من يحمي الشعب من جشع لوبي المصحات الخاصة؟

من يحمي الشعب من جشع لوبي المصحات الخاصة؟ خالد أيت الطالب، وزير الصحة، وعبد الحق غريب، أسفل الصورة، ومشهد لمريضة بكورونا
أطرح السؤال في العنوان أعلاه في صيغة أخرى: هل الدولة بمؤسساتها وترسانتها القانونية عاجزة أمام جشع وتمرّد لوبي القطاع الخاص؟
لا يسمح المجال هنا للجواب بالتفصيل عن هذا السؤال الذي يتعلق أساسا بقطاعي الصحة والتعليم، بيد أني سأتطرق بعجالة لموضوع الساعة والمتعلق بجشع وتمرّد أرباب المصحات الخاصة، وغياب الضمير المهني والحس الوطني.
في السنة الماضية وضعت وزارة الصحة رهن إشارة المواطنين والمواطنات الرقم الهاتفي التالي 0537761025 وذلك للإبلاغ عن المصحات الخاصة التي تفرض شيكاً على سبيل الضمان قبل ولوج المريض للمصحة.
وهذه ليست هي المرة الأولى التي تخرج فيه وزارة الصحة ل "تشكو" من جشع وتمرّد أرباب المصحات الخاصة وتخبرنا أن دفع شيك على سبيل الضمانة قبل الولوج للمصحة غير قانوني، بل منذ سنوات وهذا المشكل يشكو منه المغاربة دون حسيب ولا رقيب، حيث يعود للواجهة كلما انفجرت فضيحة الشيك على سبيل الضمانة في هذه المصحة أو تلك، وكلما تعالت الأصوات للتنديد بهذا الشرط المجحف وغير القانوني وغياب المراقبة..
وعلى ما يبدو، فإن أرباب المصحات الخاصة لا يعيرون أي اهتمام لخرجات الوزير الوصي ولا للأصوات التي تندد بخرق القانون وغياب المراقبة، بل استمروا في فرض الشيك كضمانة قبل الولوج إلى المصحة جهاراً نهاراً، وهو ما يوضح بالفعل أنهم لوبي فوق كل القوانين.
بل أكثر من ذلك، وفِي عز الأزمة التي عرفتها بلادنا بسبب جائحة كوفيد-19، وما تتطلبه هذه الأزمة من تضامن وحسّ بالمواطنة، تابعنا جميعا جشع أرباب المصحات واستغلالهم للأزمة لمزيد من نهب الجيوب، وشاهدنا في فيديوهات عديدة عبر وسائل التواصل الاجتماعي شهادات حية لمعانات عائلات مرضى كوفيد-19 مع المصحات الخاصة، بعد أن فرضت عليهم تقديم شيكات بمبالغ خيالية تبدأ ب 6 مليون سم قبل إدخال المريض بكوفيد-19 للعلاج، والأثمنة الخيالية التي تفرضها كل مصحة على المصابين بفيروس كورونا في غياب أي مراقبة.. وللأسف الشديد، لم نسمع أن هذه المصحة تمت متابعتها أو تلك تم إغلاقها بسبب خرق القانون أو الأثمنة الخيالية أو وفاة بسبب الإهمال وما إلى ذلك.
الخطير في كل هذا، هو التصريح الذي أدلى به رئيس جمعية المصحات الخاصة ضمن برنامج “أدخلوا الضيف” على أثير إذاعة دوزيم، والذي يؤكد بالملموس أن المصحات الخاصة تشكل وبالفعل لوبيا متعاليا فوق كل القوانين، ويوضح أن الضمير المهني والحس الوطني في ظل الأزمة الصحية والاجتماعية التي تجتازها بلادنا هي في حكم الغائب، حيث عبر رئيس الجمعية أن المصحات الخاصة لا يمكنها تحمّلُ وتدبير بؤس وفقر المغاربة، ومن لم يتمكن من المرضى من أداء المبالغ المجحفة التي تشترطها المصحات الخاصة للمرضى المصابين بفيروس كوفيد-19، فما عليه وحسب ما أدلى به وتناقلته وسائل إعلام مختلفة، إلا “التوجه إلى الرباط “، في إشارة للعبارة الدارجة الشهيرة التي تقول: “لي ما عجبو الحال يطلع للرباط يشكي”.
هكذا يتضح جليّا أن أرباب المصحات/تجار الأزمات الذين يتربصون الفرص للاغتناء (على غرار أرباب المدارس الخاصة)، لا همّ لهم سوى تكديس الأرباح ولو على حساب صحة المغاربة بشكل عام، والمكلومين بالفيروس اللعين بشكل خاص، ويتضح كذلك أن استمرارهم في فرض شيك الضمان على المرضى يعتبر بمثابة تحدي صارخ ليس فقط للقوانين الجاري بها العمل في بلادنا، بل للدولة برمتها، وهذا لا يمكنه إلا أن يساهم في فقدان الثقة في المؤسسات وفي إشاعة ثقافة الإفلات من العقاب، وسيادة التسيب والاستهتار بالمسؤولية.
في الأخير، لن أطالب الدولة بأن تتحمل مسؤوليتها في حماية المواطنين من جشع لوبي المصحات الخاصة، مادام هي اختارت دعم وتشجيع القطاع الخاص (الصحة والتعليم) والانصياع لتوصيات المؤسسات المالية الخارجية، ومادام جائحة كورونا أظهرت بالملموس أن الدولة غير قادرة على مواجهة هذا اللوبي، وبالتالي يمكن القول أن الكرة في ملعب الهيآت السياسية والنقابية التقدمية والمجتمع المدني... وعند المواطن نفسه، لمواجهة جشع أرباب المصحات الخاصة ولإعادة الاعتبار للقطاع العام.