أحمد الصبري: المناطق الممنوعة من البناء على ضوء الأخطار والفيضانات

أحمد الصبري: المناطق الممنوعة من البناء على ضوء الأخطار والفيضانات من مناطق في المغرب والتي نالت نصيبها من الفيضانات

يقاس  تطور المجتمعات والأمم بتطور التعمير والبنيات التحتية، والمغرب كغيره من بلدان المعمور يسعى جاهدا وراء تحسين جودة تعميره ومرافقه، عبر سن نصوص قانونية قادرة على تحقيق الأهداف المنشودة، ويشكل قانون تعمير 90-12 والقانون 90-25 المتعلق بالتجزئات العقارية والمجموعات السكنية والتقسيم، والظهير 1960 الخاص بالتكتلات القروية، والمعدلين بالقانون 66-12 الخاص بزجر مخالفات التعمير والبناء، ومراسيمهما التطبيقية، نتاج التحولات والتغيرات الاقتصادية والاجتماعية والمستجدات التي عرفها المغرب، بعدما فشل ظهير1914 والذي يعد أول قانون تعمير يدخل المغرب على يد سلطات الحماية الفرنسية والملغى والمعوض لظهير 30 يوليوز 1952 .

 

هذه القوانين في مجموعها تضمنت في صيغتها الجديدة  قواعد وأسس تهدف بالأساس إلى ضبط الظاهرة العمرانية ببنيتها الفوقية والتحتية من خلال قواعد مرتبطة بتنظيم المجال الترابي، وتعتبر وثائق التعمير أهم الأليات وتقنيات  القادرة أن تضطلع بهذه الأدوار بما تحمله من استراتيجيات ومخططات، سواء تعلق الأمر بالمجال الحضري الذي تنظمه مخطط توجيه التهيئة العمرانية وتصميم التنطيق وتصميم التهيئة أو المجال القروي من خلال تصميم النمو، واعتبارا أن هذه الوثائق يتم إعدادها من طرف إدارة التعمير والوكالات الحضرية اللذان لهما دور أساسي ومركزي في صياغة هذه الوثائق، واستشاري بالنسبة للجماعات، بعد مجموعة من المراحل التي تمر منها الوثائق المذكورة لتصل في الأخير الى عملية المصادقة عليها وتصبح بعد ذلك ملزمة في مواجهة الجميع، وبما أن هذه الوثائق من بين أهداف التي تقوم عليه والمنصوص عليها في القانون تحديد مناطق يمنع فيها البناء أي ارتفاقات خاصة بالتعمير، فإن سؤال المطروح هنا  في هذا الصدد، هل يمكن الطعن في وثائق  التعمير وإثارة مسؤولية الجهات المخول لها قانونا إعداد هذه الوثائق لعدم تنصيصهم على مناطق يحضر فيها البناء؟ ثم ما هي المعايير المعتمد عليها للقول بتحمل مسؤولية واضعي هذه الوثائق بالنظر إلى تخصيصهم   مناطق للبناء كان يجب أن يمنع فيها البناء؟ 

هذه تساؤلات سيتم معالجتها على ضوء ما عرفته بلادنا  في هذه سنة  الأخيرة التي نحن بصددها  من فيضانات وأخطار أدت إلى إغراق مناطق وشوارع، بل حتى المنازل  إما لضعف التجهيزات والمرافق الأساسية وبتالي عدم مسايرتها للتحولات الديموغرافية السريعة الذي يعرفها المجال الحضري على وجه الخصوص، وإما لكون المنطقة التي تعرضت لمثل هذه الأخطار الهيدرولوجية كان من المفروض أن لا يتم فيها عملية البناء من الأساس.

قبل البدء في الإجابة عن التساؤلات المطروحة، نؤكد أن المشرع المغربي وعلى إثر المشاكل التي كان يعاني منها المجال المغربي وعدم تنظيمه بشكل محكم، ومن أجل ملائمته مع الأبعاد اقتصادية واجتماعية وثقافية وبيئية، جاء بمجموعة من الوثائق لتجاوز السلبيات المذكورة، كمخطط توجيه التهيئة العمرانية، وتصميم التنطيق، وتصميم التهيئة العمرانية والمنصوص عليها في القانون 90-12 المتعلق بالتعمير والخاصة بالمجال الحضري، أما عن المجال القروي وبالنظر إلى طبيعته الخاصة نضمه المشرع بظهير 1960 والمتعلق بتوسيع العمارات القروية من خلال تصميم النمو، هذه القوانين تم تعديلها مؤخرا بالقانون 66-12 المتعلق بزجر مخالفات التعمير والبناء، ووثائق التعمير كلها تضمنت أهداف تخص حماية المجال العمراني من خلال تنصيص على مناطق يمنع فيها البناء وارتفاقات تعميرية يجب التقيد بها عند عملية البناء تحت طائلة الطعن في الرخص التي سلمت من طرف الجهات المخول لها ذلك والتي لم تحترم ما هو مضمن في وثيقة التعمير وبتالي تحمل المسؤولية، وإذا كانت هذه المسألة لا تطرح أي نقاش، فإنه على نقيض من ذلك بالنسبة لمرحلة إعداد وثائق التعمير وخاصة في الحالة التي يتم التنصيص فيها على منطقة صالحة للبناء ودون قيود والحال أنها غير صالحة لذلك، في هذه الحالة هل يمكن الطعن في هذه الوثائق لعدم تضمينها منطقة يمنع فيها البناء؟ وعلى أي أساس يعتمد ذلك؟

عند القراءة المتأنية للقوانين التعميرية نجدها لا تسعف في الإجابة عن هذه التساؤلات، غير أن ذلك لا يعني بأن وثائق التعمير محصنة من أي طعن فليس هناك ما يمنع ذلك، لكن قبل ذلك لا بدى أن  نعرف طبيعة التي تصدر به هذه الوثائق هل هي عبارة عن مراسيم أم قرارات إدارية حتى نحدد الجهة المختصة، بالنسبة  (مخطط توجيه التهيئة العمرانية، تصميم التنطيق، تصميم التهيئة) تصدر عبارة عن مراسيم وبالتالي يطعن فيها أمام لقضاء محكمة النقض، أما (تصميم نمو، قرارات تخطيط الطرق العمومية) تصدر كقرارات إدارية  يطعن فيها أمام القضاء الإداري تطبيقا للقاعدة القانونية القائلة أن جميع القرارات الإدارية قابلة للطعن، وإذا كان يمكن الطعن في وثائق التعمير أمام القضاء، فإن على أي أساس يتم هذا الطعن، أي ما هي المعايير المعتمد عليها والتي تعطي سلطة للقاضي من أجل التدخل ومن ثم الطعن في وثائق التعمير، ليس هناك جواب شافي في ظل عدم وضوح النصوص المؤطرة لوثائق التعمير، أيضا لغياب أحكام وقرارات قضائية في هذه المسألة، على خلاف التجارب المقارنة كفرنسا التي تسهل عملية تدخل القضاء في إمكانية الطعن في وثائق التعمير وذلك بالاعتماد على دراسات ميدانية تخص المجال المشمول بوثيقة التعمير تنجز من طرف خبراء متخصصين بالموازاة مع إعداد وثائق التعمير، وبالتالي فإن القضاء الفرنسي لا يتردد عند الطعن في وثائق التعمير كلما كانت مخالفة لهذه الدراسات، فمثلا أثناء وضع وثيقة للتعمير لمجال معين تخرج اللجنة مختصة لذلك المجال لدراسته من الناحية البيئية  وتؤكد هل هو معرض لأحد المخاطر الطبيعية أم لا وعلى ضوء ذلك يتم الاحتكام إلى هذه الدراسات الميدانية من طرف واضعي وثائق التعمير بل حتى القضاء.

وهذه التجربة الفرنسية في الحقيقة يجب الأخذ بها من طرف المشرع المغربي حتى نحمي المجال العمراني والحفاظ عليه من كل المخاطر البيئية التي قد تعصف به وبالمواطنين، والشاهد على ذلك ما عرفته بلادنا هذه السنة من جراء التساقطات المطرية أدت إلى إغراق مجموعة من المناطق والمدن لضعف التجهيزات والبنية التحتية والبناء في مناطق لو كانت مثل هذه الدراسات الميدانية كان من الممكن أن تحظر فيها عملية البناء، وبالتالي تجاوز المخاطر الهيدرولوجية وحماية الأشخاص وممتلكاتهم...

 

أحمد الصبري، محامي متمرن بهيئة  فاس