تجيير الشيخ الجردي.. وضرورة تفكيك خلايا التهريب الوهابي الإخواني العابر للقارات في الحقل الديني

تجيير الشيخ الجردي.. وضرورة تفكيك خلايا التهريب الوهابي الإخواني العابر للقارات في الحقل الديني الراحل الشيخ الجردي( يمينا) ولفتيت وزير الداخلية
بهذه الحلقة نكون قد خصصنا في موقع "أنفاس بريس" أربع حلقات لحدث التجيير الأصولي، خارج الاعتبارات الإنسانية المطلوبة، لصحيفة المرحوم الشيخ الجردي.
 
وهذه المتابعة النقدية تمليها اعتبارات الإحاطة بلباب الأمور،خدمة لأفق الإصلاح الحقيقي ،وليس الانجرار وراء الظواهر الخادعة،حتى وإن كان صوت الإصلاح ضعيفا الآن،مع عربدة تحالف الوهابية والإخوان،على نحو غير مسبوق، من داخل المؤسسات الدينية الرسمية.

ما أقدم عليه كل من رئيس المجلس العلمي بطنجة سي محمد كنون،وعضو المجلس العلمي الأعلى سي محمد الروكي، ومعهد الإمام نافع للتعليم العتيق،من تجيير المرحوم الجردي، ومن قبل ما قام به عضو المجلس العلمي بطنجة سي عبد اللطيف حدوش، من تجيير له في ضيافة المجلس العلمي - وهو تجيير يرسم سيرة للشيخ، مخالفة لتلك التي تتبناها صفحة محبي الشيخ على الفايسبوك، والمعنونة ب"القول الوردي في ترجمة العلامة محمد الجردي" - كل هذا يستدعي  تفسيرا لهذا التناقض، بين سيرة لشيخ وهابي، وبين أخرى لعالم مغربي مفترض. فأيهما السيرة الحقيقية، وأيهما الزائفة؟
 
لكن وقد ترجح أن صفحة الشيخ تبنت سيرته الوهابية. فإن السيرة الأخرى تبقى مزيفة.وبهذا يكون كنون والروكي وحدوش  ومعهد نافع،في موقع تكريس الزيف.وكل هؤلاء ينتمون للمؤسسات الرسمية في الحقل الديني.فهل من تفسير لهذا المسلك؟
إنه بالرغم مما يظهر من تناقض بين السيرتين، فهما يتكاملان في ضمان ريع وهابية السعودية، والتلبيس على  الدولة المغربية والتدليس عليها لضمان استمرارية التبشير الوهابي بعيدا عن رقابة حواس الدولة.فالسيرة الأصلية موجهة للخارج لاستدرار الدعم ،والسيرة الثانية موجهة للداخل لتعطيل الحواس. 

وقبل مطارحة الأسئلة المضمرة في هذه المعطيات الملموسة، لا بد من افتحاص حالة هؤلاء الذين تولوا هذه اللعبة المثيرة. فرئيس المجلس العلمي تنكر للمعادلة التي أتت به رئيسا في طنجة، ف"ارتد" عن ميراث عائلة وطنية أصيلة،حيث أصبح يوظف اسم كنون الحسني، في معادلة أصولية عابرة للقارات.
 
وهذا مؤلم حقا ،خصوصا لما ترتسم أمام أعيننا صورة لأسماء كبيرة متنورة من عائلته، هي في غاية اللطف والالتزام المذهبي، من قبيل السادة: محمد مصطفى الريسوني،وعبد الصمد  العشاب ومحمد الأزرق، رحمة الله عليهم جميعا، فضلا عن كونه ابن عالم وطني ملتزم تصدى للوهابية بدون وجل.
 
فكيف سيتم الوثوق به، وهو بهذه العقلية الانقلابية، يتنكر لكل ما هو جميل في هذه العائلة؟ 
فما عدا حالة كنون، فالباقي لا يدعو للاستغراب.فعبد اللطيف حدوش وهابي،حتى وإن تظاهر بعكس ذلك. فهو سوط رئيسه على القيمين الدينيين خارج  حماية الكارطيل الأصولي، وحتى على اليسار أيضا الآن.
 
ولا نعرف ما إذا كانت الأمانة العامة للمجلس العلمي الأعلى قد خولت لهذا العضو ورئيسه الحديث عن اليسار بنفس شحنة الكراهية لحديث الأصولية عنه؟أم أن التسيب تجاوز مداه في المؤسسة العلمية؟ أما الروكي، فهو أصولي لا تنفصل ديناميته عن حركة التوحيد والإصلاح.
 
هو في خدمة الأجندات الأصولية، أكثر من انتظامه ضمن تحملات عضويته في المجلس العلمي الأعلى، وإن كان أسلوبه يختلف بعض الشيء عن حدة سي مصطفى بنحمزة،فإنه يبقى امرءا فيه جاهلية.
 
رأيناه يرثي بشكل لافت أصوليي الشمال، ولا يرثي علماء المغرب بجوار سكناه.
أما معهد الإمام نافع، الذي درس فيه الشيخ الجردي، فيسيره أخوه الأصغر،حيث يدرس فيه الروكي، وحتى رئيس المجلس العلمي بتطوان،ليكمل حلقة أخرى لرافعة التمدد الأصولي في كلية أصول الدين.
 
وبهذا أصبح هذا المعهد وبكتلة أجرائه، حضنا لدينامية أصولية مؤثرة حتى في مديرية التعليم العتيق. وأصبح المسجد المرفق به رافعة لتصريف مستوى آخر من مخطط الهدم للمعمار المذهبي للمغرب، من خلال دروس الحكواتي سعيد الكملي.. وبمباركة من المجلس العلمي والمندوبية الجهوية للشؤون الإسلامية.
 
بل وأصبح لهذا المعهد مجموعة مدارس حتى بالبادية، لا يمكن أن تنهض بها أموال المحسنين، بدون دعم خارجي. ولذلك فإشراف وزارة الأوقاف على التعليم العتيق زاد من صبيب المد الأصولي، تماما كحالة ضم المساجد، الذي لم يحد من التغلغل الأصولي أيضا، مما يبين طبييعة أعطاب وزارة الأوقاف في مقاربتها للظاهرة الأصولية، من منظور الاحتواء، فحصل النقيض من ذلك، حيث احتوت الأصولية الوزارة والمؤسسة العلمية،على حد سواء.

وهنا يبزر السؤال التالي:
هل تم استغفال حواس الدولة بهذه اللعبة غير النظيفة؟ وإذا كانت هناك يقظة موصولة، فلماذا كل هذا السكوت عن الانقلاب الأصولي على مرجعية إمارة المؤمنين،؟ لماذا كل هذا السكوت عن عشرات الخلايا غير النائمة في جميع هياكل الحقل الديني وبمفخخات البترودولار؟
وحتى لا نركب الطريق الخطأ في التحليل، نؤكد بأن هناك  جهات رسمية في العهد السابق  وظفت الأصولية ضد القوى الديموقراطية بشكل علني، وصل مداه الدموي باغتيال الشهيد عمر بنجلون، رحمة الله عليه.
 
لكن سريان نفس النهج وبعناوين زائفة، في العهد الجديد، يعني إضفاء المشروعية على الانقلاب الأصولي على مرجعية إمارة المؤمنين، وبالتالي على بنية الدولة في المغرب.لذلك فنحن نراهن من خلال هذه الحفريات، على من يسكنهم تاريخ المغرب بمؤسساته، ورموزه ورمزياته، وبحدوده الحقة،في بناء مشروع الدولة الوطنية الديموقراطية، وبنفحات التحملات الحقيقية لمرجعية إمارة أمير المؤمنين، روح القدس معه.
أما بعد،فقد آن الأوان،أن يتدارك عقلاء الأمة الأمر قبل أن تذوب مساحيق التدليس في مستويات أخرى، عن التغذية "الرسمية" للتطرف في الداخل والخارج، فينكشف مستور المقاربة الجيوسياسية للظاهرة الأصولية ،التي افتقدنا معها أو نكاد سيادتنا المذهبية في ظل صناعة غير محلية حتى لبعض وجوه المسؤولية الدينية.
 
لذلك، فأمام عجز المؤسسات المنتصبة للتمكين لبيضة الإسلام المغربي، ستكون الإدارة الترابية والأجهزة مطالبة بالانخراط في أفق حماية الأمن الروحي بإصرار مغاير.
 
وإلا فإن الاختراق الأصولي سيزحف على حواس الدولة ككل، إذا تم الاكتفاء الآن بالتفرج فقط، على هذه الملهاة/المأساة. فالتهريب الأصولي الديني العابر للقارات من مدخل المؤسسات الرسمية في حاجة إلى تفكيك بنيوي،عبر التمكين لآليات المشروع المجتمعي الحداثي الديموقراطي لصاحب الأمر ، الذي تم تعطيله مبكرا، مع الأسف، في بداية العهد الجديد!