مفيد: المداخل الثلاثة لفهم تسونامي العقوبات بالمرافق الأمنية

مفيد: المداخل الثلاثة لفهم تسونامي العقوبات بالمرافق الأمنية أحمد مفيد، أستاذ القانون الدستوري بكلية الحقوق بفاس
إن قرارات التأديب الصادرة عن أجهزة القوة العمومية، أمنية أو دركية أو قوات مساعدة، ينهض كدليل على أن الإدارة الأمنية تقدم النموذج، والمثال على أنها إدارة تعمل في إطار القانون، وفي إطار الاحترام التام للمقتضيات والتدابير والمساطر والإجراءات المؤطرة لعمل كل مكونات الأمن، وهذا أمر مهم للغاية. حيث أن المديرية العامة للأمن الوطني، كمثال، من خلال هذه القرارات يتبين أنها بصدد إعمال مقاربة من شأنها تحقيق الحكامة الأمنية. هذه المقاربة، فيها ثلاثة أوجه. 
مقاربة ذات بعد بيداغوجي، حيث أن الغاية من هذه القرارات هي تقديم العبرة لكل العاملين في قطاع الأمن بأن إدارتهم حريصة كل الحرص على أن يكون كل أطر ومكونات هذه الإدارة يمتثلون للقانون ويعملون في نطاق الاحترام التام للضوابط القانونية والإجراءات المسطرية المعمول بها، وهذه المقاربة البيداغوجية تعطي بطبيعة الحال، آثارا إيجابية بالنسبة لكل العاملين في هذا القطاع والحساس بالنسبة لتحقيق الأمن العام للجميع.
الوجه الثاني لهذه القرارات التأديبية، هو أنها مقاربة علاجية، حيث أنها تستهدف معالجة كل الاختلالات والتجاوزات والانتهاكات التي قد تقع من قبل أحد العناصر المنتمية للقطاع الأمني، وهذا العلاج يكون عن طريق اتخاذ كل التدابير الاحترازية والاحتياطية وكذلك عن طريق مجموعة من التدابير التأديبية، وذلك لا يحول طبعا، دون عرض الأشخاص المخالفين للمقتضيات القانونية على الجهات القضائية المختصة، حيث أنه إلى جانب العقوبات التأديبية الإدارية يمكن أن تكون هناك عقوبات أخرى صادرة عن القضاء حسب طبيعة المخالفة المرتكبة سواء تعلق الأمر بمخالفة أو جنحة أو جناية.
الوجه الثالث لهذه المقاربة، هو أنها مقاربة وقائية، حيث يتضح أن هناك تدخلا استباقيا للمديرية العامة للأمن الوطني من أجل تجاوز كل ما يمكن أن يقع من إشكاليات تتعلق بعدم احترام القانون، وفي هذا يمكن التأكيد على أن مديرية الأمن الوطني من خلال مجموع القرارات التأديبية التي اتخذت في حق مجموعة من عناصرها بمختلف الرتب بسبب مخالفات إدارية وقانونية من قبيل الرشوة واستغلال النفوذ أو أعمال الابتزاز أو عدم احترام الواجبات الوظيفية أو التشهير أو التزوير أو النصب أو الغش.. فهي كلها أعمال مجرمة طبق القانون، وبالتالي فالمديرية العامة للأمن الوطني تتوخى من خلال هذه الإجراءات فرض سيادة القانون وهذا مؤشر من بين مؤشرات الحكامة الجيدة ومن أهم دعامات الحكامة الأمنية، كما أن ذلك تجل من تجليات احترام مقتضيات الدستور الذي جعل القانون هو الأسمى فوق الجميع وعلى الجميع الخضوع والامتثال له، كيفما كانت وضعيته الوظيفية، الأمر الثاني الذي تتوخاه المديرية هو ربط المسؤولية بالمحاسبة، لأن هؤلاء العاملين في القطاع الأمني مسؤولون عن حماية الأشخاص وحماية الممتلكات وعلى تطبيق القانون، وبالتالي فكل شخص أخل بالتزاماته أو بمسؤولياته الملقاة على عاتقه أو ارتكب فعلا مخالفا للقانون فيجب أن يحاسب، وهذا تنزيل صريح وواضح للمقتضى الدستوري «ربط المسؤولية بالمحاسبة». هذه القرارات تتوخى أيضا تحقيق الشفافية والنزاهة في قطاع الأمن الوطني، بمعنى آخر أن المديرية العامة للأمن الوطني إدارة شفافة ونزيهة تعلن عن طريق بلاغات وبيانات عن كل ما يقع داخلها بما فيها المخالفات التي قد ترتكب من قبل بعض عناصرها. الأمر الآخر المتوخى هو فرض احترام ميثاق الأخلاقيات المتعلقة بممارسة وظيفة الأمن اعتمادا على الضوابط القانونية المؤطرة لعمل الإدارة الأمنية ويعتمد أيضا على أحكام ومقتضيات الوثيقة الدستورية، وهي إجراءات تستحق كل التشجيع والثناء.
عموما يمكن القول إنه على ضوء الإجراءات والتدابير التي اتخذت من قبل القوة العمومية في حق بعض العاملين في الأمن الوطني والدرك الملكي والقوات المساعدة والجيش، الغاية منها هو التأكيد على أن هذه الإدارات تعمل في إطار القانون وتحترم مبدأ سيادة القانون وتتوخى تحقيق الحكامة الأمنية وهو ما من شأنه تعزيز ثقة المرتفقين، لأن كل المغاربة بحاجة لخدمات هذه المرافق الحساسة والحيوية، وهذه القرارات ينبغي أن يحتذى بها في كل الإدارات العمومية الأخرى.