عبد اللطيف برادة: تساؤلات الفيلسوف عن الحروب

عبد اللطيف برادة: تساؤلات الفيلسوف عن الحروب عبد اللطيف برادة
 
يتساءل الفيلسوف مرارا عن لغز الحرب
يبحث عن السر فيضل السؤال يؤرق عقله المنشغل بشؤون الخليقة
لا ينام حتى يسترجع أنفاسه ولا يأكل إلى حد الشبع المطلق
يتسبب في إيذاء نفسه لأنه يبحث حيث لا يوجد الجواب
ومن منا يشاهد ما يجري في الحروب فلا يتساءل؟
ومن يدرك مثلا كم هي أعداد الوفيات أو ما مصير العائلات التي تفترق إلى الأبد
وكم هم الأشخاص الذين غرقوا وهم يحلمون بالحرية؟
مادا تركوا من وراءهم ولما يغامرون بأنفسهم إلى هذا الحد
لا احد يتساءل كما يفعل ولا يعي بمصير عابري الحدود إلى بر السلام
يضل الوضع كما هو بينما في البرلمانات سيستمر نقاش قانون العبور إلى ما نهاية
هكذا يظل الفيلسوف يتساءل عن مآسي الحروب
يتكلم قليلا ويصمت كثيرا حتى لا يتألم
ثم يتكلم بإسهاب لكي يدلي بآرائه
وغالبا ما يصف الفيلسوف مشهد الدم بعدما تضـع المعركة أوزارها
يتطرق أحيانا إلى مغزى الانهزام
يشير إلى الشرارة الأولى لكي يبرز الأسباب الحقيقية للغدر
يومئ بإشارات مبهمة إلى معادلة الانتصار أو الهزيمة
كم هي قاسية التجارب التي لقنته دروسا لا تنسى
راجع نفسه فأدرك الحقيقة المرة لكن بعد فوات الأوان
عبر البحار بمجداف منكسر و مركبة ترتجف من الأمواج
وصل إلى بر الأمان فعاودته الرغبة في الإبحار مرة أخرى
أبحر إلى جزر عذراء فاكتشف فيها سحر الجمال؟
تعلم أشياء كثيرة وصعب عليه معرفة طبيعة البشر
الجبال قد تتغير وقد تتحول مع الزمن إلى ركام
قد تتنقل من مكان إلى مكان لكن البشر يظلون على حالهم متحجرين متشبثين بأفكارهم البالية
يضل الفيلسوف يتكلم فيوغل في الكلام
يتطرق بإمعان إلى معادلة الغالب أو المغلوب
يجادل عن معادلة السيد والعبد والمغتصِب والمقهور
الانتصار الحقيقي في نظره لا يدرك إلا بعدما يسيطر المنتصر على نزعة الظلم بداخله
فيتحول المحارب في لحظة ما من مقاتل إلى رسول سلام
وقد يتحول المنهزم إلى مكافح على الضفة الأخرى
سيحاول المستحيل من اجل استدراك معركة باءت بالفشل
يتأمل مليا الفيلسوف المشهد الغرائبي للحرب
يحلل كل ظواهر التفكك والآليات المدمرة للأوطان
ففي نظره ان تراكم الفشل لدى النخبة هو السبب الرئيسي في تفشي العنف
الأنظمة الفاشلة كما يقول هي التي تتمادى في توطيد عرى الاستبداد المقنع تحت شعار العدل
لكن القمع يولد في اخر المطاف انفجار داخلي شديد الشظية يدعم حروب الاستنزاف
قديما يقول كانت الحروب تندلع من اجل نشر أفكار فقط
أما اليوم فهي غريبة الأطوار
تتقدم مجموعة معينة فترمي الى السيطرة على الدولة
الحروب الجديدة تؤدي إلى هدم السلطة فتنشر التطرف كي تبقي على الصراع
الحرب كانت قديما تنتهي بهزيمة أحد الأطراف وانتصار آلا خر
اليوم الحرب تدوم الى ما لا نهاية فتغد كل الإطماع
يظل الحال هو الحال
فلا منهزم ولا منتصر
هكذا يتحدث الفيلسوف عن الحرب التي تحركها الأطمـاع
يشير إلى كل وغد أفاق يتلذذ باستغـلال اي مستضعف
والى إنسان الغاب الذي يتفنن في ممارسة الوحشية على أخيه الإنسان
الإنسان الوحشي في راية هو الذي يجرؤ على إبادة كل ألأعداء
لا يميز ما بين العدو السائد والأخر القابل للحوار
فلا يسلم لا الشجر ولا الحجر
مواقف تجعل الفيلسوف يخجل حتى من نفسه كانسان
فهي صور بشعة تقتل مشاعر القلب وتغتال العقل
كل التفاصيل أصبحت محفوظة الآن في سجلات التاريخ بالدقة
فكل من يرغب في الاستفسار عن أسباب الحروب عليه مراجعة ارشفي الحروب الدامية
عرف الإنسان البدائي فصولا من نفس عيار الدمار الشامل
فالحرب ليست حسب راية في الحقيقة إلا عنوانا لغباء الإنسان
اذ في الحقيقة لا ينهزم المحارب إلا عندما يفشل في تدبير الاختلاف
والحقيقة يقول لن ينتصر المحارب حتى يفلح في إلغاء كل الكراهية في القلب
المحارب هو من يلغي فكرة الانتصار على المغلوب
الحرب تدب أولا من الداخل فتحول الأزمة إلى الخارج فيصبح الرجل البريء ظالم
لا يمكن للمحارب الصادق أبدا تبرير أي اغتصاب
يشاهد الفيلسوف عن كتب رحى الحرب تدور تطحن البشر
لن يبرر المحارب مها بلغ الأمر ممارسة الإبادة ضد الأعزل
ولن يبخس حق أي شعب كان في اختيار المصير ولن يهدر بالمرة دم الأعزل
يعلم أن المال هو المحور الرئيسي لكل الشر
يبخس الرغبة البشعة في السيطرة على غنائم الشعوب
تجده يحب السلام لكنه يدافع بقوة الشروط عن كرامة الأمة
ومع ذلك لن يعلن حربا لكي تسود طائفة وتضمحل أخرى
ابدأ لن يسمح بدق طبول الحرب كي يهيمن فريق على حساب أخر
لن يدعم حربا بحجة العقيدة والتفوق
لن يقيم حروبا مقدسة تدمر كل شيء
فمادا يفعل ادا المحارب الصادق حيال الدمار الشامل والمآسي ؟
لن يندفع من دون تفكير لأنه يعلم أن الحرب في كثير من الأحيان مجرد تسلية أو غنيمة لدى الزعماء
وهي في الأصل تجارة مربحة لدى الغير
عندما تصبح الحرب مجرد لعبة الأقوياء سيتحول الشعب إلى مجرد ضحية
قد يسمح للشعب بعد الدمار التغني بأمجاد الزعماء
او بالأحرى التباهي بمنجزات واهية
فسيلقى للشعب بنزر من غنيمة لاتسمن ولا تغني من جوع
هكذا يجعل الأفاقون من الأزمات ممرا للسيطرة على خيرات الشعوب
بارعون هم في إثارة العداوات و تلفيق التهم
بارعون في نشر الدعايات المغرضة
فتصبح هكذا الحرب مجزرة رهيبة
فتدور كل المشاهد بين أناس يجهلون بعضهم البعض
مجزرة لحساب من يعرفون ما يقصدون
أذكياء لا يقتتلون لكنهم يتفرجون على دماء تسفك بلا رحمة
وأغبياء يتاجرون بأرواح أنفس غالية
مجانين لكنهم يجنون المال الطائل على حساب جثت الأبرياء
كثيرة هي الحروب التي تندلع من دون سبب تم سرعان ما تنطفئ
فلا يعقد السلام ألا استعدادا لمعركة أخرى
فلما إذن نتكلم عن الحرية وهي لا تزال مجرد كلمة جوفاء
فالحقيقة ربما قد تعرفها يوما ما وعندها لن يجديك السؤال
فقد تعتبر ان من ينصت الى سؤالك أصم أم أبكم
هناك أشياء لن تجدها بين طيات الكتب
وحتى لو سافرت لن تكتشف كل الأشياء ولن تفك كل الألغاز
قد تسافر أي نعم عبر كل بقع العالم
وقد تحاول لكنك لن تعرف أبدا مع ذلك ما سيظل إلى الأبد غامضا في خلد البشر..