اسمهان عمور: مشاهد ملء العين في انتظار الجرعة الأولى

اسمهان عمور: مشاهد ملء العين في انتظار الجرعة الأولى اسمهان عمور

أرقب خيوط الفجر إيذانا بضياء الصبح. أرقب مغيب الشمس وهي تهوى معلنة سدول الليل... هكذا الأيام ومنذ الأزل... يأتي ضياء ومغيب.. ظلام ونور ونحن لا ننفك نفك شفرة هذا الكون الذي عسر على الأكثر ذكاء وفطنة فهم لغزه. هذا العالم الذي بجبروت تكنولوجيته وربابنة باحثيه تعذر عليهم احتواء فيروس نخر العالم واقتصاده، وقطع الوصل بين قاراته، ونفث سمومه في خلايا البشر.

 

هكذا صير الفيروس بني آدم أكثر امتثالا لمجابهته بالتطعيم بعد اكتشاف لقاحات تنوعت مصادرها.

 

في مشاهد لم نتعودها في قاعات الانتظار، والطوابير الطويلة التي يخترق نظامها ذوو النفوذ، كانت الأجساد، وأكثرها نساء، في باب البويبة مركز التلقيح بالرباط حسان. هدوء عند المدخل، يسلمك شرطي رقما دالا على العدد لتنتظر قليلا، فتهرول ساعة النداء لتسلم بطاقتك الوطنية مصحوبة بالرقم، وتدون المعطيات معززة برقم الهاتف.

 

في قاعة الانتظار التي شغلت النساء جل كراسيها يلوذ الصمت غير المعهود، ترى سيدة غمست وجهها في كتاب كبير الحجم باللغة الفرنسية، تنفلت عيونها من نظاراتها الطبية لتطمئن على سير النظام، وأخريات يسبحن فيما تقدمه لهن الهواتف النقالة من تطبيقات، وأنا أرقب المشهد متسائلة هل هذا الصمت هو من الوجل والخوف من التطعيم، أم آن لنا أن نكون أمة متحضرة محترمة للآخر؟

 

لم يدم الانتظار طويلا، الشرطيان الملازمان للمدخل يضبطان رفقة شابين آخرين عملية التنقل من قاعة الانتظار إلى قاعة التطعيم، حيث الوافدون الجدد تحسهم من فرط التوجس تتيه خطواتهم ليدلك شاب على طبيبة يكسر بياض وزرتها قفازات سوداء، محتم وجهها بقناع بلاستيكي بالكاد تظهر منه كمامة بيضاء لتسألك وبدقة إن كنت حاملا لأمراض مزمنة يتعذر معها التلقيح.

 

هكذا وجدتني أقطع المراحل كلها لأصل إلى غرفة التطعيم بها خمس كراس ذات لون أحمر وممرضة حاملة لحقنة بها مادة التلقيح. بادرتها بالسؤال، أي نوع هو، فلبت فضولي وهي تدفع بمادة Astrazeneca  إلى العضلة اليسرى من اليد، ناصحة إياي بعدم لمسها بالماء لمدة يومين...

 

لم تدم عملية الجرعة الأولى إلا ثوان. هذا اللقاح الذي سيحصن الأجساد من فيروس فتك بشيب وشباب، وقطع الوصل بين القارات وجعلنا أرقاما في سجلات التطعيم زمن كورونا...