عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، سنة 2018، وفي اصطفاف إيديولوجي داخلي، تحت عنوان: “ملكية مواطنة في دار الإسلام”، قدم له الأستاذ أحمد التوفيق. إضافة إلى انتظام هذا الكتاب في تسويق السياسة الدينية لوزير الأوقاف، تحت غطاء إعادة هيكلة الحقل الديني، فقلب الآية عمليا في موقعي التأليف والتقديم، في هذا التلبيس، وبتوظيف اسم رمز الأمة. ولعل هذه الإشارة تكون كافية لبوصوف ليراكم على المستوى الدبلوماسي، بمعزل عن معادلة التهريب الديني في الداخل، حتى يقي نفسه من آفة الاحتراق المبكر.

 

4- ويهمنا في باب الرمزيات، وهي لا تنحصر في البروتوكول الرسمي فقط، الوقوف على سنة صدور كتاب" سبيل العلماء". حيث في هذه السنة (2016)، تسلل ابن تيمية إلى الموقع الثاني في الدولة مع الأستاذ ابن كيران، وما زال جاثما هناك مع الأستاذ العثماني. كما تسلل إلى مؤسسة العلماء مع الخلية الأصولية لوزير الأوقاف، صاحبة الكتاب. وهذا أمر يبعث على الانزعاج، خصوصا وأن السكوت عن هذا التمدد، أثمر حضور ابن حزم الظاهري سنة2021 في محكمة النقض، لمحاصرة تباشير الاجتهاد القضائي في مدونة الأسرة. ولا نعرف عند أي حد سيقف أمر المساس برمزيات الدولة/ الأمة في المغرب، في ظل فيزياء تمدد منظومة التأطير الأصولي في كل المواقع.

 

5- لذلك، إذا أخذنا علما بأن قرارات الدولة تطبخ في الغالب على نار هادئة، لتفادي قاصمة الانفعال والارتجال، فإن مآل المشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي لصاحب الأمر، وقد أريد له أن يجهض بمقاصد ابن تيمية وابن حزم، بل والأدهى حصول الاختطاف الأصولي لصلاحيات مرجعية إمارة المؤمنين، يبين أن عسكرة الظاهرة الأصولية هو خيار "رسمي" للبعض، يتجاوز رمزية العهد الجديد، ومقاصد "ميجي" مغرب الغد، كما وصف المرحوم محمد عابد الجابري الملك الشباب آنذاك، فانسلخ من عمر بناء التحملات الحقيقية للتدين المغربي، عقدان من الزمن.

 

أما بعد، ففي الوقت الذي يواصل فيه اللفيف الأصولي استهدافه للدولة والمجتمع، فإن كنون منخرط وبكل الاستبداد اللازم، لخدمة مخطط التمكين لهذا الاستهداف. "أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ"!