محمد شخمان: دفاعا عن الحزب الاشتراكي الكبير

محمد شخمان: دفاعا عن الحزب الاشتراكي الكبير محمد شخمان

الحركات السياسية كما باقي الكائنات، لها تاريخ ولادة، وفترة قوة ثم استقرار فضعف أبدي أو موت.

حزب لينين ولد في 1898 وحقق ثورته بعد 19 سنة وعاد إلى الاستقرار طويلا ثم الموت.

حزب ماو 1921 وبعد 28 سنة وصل زحفه العاصمة بكين، ومنذ عقود طويلة يعيش استقرارا قاتلا.

الحركة الاتحادية الأصيلة عاشت زمنا طويلا من الحيوية ابتداء من 1959 وانتهاء بـ 2002 (تجاوزا).

حزبنا حينما قطع الحبل الصري مع الاتحاد الاشتراكي قام بإعادة انطلاق جديدة مع أحداث 84 وصدور المسار سنة 1985 واليوم يفصلنا عن حدث 8 ماي 37 سنة وهي مدة قصيرة في حياة الشعوب، لكنها طويلة في حياة التنظيمات. والحقيقة اننا لم نصل بعد لتحقيق رغبتنا في أن نصبح حزبا قويا قادر على تغيير موازين القوى لصالح الجماهير الشعبية، ويحقق الثورة أو الإصلاح المنشودان في المجتمع، وربما مدة صلاحيتنا قد انتهت منذ سنة 2011 عندما أتت الهبة الشعبية وكنا في حالة لا نستطيع فيها حسم المعركة، ولاحقا أعطانا الشارع الانتخابي فرصة 2016، كما أعطانا الشارع الاجتماعي فرص هنا وهناك، من زاكورة إلى جرادة إلى الحسيمة لكن ظروفنا الذاتية لم تسمح لنا بلعب دور الحزب الطلائعي قائد الجماهير إلى النصر، ولا يبدو أن هناك آفاقا استثنائية تنتظر تنظيمنا.

 

الأحزاب تتأسس لخدمة المجتمع لا لمؤانسة أعضائها بعضهم بعضا، وهؤلاء الأعضاء مهمتهم تغيير المجتمع إلى الأحسن وليس الارتباط بنوستالجيا جميلة كيفما كانت، وكل استراتيجية سياسية لم تنتصر لمدة ثلاثة عقود فهي استراتيجية غير صالحة للمجتمع الذي فشلت فيه، وكل فكر لم يجدد لأجيال فهو فكر ميت.

 

إن الاندماج في إطار الحزب الاشتراكي اليساري الكبير لم يعد رغبة ذاتية بل أصبح ضرورة وواجبا نضاليا في هذه المرحلة السياسية من الزمن المغربي، ودواعي تأسيس هذا الحزب متعددة وكثيرة، فالشارع والمجتمع المغربيين يغليان توقا لتحول مجتمعي عميق يغير الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وفي المقابل فالدولة المخزنية أعلنت عن فشل نموذجها التنموي ومع ذلك ما زالت متشبثة بنفس الاختيارات، بل وقد عادت منكفئة في ردة حقوقية و ممارسات بطعم الماضي الأليم. أمام إرادتي المجتمع والدولة الشارع السياسي وخصوصا اليساري منه لم يقدم أي عرض سياسي يعطي الأمل للجماهير المظلومة والمقهورة التي أصبحت تكتسي وعيا متزايدا، وأصبحت ميالة للتوجس من الفاعلين السياسيين أو على الأقل أصبحت تحكم عليهم بالإنجازات و لا تثق بالوعود و الشعارات.

 

الأحزاب الثلاثة المكونة للفيدرالية كانت آخر محطة تنظيمية لها تحمل آمالا هي المؤتمر الاندماجي للاشتراكي الموحد سنة 2005، أما بعد ذلك ففي اعتقادي أن الاستقرار التنظيمي إن لم نقل التراجع هو سيد الموقف، حزب المؤتمر ولد وهو يحمل بعض الأعطاب، منها أنه يقف خلف النقابة لا أمامها، حزب الطليعة يعيش استقرارا منذ 2002 ولا توجد مؤشرات لنهوض حقيقي في المدى المنظور، وبعد تأسيس الفيدرالية انبعث لدى اليساريين بعض الأمل خصوصا أثناء انتخابات 2016 التي أكدت شيئين، أولا أن الطبقة المتوسطة مستعدة لإعطاء ثقتها لليسار إذا طرح مبادرة وحدوية بعيدة عن الذاتية، وثانيا أننا كيسار جذري أخلفنا الموعد مع هذه المحطة انتخابيا أولا، ونضاليا ثانيا ولم نستثمر ذاك التعاطف الشعبي.

 

مدة تنسيق المكونات الثلاث بلغ 12 سنة، وهي مدة طويلة للانتقال منها إلا مرحلة أرقى.

الفيدرالية لم تعد ملكا لنا، فبشكل ما أصبحت ملكا للشعب المغربي وأصبح من المتعذر على أي مكون أن يحظى منفردا بتعاطف شعبي.

السعي للحزب الاشتراكي الكبير ليس هدفا تنظيميا في حد ذاته، و ليس هدفا مهما كان الثمن، وليس هدفا كشكل دون مضمون، والمغامرة الغير محسوبة النتائج غير مطلوبة، بل مرفوضة، وأعتقد أن الاندماج يجب أن يكون  بناء على تعاقدات واضحة تأطر بأوراق مهيأة قبل المؤتمر الاندماجي وتناقش وتغنى ويصادق عليها أثناء المؤتمر، المدخل الأول هو الإرادة السياسية الصادقة للاندماج، وثانيا الإتفاق على الحزب المزمع بناؤه، حزب اشتراكي بورقة سياسية واضحة وورقة تنظيمية وقانون أساسي قوامهما الديموقراطية كما هو متعارف عليها عالميا ويساريا -وليس بالضرورة -لينينيا-، وهنا أفتح قوسا لأقول أن الأوراق مهما كانت جميلة لا تشكل ضمانة حقيقية لعدم الانحراف، فصدق المناضلين وإخلاصهم وبياض سريرتهم هو خير ضمانة للذود على التوجه والممارسة الصحيحتين.

 

الزمن السياسي مهم في حياة  التحولات المجتمعية، وحسب اطلاعي لم تأت وحدة في تجربة سياسية يسارية كبرى ما عن طريق الصدفة أو بطريق التنسيقات الجهوية بل كان القرار السياسي الوطني وإرادة الأفراد واختيار الزمن المناسب بناء على قراءة واقع الحال واحتمالات المآل هو الحاسم في إنضاج شروط البناء الوحدوي، وأعتقد أن المرحلة الحالية -مرحلة الربيع العربي الثاني- هو زمن مناسب لإنجاز الاندماج بين الأحزاب الثلاثة أولا، وفيما بعد يأتي دور إدماج الفعاليات والشخصيات الوطنية، وتجاوز أخطاء المؤتمر الاندماجي للاشتراكي الموحد مهم في هذا الجانب. إذن يبدو أن خطوة الاندماج يجب إنجازها في أجل سنتين، أي قبل انتخابات 2021 أو بعدها مباشرة.

 

شخصيا أعي أن الاندماج له ثمن ويجب دفعه، فأكيد أننا سنفقد صفاءنا الإيديولوجي، وسنحتاج لوقت للتأقلم مع الوضع الجديد، ولن يكون التواصل سلسا بين المكونات الثلاثة إلا بعد مدة، وكمرحلة انتقالية لابد من المحاصصة الثلاثية. ومن السلبيات سيكون هناك غاضبون من المكونات الثلاثة وأكيد أن الاندماج لن يكون برنامجيا على الحد الأقصى بل على المشترك، وليس عيبا أن يكون السقف السياسي مؤقتا هو الملكية البرلمانية، فهي مطلب كبير وتحقيقه إنجاز تاريخي، فلا يجب أن ننسى أن كل عمل وحدوي يستلزم تنازلات متبادلة.

 

أما فقدان الحزب الطلائعي والرغبة في تحقيق المجتمع الشيوعي فهي مهمة تبقى مطروحة، لكنها ليست مهمة الحزب المزمع تأسيسه، وبناء الحزب الاشتراكي لا تعني أنها هي المحطة النهائية في النضال أو أنها نهاية العالم، فالمستقبل مفتوح على انبعاث الحزب الطليعي من رحمه ومن رحم حركة النضال المستقبلي.

 

- محمد شخمان، عضو اللجنة المركزية لحزب الطليعة الديموقراطي الاشتراكي