مختبر العيطة العبدية يكشف عن الموهبة الفنية لأميمة وأمنية بأسفي

مختبر العيطة العبدية يكشف عن الموهبة الفنية لأميمة وأمنية بأسفي الشيخ علال الرويحة رفقة بنيته الموهبتين الفنيتين أميمة وأمنية

تعتبر عيطة الغزل العبدية "بِينْ اَلجًمْعَةْ وُالثْلَاثْ اَلسًكَةْ حَبْسَاتْ وُرِيتَاتْ" من أرقى وأعمق وأصعب لَعْيُوطْ الحصباوية التي تغنى بها الناظم/ الشاعر العبدي ووثق من خلال متنها العيطي أحداثا ووقائع تاريخية ذات أهمية بالغة شهدتها المنطقة.

 

هذه العيطة الجميلة التي يتردد صداها في سماء التراث العيطي العبدي بأصوات الرواد من شيخات وشيوخ حاضرة المحيط ومنطقة عبدة، قد سحرت التلميذتين البهيتين أميمة أمصدر (11 سنة المستوى الخامس ابتدائي) وأمنية أمصدر (7 سنوات المستوى الثاني ابتدائي)، وهما من صلب أبيهما الفنان الشعبي شيخ الكمان، علال الرويحة، حيث منحتهما شاعرية "القصيدة/ العيطة" من داخل وسطهما الفني، وطربها العيطي ونغمها الموسيقي فرصة سانحة، ولحظة شُجَاعَةْ بكثير من الثقة في النفس للتمرن على أدائها وحفظ البعض من متونها واستيعاب إيقاعها وميزانها، فضلا عن طبوعها وانتقالاتها السهلة والممتنعة... ولم لا توثيقها (بالفيديو) بعدسة الوالد/ الشيخ علال الرويحة.

 

"قمت بتسجيل هذا الفيديو خلال صيف 2020، ونحن في عز الانضباط لقرار الحجر الصحي بمدينة أسفي كسائر مدن المملكة المغربية بسبب وباء كورونا، وكانت لحظة مشرقة من بين اللحظات الجميلة التي اكتشفت فيها ونحن نحارب رتابة الزمن الكوروني ميل أبنتي أميمة وأختها أمنية لفن العيطة، وسمحت لي الفرصة بأن أطلع على عشقهما للموسيقى وغناء تراث فن العيطة خاصة والغناء الشعبي بصفة عامة". يوضح الشيخ والفنان الموسيقي علال الرويحة.

 

وحسب المعطيات المتوفرة لجريدة "أنفاس بريس" فقد تم وضع وترويج تسجيل فيديو عيطة "بِينْ اَلجًمْعَةْ وُالثْلَاثْ"، التي أدتها كل من الطفلتين أميمة وأمنية بمواقع التواصل الاجتماعي يوم السبت 24 أبريل 2021، من طرف أحد أفراد العائلة بحسن نية على اعتبار أن العمل الفني (الفيديو) بشهادة مجموعة من الفنانين والمبدعين والإعلاميين يستحق التشجيع والتنويه والترويج.

 

"يا سلام، كانتا في قمة أَلَقِهِمَا على مستوى الإحساس الفني والوقوف الشامخ أمام عدسة التصوير، واستعملتا بنجاح حركات رائعة للجسد واليدين لتبليغ قيمة الرسالة الفنية للعيطة، وتعاملتا مع الإيقاع بالطعريجة بشكل منضبط ومحبوك، وحتى الصوت يستحق التنويه... أميمة وأمنية صورة لطفلتين عشقتا فن العيطة من وسط عائلة فنية محترمة"، يقول أحد شيوخ العيطة من مدينة أسفي.

 

لكن للأسف رغم رُقِيْ فن العيطة بكل مكوناته الفاعلة والمتفاعلة مع موروث تراثه الغنائي والموسيقي "إلا أن مجتمعنا مازال ينظر إلى العيطة بعين الاحتقار والتبخيس، نظرة دونية استخلصتها من مجموعة من التدوينات بمنصات مواقع التواصل الاجتماعي والتعليقات التي رافقت الفيديو ليلة السبت 24 أبريل 2021". يقول متأسفا الفنان الموسيقي علال الرويحة الذي استغرب لبعض "المرضى واضعي أقنعة العفة والطهارة والتدين ممن وضعوا أنفسهم قضاة في هذا الزمن الرديء ليجلدوا الأطفال و يصدروا أحكامهم على طفلتين بريئتين عشقتا الغناء وحاولتا تقديم مقطع غنائي من عيطة حصباوية في حضرة أسرتهما لمقاومة روتين الحجر الصحي في زمن كورونا".

 

واستغرب الشيخ علال الرويحة كون بعض التعليقات الظالمة غلفت أهدافها الدنيئة بالدفاع عن "حقوق الطفل" وقامت بنفث سمومها بكتابة كلام ضاج بالحقد والكراهية نحو كل ما هو جميل وأنيق وانتقدت العمل الفني كونه جريمة في "حق الطفل من طرف والديه".

 

بدورنا نتساءل: هل ممارسة الطفل لهواية فنية جريمة؟ ولماذا استنفر البعض جهده ليحاكم براءة التلميذتين/ الفنانتين الواعدتين (أميمة وأمنية) ويحد من عزيمتهما ومحاولتهما المتميزة لإبراز موهبتهما المشتركة؟ ما الفرق بين طفل يرغب في تفجير طاقته الإبداعية وهوايته المفضلة في الميدان الرياضي وآخر في الرسم أو في المسرح و أطفال آخرين اختاروا الشعر و الغناء والموسيقى والرقص؟.

 

في هذا السياق تابعت الجريدة تعاليق خاطئة ومسمومة، هدفها الإساءة لاختيار الفنانتين الصغيرتين (أميمة وأمنية) موهبة الغناء.. فما معنى أن تدعي بعض الكائنات الفيسبوكية بأن "ممارسة الغناء بالنسبة للطفلتين انحراف وجريمة ناتجة عن كونهما ضحيتين للوسط الأسري الفني". بالله عليكم هل وصل بكم الحقد والكراهية إلى هذه الدرجة المتدنية من السفاهة؟ هل فكرتم في انعكاس جريمتكم الأخلاقية على نفسية الطفلتين الجميلتين والبريئتين قبل قصفكم العشوائي لمعنوياتهما تحت سقف تراث مغربي عريق وأصيل؟.

 

وبخصوص موقفه من تعاليق بعض الفيسبوكيين أوضح الشيخ علال الرويحة قائلا: "أستغرب من تلك التعليقات الشاذة، وكأن هؤلاء جميعهم ليسوا مغاربة من الوسط الشعبي. وأريد أن أوجه لهم سؤالا مباشرا: ألم تحققوا لأبنائكم طلب شراء آلة موسيقية أو إيقاعية ولو في مناسبة لَعْوَاشَرْ (عَيْشُورْ) التي يفرح فيها الأطفال بلعبهم مع أقرانهم حيث يرقصون ويغنون بحرية؟".

 

وبثقة عالية في النفس قال: "لقد شجعت بناتي على موهبتهما وهوايتهما دون حرج لأنني أبحث عن سعادتهما أولا، فلست ممن يقمع أطفاله ويحرمهم من ميولاتهم واستعمال ملكاتهم الفنية والإبداعية، ولست ممن يجبر أبنائه على ممارسة أشياء يكرهونها ولست ممن ينصب نفسه حاكما على الفن والفنانين".

 

وشدد الشيخ علال الرويحة في توضيحه بالقول "لا يمكنني أن أحرم بناتي من هواية الغناء والموسيقى، لأنهم يعيشون في وسط فني و بالقرب مني ويتعاملون مع الآلات الموسيقية الوترية والإيقاعية في البيت بفضول وحب المعرفة لاكتشاف سحر أوتارها ونغمها، بل أنهما يتابعان تمارين المجموعة وتداريبها الموسيقي في بعض الأحيان".

 

وقال: "ابنتي أميمة تتعامل اليوم مع آلة الكمان لوحدها دون أن أوجهها في ذلك، وبدأت تتعلم المقامات وتقرأ دروسا تستخرجها من الأنترنيت، وتكتشف الإيقاعات وتتمرن على الأصوات". وأشار إلى أن ابنته أميمة قد "أعلنت بشجاعة تحديها على المستوى الدراسي ومواظبتها المستمرة على حفظ الدروس ومواكبة تحصيلها التعليمي بجدية واجتهاد، دون أن تلهيها الموسيقى والغناء عن ذلك". وعبر عن استعداده بعد رفع الحجر الصحي "أفكر بجدية في تسجيل ابنتي في المعهد الموسيقي بعد اكتشاف موهبتهما وميولهما للغناء والموسيقى وميازين فن العيطة خلال الحجر الصحي صيف 2020".

 

وجدد الشيخ علال الرويحة تأكيده على أنه فوجئ بهواية بناته وبطريقة أدائهما الجميلة للعيطة العبدية، وبأنه لم يكن يتوقع ذلك المستوى الفني منهما إيقاعا وغناء، مما دفع به إلى الانخراط معهما في عالم موهبتهما الفنية من أجل أداء عيطة "بين الجمعة و الثلاث" وتسجيلها بالفيديو كعمل يوثق لفترة الحجر الصحي.

 

في سياق متصل وجهت جريدة "أنفاس بريس" سؤالا للتلميذة أميمة أمصدر، أكدت في جوابها عنه بالقول: "العيطة فن شعبي مغربي أصيل، ولا بد على كل واحد منا أن يقدرها ويحترمها مادامت أنها جزء أساسي من تراثنا، وكَبُرْنَا معها ونحن نستمع لغنائها، وتُعْجِبٌنَا وتَجْرِي في دماء عروقنا.. نعم يجب أن نقدر العيطة مثلما قدرها ناس زمان".

 

التلميذة أميمة أمصدر توطدت علاقتها بالفن والموسيقى حيث أصبحت تبحث من خلال إبحارها لوحدها في الشبكة العنكبوتية عن دروس في الموسيقى والإيقاع وتستمع للأغاني في وقتها الثالث وبدأت تفهم معنى الفن و معنى العيطة العبدية حيث قالت: "أنا فخورة جدا كوني ابنة شيخ وفنان موسيقي شعبي، واحترم مهنة والدي الفنية وأقدرها عاليا، وقد تشربت الغناء من وسط البيت بحكم استماعي للتداريب والتمارين التي كان يقوم بها أفراد مجموعة والدي، وكنت أردد لوحدي من ورائهم المقاطع الغنائية وأصاحبهم بالإيقاع في بعض الأحيان دون أن يفطن بي أحد..". لقد كانت تسترق السمع وتحسن الإصغاء.