في مشيخة الأصولية.. ردة الحاكمية تلغي ولاية العهد في بيعة إمارة المؤمنين!

في مشيخة الأصولية.. ردة الحاكمية تلغي ولاية العهد في بيعة إمارة المؤمنين! محمد يسف ( يمينا) والوزير أحمد التوفيق
بحلقة اليوم، سنغلق قوس وثيقة "سبيل العلماء"، وبمحاولة في "التركيب"، يستوجبها حتى مطلب الوثيقة نفسه، بتعزيز "اليقظة التي تتحلى بها الدولة لحفظ ثوابتها الدينية في وجه كل أنواع المتسللين". فبيقظة المجتمع سنتيح ليقظة الدولة أن تبلور رؤيتها لمجمل المخطط الأصولي في الانقلاب على المجتمع والدولة.
وستكون البداية، من إشكال يطرحه  تقديم العلامة محمد يسف لهذا الكتاب/الوثيقة، بهذا العنوان: "سبيل العلماء تأصيلا وتنزيلا"، مع استدراك في خاتمة هذا التقديم، أشرنا إليه في متابعة سابقة، حيث يعتبرها : "ليست وثيقة مذهبية رسمية للمجلس العلمي الأعلى". في حين يقتضي مستوى "التنزيل"، أن الأمر يتعلق بما هو رسمي، وقد تم تخطي عتبة "التأصيل". فالبياض الحاصل في تعبير الأمين العام للمجلس العلمي الأعلى، قد يجد تفسيره في كون هذه الوثيقة/اللغم، وهي من إنجاز "خلية" الوزير التوفيق الأصولية، التي لاتفقه لا في الثوابت ولا في القانون، قد تم فرضها عليه، فكان في موقف المنزلة بين المنزلتين. وأكيد أن بهذا التحليل، سيكون العلامة يسف في موقع أمانة البوح للجناب الشريف ب"حقيقة" منجز المشيخة العلمية لأربعة عقود. فمقام صاحب الأمر، هو أسمى من مخاطبته بوثائق خائنة أعين الخلية الوهابية /الإخوانية لوزير الأوقاف، وهي تتشح بلبوس العلماء. 
إن "المشيخة العلمية" في"رؤيتها لمشروعها التنزيلي"، تسعى حسب وثيقة المجلس العلمي الأعلى، لبناء "مذهبية" المؤسسة العلمية. لذلك يجمل بنا استنطاق وظيفة هذه "المؤسسة في بناء مذهبيتها".
إن اضطراد الحديث عن سبيل العلماء، ودور العلماء، ومشيخة العلماء، وبتعالي عصمة ولاية الفقيه، حتى على مرجعية إمارة المؤمنين، عقب ندوة المجلس العلمي الأعلى حول السلفية، مع اتساع وتيرة التسيب المذهبي والتطرف، في الحقل الديني، يدفعنا إلى فحص هذه المذهبية، على ضوء خلاصة ندوةالسلفية، وصداها في هذه الوثيقة.
إن ندوة "السلفية:تحقيق المفهوم وبيان المضمون" وهي توحي بانخراط  المغرب في المجهود الدولي ضد  الإرهاب، بالكشف عن الخلفية الإديولوجية  لخطاب السلفية اليوم، كانت عمليا في موقع تبني ما يسمى بالسلفية التقليدية/الوهابية، وبالتالي سمحت بالتضمين الحنبلي الرسمي لثوابت البلاد.وفي مستوى آخر، توج خلاصتها السياسية الشيخ زحل بالدعوة إلى تلاحم العرش والسلفية لمواجهة ما أسماه ب"الفكر اليساري الالحادي". وهي الدعوة التي زكاها  وزير الأوقاف وهو يقبل رأس الشيخ زحل، فكان العرش بهذا التلاحم المفروض عليه مع مشيخة السلفية، في موقع لا يقتضيه سياق العهد الجديد، ولا مرجعية إمارة المؤمنين. وهذا من الضرب تحت الحزام. فما هو الصدى الإديولوجي والسياسي لهذه الندوة ،في وثيقة سبيل المشيخة السلفية؟
كما أسلفنا في متابعة سابقة، فالوثيقة كرست وبالمضمر "توحيد الحاكمية"، واعتمدت على ابن تيمية لتحديد  مقاصدها. كما اعتمدت على  تلميذه ابن قيم الجوزية لتحديد  العديد من ضوابطها. ويمكن الوقوف في امتداد الحديث عن "مقاصد" ابن تيمية  على هذه الخلاصة: "لهذا  فمتى كانت الهجمة قوية على الدين، وكانت الاستهانة بأرواح المؤمنين واستباحة أعراضهم وأموالهم قائمة. كانت عدة المسلمين  وقوتهم عاجزة عن صد العدوان، كان من واجب المسلمين العمل بما يحفظ دينهم دون أن يهلكوا لأن بفنائهم قد لا يعبد الله في الأرض". وبهذا لن يكون حفظ الدين في وعي خلية هذه الوثيقة، إلا بالتضمين السلفي /الوهابي،ومحاربة اليسار.. 
ومن تجليات تعبير العلماء عن هذه المقاصد مثلا: "تحقق العلماء من كون جوانب من إشكالات الذكر والأنثى أو ما يسمى بالجندرة، كما تطرح اليوم تدخل في الغالب في محاكمة تاريخ أو واقع يتسم بهيمنة الغفلة المادية، أي عن حب التسلط والإذعان للهو والتجارة".وأكيد أن تحت هذا المعجم المجنح تتغذى التباسات التطرف، نتركه لتقييم الإطارات النسائية.
إن هذه الوثيقة وهي تؤثث مذهبيتها، مزهوة في رصدها للحالة المغربية، بهيمنة مشيخة العلماء/الأصولية على المشهد الديني، بقولها : "أما في المملكة المغربية فإن غالبية العلماء منخرطة في نشاط المؤسسة  العلمية التي يترأسها أمير المؤمنين.فعدد أعضاء المجالس العلمية في تزايد مستمر يعد بالمئات، ومن تحت إشرافهم من الوعاظ والواعظات والخطباء والمنتدبين لتأطير ميثاق العلماء يعدون بالآلاف". ونضيف لهذا الرصد، أن أمير المؤمنين، أنفق بسخاء على هيكلة الحقل الديني، لكن هذا الإنفاق ذهب في مشاريع فاشلة، وفي تضخيم مسالك الريع لتقوية مواقع الأصولية. وبين هذا وذاك ،ضاع القيمون الدينيون. وهذا في الوقت الذي ينتظر فيه ثمرة الإصلاح. بل والأخطر، أنه تم تحويل رئاسته للمؤسسة العلمية، إلى مجرد إشراف اسمي /شكلي، حيث أصبحت الأصولية هي أمير المؤمنين على الحقيقة، ووزير الأوقاف يتولى تحصيل  بيعتها.
وتواصل الوثيقة التعبير عن أحاسيس زهوها بالقول :"أما المنقبضون ممن ينسبون أنفسهم للكلام في الدين، فهم يشكلون أقلية تتأبى أوتصانع. وهي لا تضمر في الحقيقة  الوفاء لثوابت الأمة.وقد يصنفون أصنافا أربعة: فرحون ببضاعة مذهبية مستوردة، جالسون في قاعات انتظار بعض التنظيمات السياسية، سلبيون وراء ستار التسلف(أدعياء السلفية). وقد يكون بعضهم من السوداويين المبتلين برؤية السواد  في كل شيء،ومن ثم بالمخالفة والوقيعة". وبهذا التنصيف يكون منتسبو الإسلام المغربي من المشربين الصوفي والديموقراطي،الرافضين للسطو الأصولي الرسمي،على التدين المغربي ،من السوداويين المبتلين في النهاية ،حسب زعمها،ب"المخالفة والوقيعة".
أما بعد، فهذه الوثيقة بالاستعلاء الأصولي، وهي تتولى بمذهبيتها الملغومة، "تحديد من هو العالم في زمن الرويبضات المتسورين لحمى العلم،وتحديد المقصود بمشيخة العلم بما هي الجهة التي جسدت المرجعية المعتبرة شرعا وعرفا عبر التاريخ"،نسيت أن مشيخة العلم لم تنفصل في تطورها عن مشيخة التصوف،و عن تنظيم  "ديوان" الأشراف ،و عن ملاحم النضال الوطني لحماية التراب والسيادة.
الوثيقة هي في واقع الحال، وبصرف النظر عن " بلاغة" التمويه والتدليس فيها، تعبير عن ردة كبرى استغفلت يقظة الجميع ، وما زالت.. حتى وهي تكرر الكلام عن ربط إمارة المؤمنين ب" البيعة الشرعية"، للابتزاز الأصولي ،تجهل أن  تطور البناء المؤسساتي للبلاد، لا ينفصل عن جهود علمائنا الحقيقيين ،وهم يربطون استقرار المغرب، والحفاظ على تراكم بنائه، بمدخل"ولاية العهد".لذلك فارتباط إمارة المؤمنين هو بولاية العهد أولا، وبيعة المغاربة ،لا بيعة أصحاب التهريب الديني العابر للقارات. "قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمْ لِوَاذًا. فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ".