يوسف القياس: الحدود المغربية-الجزائرية على صفيح القانون الدولي

يوسف القياس: الحدود المغربية-الجزائرية على صفيح القانون الدولي العرجة تقع شمال واحة فكيك
تعد الحدود المغربية-الجزائرية ومنها الصحراء الشرقية المغربية، أحد أعقد الملفات السياسية بين البلدين الشقيقين. ومن الأسباب الرئيسية لتعطيل عجلة التعاون الاقتصادي بين البلدين الجارين.
النزاع المغري-الجزائري حول الحدود هو نتاج إرث الآلة الاستعمارية التي عبثت بتراب الصحراء الشرقية المغربية. غير أن وعي المملكة المغربية بضرورة حل هذا الإشكال الترابي بمنطق "الإخاء واحترام الجوار"، دفع المغرب إلى إبرام اتفاق سري مع الحكومة المؤقتة للثورة الجزائرية برئاسة فرحات عباس عام 1961، بموجبه تعترف الجزائر رسميا بحق المغرب في استرجاع أقاليمه.
غير أنه و بعد استقلالها، فضلت دولة الجزائر عدم التزامها باتفاقها مع المغرب مما تتسبب في تشنجات سياسية، أعقبتها مناوشات على الحدود بين البلدين، اندلعت على إثرها حرب مفتوحة في ضواحي منطقة تندوف وحاسي البيضاء، ثم انتشرت إلى فكيك المغربية، وهو ما سمي "بحرب الرمال".
مدينة فكيك المغربية المتاخمة للحدود الجزائرية والتي تشهد اليوم أحداثا ساخنة فحسب شهادات بعض من ساكنة فكيك فإن دولة الجزائر أخطرت المزارعين المغاربة المتواجدين بمنطقة "العرجة" (تحت الإدارة الجزائرية) المتاخمة لمدينة فكيك المغربية، بضرورة إخلاء أراضيهم المملوكة لهم منذ عشرات السنين دون وجه حق، و في تعد فج لمبادئ حسن الجوار و خرق سافر لمواثيق القانون الدولي.
في عام 1972 وقع الملك الراحل الحسن الثاني والرئيس الجزائري هواري بومدين اتفاقا رسميا لترسيم الحدود بين البلدين.
اتفاق أقل ما يمكن أن يوصف به، كونه غير متوازن، غير واضح، ومجحف للمملكة المغربية. آتفاق وقع في ظرف زمني حساس تميز بتعرض المغرب لمحاولتي انقلاب. ومن مظاهر الإجحاف داخل هذا الاتفاق هو كونه أتاح للجزائر إمكانية التصرف في بعض مناطق الصحراء الشرقية المغربية من واحات و أدغال. بالتالي ما يحدث اليوم ما هو إلا امتداد للآثار السلبية للغموض المتعمد الذي كنتف هذا الاتفاق. والدليل على ذلك هو تردد الدولة المغربية للمصادقة عليه، والذي تم سنة 1992، أي بعد عشر سنوات من توقيع الاتفاقية.
أحداث "وادي العرجة" تسائل الدولة المغربية عن مدى احترام اتفاق إفران لسنة 1972 لمبادئ القانون الدولي، فهل احترمت الاتفاقية مبدأ الخط الفاصل أثناء ترسيم الحدود على الأرض؟ ما موقع منطقة "وادي العرجة" مقارنة مع الخط الفاصل؟ لماذا يتم التعتيم على كشف الخرائط المعتمدة في آتفاق الترسيم؟ وهل احترمت العمليات التقنية لتنفيذ ترسيم الحدود؟
كما يسائل القانون الدولي هذه الإتفاقية عن "نظام الجوار"، فكما يرى "شارل روسو" أن قيام الحدود يولد نظاما قانونيا يرافقه، هو نظام الجوار و الذي يطرح عدة أسئلة
- موضوع سكان طرفي الحدود، من حيث مالهم من حقوق (كحق المرور و العمل) و ما عليهم من واجبات.
وهنا نتسائل ما هي الضمانات القانونية المتوفرة داخل الاتفاقية لحماية أملاك المغاربة المزارعين بمنطقة العرجة؟ والذين يملكون أوراقها الثبوتية حتى قبل الاستعمار الفرنسي. وهل أخذت الإتفاقية بعين الاعتبار "الامتدادات التاريخية" بين القبائل المغربية، حفاظا على تماسكها واحتراما لروابط الدم و التاريخ التي توحدها، وهو مبدأ ينص عليه القانون الدولي؟
- يقع على عاتق الدول المتجاورة التزامات وحقوق يجب مراعاتها، كحق الملاحقة القضائية مثلا. هنا تجدر الإشارة أن للمزارعين المغاربة الحق في التقاضي لدى المحاكم الجزائرية للدفاع عن حقوقهم كون منطقة "العرجة" تقع تحت إدارة دولة الجزائر. الأمر الذي يصعب تنفيذه في ظل العلاقات السياسية المجمدة و الحدود المغلقة بين البلدين.
هذه الأحداث المخزية، تذكرنا بمسيرة العار "المسيرة السوداء" التي طرد حينها النظام الظالم الجزائري سنة 1975، 45 ألف عائلة مغربية كانت مقيمة بالجزائر، ما يقارب 350 ألف مغربي تم تهجيرهم قسرا و تم السطو على أملاكهم و ممتلكاتهم.
الدولة المغربية اليوم أمام تحد الحفاظ على حقوق مواطنيها والدفاع عن حقوقهم التي يضمنها القانون الدولي، بالتالي فإني أرى ضرورة القيام بعملية "تعبئة المجتمع المغربي" من خلال فتح نقاش شفاف حول اتفاق 1972 والكشف عن بنوده، و القيام بحملة و ضغط دوليين من أجل إلزام النظام العسكري الجزائري باحترام مقتضيات القانون الدولي.
يوسف القياس، باحث في القانون الدولي والعلاقات الدولية