المريدة: ملاحظات بشأن طريقة تقديم وتداول استقالة الوزير مصطفى الرميد

المريدة: ملاحظات بشأن طريقة تقديم وتداول استقالة الوزير مصطفى الرميد عبد الغني المريدة، أستاذ بكلية الحقوق بفاس (جامعة سيدي محمد بن عبد الله)
أولا، بخلاف الموقف الذي يرى أن تداول وثيقة الاستقالة يخالف الأعراف والعادات التي جرى العمل بها في السوابق المتعلقة باستقالات الوزراء في الممارسة السياسية والدستورية في النظام السياسي المغربي، وهذا الموقف غير دقيق، لأن تداول وثيقة الاستقالة عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووصولها إلى الرأي العام تصرف وعمل تأسيسي إيجابي وسابقة تأسيسية في الجانب المتعلق ببروتوكولات تقديم استقالات الوزراء في المغرب، وذلك للاعتبارات التالية:
إن الدستور يتحدث عن طلب رئيس الحكومة من الملك إعفاء عضو أو أكثر من أعضاء الحكومة بناء على استقالتهم الفردية أو الجماعية. بمعنى تقديم الاستقالة من طرف الوزير المعني إلى رئيس الحكومة، وهذا الأخير يتواصل مع الملك. وبالتالي فطريقة تقديم السيد الرميد لاستقالته تم فيها أجرأه وتفعيل واحترام النص الدستوري. ويكون بذلك الرأي القائل بخرق طريقة تداول الاستقالة للأعراف والتقاليد رأي غير صحيح، لأن الأولوية للنص وليس للأعراف والتقاليد التي لا تلعب دورها إلا في حالة غياب النص أو وجود عيب فيه.
يبدو أن تسريب وثيقة استقالة السيد الرميد وسرعة انتشارها وتداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ينهي مسلسل الغموض الذي كان يحيط ببروتوكولات (شكليات) استقالات الوزراء في النظام السياسي المغربي، وكيفية تواصل الجهات المتدخلة في هذا المجال. بمعنى أن خروج وثيقة الاستقالة وتداولها بين مكونات الرأي العام يبدد الشكوك والسيناريوهات التي تثار في النظام السياسي المغربي بمناسبة وقوع حالات استقالات الوزراء، بسبب الشح الكبير في المعلومات والتفاصيل التي كانت تصل أحيانا إلى حد الشكوك حول مدى مرور بروتوكولات الاستقالة برئيس الحكومة من عدمه.  فالحالة هذه أثبتت فعلا أن هناك تواصل بين الوزير صاحب الاستقالة وبين رئيس الحكومة.
يبدو أن حزب العدالة والتنمية تعمد بشكل واضح تسريب وثيقة استقالة الرميد وسرعة تداولها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا خيار حزب، يريد من خلاله أن يبعث رسائل مشفرة قوية إلى الدولة والمجتمع، والرد أيضا على المواقف التي كانت تنتقد بشكل واضح طريقة ممارسة رئيس الحكومة للاختصاصات في بعض الحالات. لكن، لئن كانت هذه الخطوة المتمثلة في شكل تداول الإستقالة مؤشر على هذا الخيار، فإن الطريقة التي سيتواصل بها رئيس الحكومة مع الملك ستكون حاسمة في تأكيد هذا الخيار من عدمه؟  فهل سيعتمد رئيس الحكومة نفس الطريقة التي تواصل بها الوزير الرميد مع رئيس الحكومة، وهذا المسلسل في التواصل بين الملك ورئيس الحكومة غامض أيضا من حيث البروتوكولات المتبعة. فهل سيقدم رئيس الحكومة إلى الملك نفس الوثيقة التي تلقاها من الوزير الرميد، وهنا ستغيب بصمات رئيس الحكومة، وسيتحول إلى أداة لنقل الاستقالة من الوزير المعنى إلى الملك.  وإما سيعيد تحرير وثيقة جديدة تحمل اسم رئيس الحكومة وتعبر في مضمونها عن طلب استقالة الوزير الرميد؟ فالحالة الآن في ملعب رئيس الحكومة. والباحثون والرأي العام ينتظر الطريقة التي سيرفع بها رئيس الحكومة الاستقالة إلى الملك.
 
ثانيا: على عكس الرأي الذي انتقد طريقة تسريب وثيقة الاستقالة بحجة ربطها بمسألة التضامن الحكومي، يبدو أن هذا الرأي وهذا الربط غير صحيح. لأن فلسفة ومضمون التضامن الحكومي لا ينطبق على مثل هذه الحالات إطلاقا، لماذا، لأن سبب الاستقالة واضح، وهو حسب مضمون الوثيقة المتداولة مرتبط بالوضع الصحي للوزير صاحب الإستقالة، وليس لاعتبارات سياسية مرتبطة بتدبير القطاع الوزاري الذي يشرف عليه الوزير المعني.
 
ثالثا: هناك قطاعات واسعة من الرأي العام ربطت بين استقالة الوزير السيد الرميد وبين استقالة السيد الأزمي، وهذا الربط أيضا غير صحيح في شموليته، لأن الحالتين مختلفتان، فالرميد قدم استقالته من الوزارة وليس من الحزب. في حين أن الأزمي قدم استقالته من هياكل الحزب. وفي الحالتين يمكن طرح الفرضيات التالية:
1 - إما أن هناك صراعات عميقة وخطيرة يعيشها حزب العدالة والتنمية.
 
2 - إما أن هناك صعوبات وضغوطات مرتبطة بالتدبير تتعارض وقناعات أصحاب الاستقالة، وفي حالة ثبوت هذا الأمر يبدو أن مسلسل الاستقالات لن ينتهي إن لم يكن ينذر باستقالات جماعية قادمة لكوادر وأطر تشكل أعمدة وركائز الحزب. وهذا الاهتزاز والارتباك في البيت الداخلي للحزب لا يمكن عزله عن السياق العام الذي تعيشه البلاد في الجانب المتعلق بالاستعداد للانتخابات التشريعية المقبلة.  والأحزاب كلها الآن تشتغل وتستعد لهذه المحطة الانتخابية، وأبسط المشاكل ستكون لها تداعيات ونتائج خطيرة على قوة وطريقة دخول الحزب حلبة التنافس الانتخابي المقبل. وهنا لا غرابة في حالة خروج الحزب في الأيام القليلة المقبلة ببلاغات يقدم فيها نفسه على أنه ضحية وان هناك جهات تستهدف الحزب قبل الانتخابات. فبعض الأحزاب لا تجد طريقة لتبرير مشاكلها وتصدعاتها الداخلية إلا بمسحها في جهات مجهولة.