مصطفى الفارح: البوليساريو، المعول الذي سيهدم نظام الحكم الجزائري العسكري

مصطفى الفارح: البوليساريو، المعول الذي سيهدم نظام الحكم الجزائري العسكري رئيس أركان الجيش الجزائري شنقريحة يتوسط زعيم البوليساريو إبراهيم غالي (يسارا) ومصطفى الفارح

لن تكون الجزائر في حاجة لذاك العدد الهائل من الشهداء الذي تطلبه تحريرها من قبضة الاستعمار لكي تتخلص من الاستعمار الجديد الذي يمثله نظام الحكم العسكري الذي يجثم على صدر الشعب منذ حوالي نصف قرن من الزمن. يكفيها التخلص من البوليساريو .

 

خلافا لما يحاول بعض الباحثين جعل ميلاد جبهة البوليساريو مرتبطا بأخطاء اقترفتها الدولة المغربية من خلال عدم أخذ مطالب ورغبة جماعة طلابية صحراوية في حمل لواء تحرير الصحراء على محمل الجد ورفض التعامل معها، نعتقد بأن نظام حكم الجزائر نجح في اختراق فصيل الطلبة الصحراويين من خلال عملاءه في الداخل سواء من داخل الحركة الطلابية المغربية أو عن طريق المعارضة السياسية التي كان بعض زعماءها يقيمون في الجزائر ودفع بهم من أجل حدوث القطيعة التي لن تترك لهم من خيار سوى الارتماء بين أحضانه ليضع شروطه ويفرض إملاءاته ويرسم خطهم السياسي، وبالتالي يحدد مصيرهم. لقد هيأ نظام الحكم الجزائري كل شروط ولادة ونشأة البوليساريو وسهر على البحث عن كفيل وراع لها ونجح في توريط نظام العقيد الليبي في التكفل بها قبل أن يكتشف هذا الأخير خدعة البؤرة الثورية التي يمكن أن تقلب نظام الحكم في المغرب ويتخلص من مولود لقيط لا يتوافق مع مبادئ الوحدة التي كان يدعو إليها العقيد فوجدت الجزائر نفسها مضطرة لإظهار وجهها ونواياها العدوانية الحقيقية، هي التي أعلنت خلال كل المراحل التي قطعها المغرب في مطالبته بتصفية الاستعمار في أقاليمه الجنوبية واستكمال وحدته الترابية بأنها ليست معنية وليست لها أية أطماع في الصحراء المغربية، وبدأت مناوراتها السياسية والعسكرية في التشويش على الحق المغربي ووظفت كل إمكانياتها البشرية وثروتها الوطنية في خدمة مشروع انفصالي راهنت فيه على هدفين أساسيين:

 

1- توظيف جبهة البوليساريو إلى جانب جماعات متطرفة أخرى من أجل زعزعة استقرار المغرب ومحاولة قلب نظام حكمه، ومن ثم إذكاء النعرات القبلية فيه وتفتيته وجعله في موقع أضعف من أن ينافس الجزائر الهادفة إلى تصدير الثورة و الهيمنة على المنطقة المغاربية وعلى الإقليم بشكل عام.

 

2- إقامة دويلة صحراوية تابعة تشكل حديقة خلفية للجزائر وامتدادا لها إلى سواحل المحيط الأطلسي ومحاصرة المغرب وخنقه وفصله عن محيطه الجغرافي وعمقه الإفريقي وقطع أوصاله وشرايينه الممتدة في موريتانيا إلى دول الغرب الإفريقي والساحل.

 

قراءات الجزائر للوضع في المغرب ولمستقبله استمدت من تقارير مغلوطة لعملائها من معارضي نظام الحكم في المغرب وخلصت لاستنتاجات متفائلة جدا بنجاح مشروعها في ظل معطيات الاحتقان السياسي والاجتماعي الذي تعيشه البلاد وضعف الجيش الذي أنهكته وأضعفته المحاولات الانقلابات العسكرية الفاشلة المتتالية، والتي أثرت على قدراته وعلى إمكانياته وزرعت الشك في ولائه للنظام، وكذلك الوضع الاقتصادي المتدهور بفعل الإضرابات وبسبب ضعف الأداء وقلة الموارد الطبيعية في وقت كانت فيه الجزائر ترفل في نعيم عائدات الغاز والبترول وتتحول إلى مزار وقبلة لتجار السلاح وتعد نفسها بثقة زائدة لدور ريادي إقليمي في طموح سيثبت لاحقا بأنه ضد مجرى التاريخ وإرادة ومشيئة المغرب والمغاربة ويتجاوز بكثير مقدرة الجزائر ورصيدها الثقافي الهوياتي والتاريخي والسياسي.

 

فشل المشروع الجزائري يمكن اعتباره إيذانا بقرب سقوط نظامها السياسي الذي بنى مشروعيته على عداء المغرب وجعل من هذا الأخير عدوا كلاسيكيا على حد تعبير قائد أركان جيشه شنقريحة. كان حريا بقادة الجيش حكام الجزائر أن يجعلوا من التخلف والفقر عدوهم الكلاسيكي إسوة بغيرهم من دول العالم لكي يبقى لهم هامش للمناورة بحكم شساعة وكبر ميدان العمل وتعدد الحلول والمقاربات وهو ما من شأنه تمكينهم من فتح ثغرات تمكنهم من الإطلال على الشعب ورفع بعض رايات النصر منها وفيها والاستمرار في الحكم، أما والأمر يتعلق بمواجهة دولة من أعرق الدول على وجه الأرض، دولة كانت موجودة حتى قبل وجود فرنسا نفسها التي انتزعت الجزائر الولاية التركية من السلطنة العثمانية وحكمتها لأزيد من قرن ونصف القرن، وجعلها عدوا وهدفا أولا قبل كل شيء، فهذا عمل أخرق يستدعي شعب الجزائر الشقيق لمراجعة حساباته وأخذ زمام المبادرة وإعادة المارد إلى قمقمه إلى ثكناته العسكرية قبل فوات الأوان  فمن شأنه تهديد وجود دولة الجزائر الحديثة العهد نفسها.

 

القوة العسكرية ليست جيشا وأسلحة فقط، إنها أمة و تاريخ وثقافة وتقاليد والجيش الجزائري ليس له تاريخ وليست له تقاليد، لم يحارب ولم يكسب حروبا ولم يخسر حروبا، حرب الرمال كانت مناوشات بين جارين وحرب الصحراء كانت بالنسبة للمغرب عمليات استتباب أمن في أقاليم مسترجعة وإن حولتها الجزائر إلى شبه حرب نظامية جربت خلالها بعض قدراتها وبدون شك استخلصت العبر وما يمكن أن تستخلصه.

 

لقد جعلت البوليساريو شعب الجزائر يعي فداحة الخسارة التي يتكبدها اقتصاديا وعلى مستوى السمعة والمصداقية السياسية وجعلته يعرف طبيعة نظام حكمه المغامر الذي يفتقد لرجال دولة حقيقيين يضعون مصلحة شعب الجزائر فوق كل اعتبار، رجال دولة يفكرون ألف مرة قبل صرف دينار جزائري خارج الوطن ولفائدة جهة أخرى كيفما كانت. تقرير مصير الشعب الصحراوي كذبة كبيرة لم يعد حتى لاجئي مخيمات تندوف يصدقونها، دول العالم التي كانت تنظر بعين الشفقة للمحتجزين الصحراويين فوق التراب الجزائري أصبحت تنظر بشفقة أكبر لشعب الجزائر تهدر ثرواته وخيراته في مشروع وهمي يغامر فيه العسكر بمستقبل ومصير البلاد إرضاء لذوات مريضة وإشباعا لجنون العظمة "نحن أقوى دولة في المنطقة"، هكذا صرخ شنرقيحة، هل هذه صفات قائد عسكري رجل دولة؟ هو نفس الخطاب لقائد عسكري آخر مات ميتة أثرت فينا جميعا حين خاطب شعبه والثوار: "من أنتم؟" الجملة تكتمل إذا أضفنا إليها بقية شنقريحة التي تنقصها فتكون الجملة هي: "من أنتم؟ نحن أقوى دولة في المنطقة" احذروا المجانين، إنهم يفكرون في أنفسهم فقط، إنهم لا يفرقون بين الحياة والموت.