أحمد عاطف: هكذا انتقمت الكلمة وكانت كلمة "البيليكي" هي سر الكلمة والله يضع سره في أضعف كلمة!

أحمد عاطف: هكذا انتقمت الكلمة وكانت كلمة "البيليكي" هي سر الكلمة والله يضع سره في أضعف كلمة! أحمد عاطف
إن الخطاب السياسي هو نقطة قوة السياسي وهو ما يجعل منه سياسيا أصلا، لذلك فالكلمة هي مقياس الفصل، في قوته أو ضعفه او صدقه أو نجاحه أو فشله...لذلك لا استغرب من مظاهر الفشل السياسي في المغرب تسييرا، ليس فقط بسبب الفساد كما يروج، بل لانعدام للثقافة والفكر البناء في غالب الأحيان، لأشخاص يسيطرون على دواليب مراكز حساسة جدا تتحكم في مصير شعب اختارهم لإنقاذه!
إن هذا الفشل السياسي المغرق في الجهالة المعرفية التواصلية واللغوية، الذي يعاني من التكرار في الوعود والأفكار، بدون إبداع أو تجديد، فهو خطاب فوضوي ينطق كثيرا بما لا يعلم ويهاجم بما لا يفهم، لأن سياسيينا يستوردون خطابتهم من الغرب أو الشرق ولم يطوروا خطابات تلامس مشاكل الناس وتقربهم من الشأن العام وتحببهم في الممارسة السياسية غير خطابات شعبية هزلية مغرقة في الضحك على الذقون والكوميديا السوداء وشيطنة المنافسين السياسيين.
ذلك أن الأحزاب عندنا لا تؤطر ولا تتثقف أي سياسي وليس لها فضاء أكاديمي معرفي يعلم أصول التحكم في الخطاب السياسي وجعله أكاديميا رزينا قادرا على التجديد والتطوير وهذا يتفتق من قبة البرلمان حتى خطاب الانتخابي.
ذلك أن مقاربة اختيار الكلمات والرسائل السياسية شبه معدوم، ليس فقط عن تجاهل أو استهتار بالناخبين أو المواطنين، بل عن جهل مركب. فقليل من السياسيين يعطي للكلمة حقها ويعرفها و يدرك فعلا معناها ويحترمها في القول والفعل. فالكلمة سوف تحتسب على صاحبها، لأن الكلمة هي الميزان السياسي الذي سيزن قدراته وكفاءته وإخلاصه.
لأن الكلمة رسالة وهدف ومصير، وهكذا حاربها المستبدون ودافع عنها الصادقون، لكن الحسين وحواره مع ابن مروان هي بسبب كلمة لو نطقها لكان سياسيا ناجحا، لكنه لم ينطق كلمة، ولم يعمل بها ولم يؤمن بها، لذلك لم المسرحية التي منعت من العرض ولن يقولها، هكذا قال للابن مروان عندما فرض عليه الكلمة : وهل البيعة إلا كلمة
ما دين المرء سوى كلمة
ما شرف الرجل سوى كلمة
ما شرف الله سوى كلمة
ابن مروان : )بغلظة) فقل الكلمة واذهب عنا
الحسين : أتعرف ما معنى الكلمة...؟
مفتاح الجنة في كلمة
دخول النار على كلمة
وقضاء الله هو الكلمة
......
فتنتهي القصيدة بـ: إن الكلمة مسؤولية
إن الرجل هو الكلمة
شرف الرجل هو الكلمة
شرف الله هو الكلمة
هكذا لخص معنى الكلمة، لكن الكلمة صارت اليوم وسيلة لتحقيق المكاسب والدفاع عن المصالح فقط، حيث لم تسلم منها حتى كلمات الله ورسوله في خطابات المستغلة للدين، فالكلمة لم يسلم منها لا يسار ولا وسط ولا يمين ،فحتى الكلمة صارت منهاجا يتعمد التهافت على تسفيه مطالبات الشعب بالعدالة الاجتماعية.
ووصفها بالشعبوية كل مرة في غياب التام لا لفهم مفهوم الكلمة ولا للاصطلاح و دلالة نعث الكلمة، نعم هي كارثة سياسية أصبحنا نعاني منها، بالإضافة لكل كوارثنا التي تتوالد، سياسيين يعانون ليس فقط من أمية أخلاقية و فكرية ،بل حتى لغوية وكنا نتمنى أن يكنوا أميين تعليميا، حتى نجد لهم عذرا ولعلهم كانوا سيكنون متواضعين وحكماء كالكثير من الأميين البسطاء والشرفاء .
فالكلمات والمصطلحات صارت على المقاس فقط، كلام في كلام يقال فقط، لأنه يناسب مصالحهم وترمى على عواهنها يخفون بها عورتاهم، معللين بها هفواتهم أو مدافعين على ريعهم أو امتيازاتهم، انتهت أكاذيبهم فصار اتهامهم الوحيد هو وصف معارضيهم بالشعبوية.
رغم أنهم هم من تسلقوا الشعبوية وأخذوا بجهل طبقة شعبية والطبقات الدنيا مطية من خلال استغلالها، من خلال جميع الوسائل الممكنة من جهل أو دين أو انتماء عرقي أو التهميش وفقر.
هذا الخطاب السياسي المفلس والانتهازي حد الصدمة من أناس يتحكمون بمصير الشعب، في أهم مراكز القرار السياسي يكشف خطورة ما ستعانيه الدولة من أشخاص لا يعرفون ولا يفهمون الكثير مما يقولونه حتى وخطورته على الشأن السياسي والذي دمر ثقة الناس في الكل وفي نفسهم وفي وطنهم، حيث فقد الشعب كل الثقة في كل النخب..
لكن من شبه المؤكد لهؤلاء أن يحلوا معضلات التنمية ولم يطوروا حتى خطابهم السياسي وكيف سيغيرون الواقع السياسي وسيكافحون لتغيير واقع طبقات ويمتطون لسانها ويستخدمونه فقط لمواجهة مطالبها! أو فقط من خلال مخاطبتها لتحقيق مآربهم السياسية والاقتصادية؟!
هذا الاستخفاف بالشعب ما فتئ يتضاعف حتى في استخدام المصطلحات التي تلخص كبرا فكريا ينطوي على الاحتقار والازدراء والاستخفاف بكل ما هو شعبي ويتضح في الجنوح الدائم لتكرار مصطلح الشعبوية الذي في طياته ازدراء لاشعوري نفسي للشعب الذي انتخبهم، فهو من كان يصدق خطاباتهم المغرقة في الخرافة والكذب.
هي الشعبوية حصان طروادة الأزلي التي تشيطن الخصوم وتجعلهم أعداء لله والوطن وتجعلهم هم في نظر العوام مخلصين ربانيين سيخلصونهم من كل مشاكلهم، بالكرام ات والبركة الإلهية!
لكن هذه الشعبوية التي أتت بهم للسلطة السياسية هي نفسها الشعبوية التي يدعون لمحاربتها الآن، فقط لأنهم أصبحوا نخبة وأصبح الشعب يهدد مصالحهم، لذلك فقه العالم السياسي ويل بريت معتبرا الشعبوية كمفهوم «المثال ل التقليدي لمفهوم موسَّع»، والذي ضاع كنهه كمفهوم بسبب فرط الاستخدام وإساءته»، ويضيف العالم السياسي بول تاغارت عن الشعبوية إنها «أحد المفاهيم السياسية الأكثر استخدامًا ولكن غير مفهومة جيدا في عصرنا. لكن لعل ما حصل من الرد الذي أثار الجدل دفاعا عن الريع البرلماني أو سياسي من شخص يستحوذ على الكثير من مناصب هو أكبر دليل على الأزمة السياسية، لأنه أصلا لو كان يعيش في دولة تحترم شعبها لما كان اصلا مسموحا له أن يجمع من المناصب ما لا تستوي ولا تتناسب في مهامها ووقتها مع طبيعة المرحلة وصعوبة التحديات الاقتصادية خصوصا في زمن كورونا.
لكن الغريب في هذا الخطاب عموما كم العصبية والاقتناع بالحق فيما لا يحق واستخدام لغة ظنها صاحبها أنها سهلة ولغة الأوباش والعامة، هي لهم وستفهم منهم على ظاهرها، لكنه نسى أو تنسى أن استخدام لهجتنا المغربية ليس عملا هينا وبسيطا للسياسي فلساننا خطير الذي لا يفهمه أشباه السياسيين، لا يدرك اغواره إلا العارف ولا يعرف حمولاته التاريخية والدلالية، إلا مثقف حقيقي وليس كاري حنكو.
فلغتنا ليست لهجة عادية فهي متصلة بلغات وثقافات كثيرة وهي ليست لهجة وليدة، بل لغة مركبة من لغات عدت تعبر عن عمق وغنى حضاري يجب أن يفهمه كل متحدث خصوصا في مجال السياسي حيث الكلمة هي الفارق، فهي من تحل لتهدئة الشعوب في الحرب والطوارئ وتحل الأزمات وتصلح العلاقات السياسية الداخلية أو الخارجية.
هي أزمتنا لأننا لا نملك سياسيين يملكون خطابا سياسيا علميا أكاديميا يتوخى المصلحة العامة ويسعى لبناء الوطن. فسياسيونا يفتقرون للكلمة لأن أغلبهم لا كلمة لهم وتخلوا عن الكلمة، لذلك تعوزهم الكلمة فينطقونها ولا يفهمون أبعادها ويتهجمون بها ولا يحكمونها، بل تحكمهم وتتحكم بمصيرهم فيزلون بها وتنزل بهم لأسفل سافلين!
فوصف العمل السياسي البرلماني ومقارنته بباقي وظائف الدولة لهو ضياع للكلمة ورميها في غير معناها وجعلها بيليكي، رغم أجر البرلماني الكبير وامتيازاته وحصانته وإعفاءاته وغياب مراقبة فاعلة لعمله وغياب اغلب نوابه عن جلساته، بل والتفاعل فيها هو قمة الإفلاس السياسي والاخلاقي، خاصة أن من يهاجم اليوم كان هو الحزب الذي يقف ضد الامتيازات والريع وكانت هذه كلمته في كسب كلمة الشعب، لكنه نسي الكلمة فأنسته الكلمة حكمتها وضبطها وأكسبته غير حنق وكراهية الشعب فقط بسبب الكلمة!
الكلمة إذن أصبحت هي بيليغي ولو عرف قال الكلمة ما يقول، ما استخدمها، فهي كلمة كسيف، بل هي سهم غادر له عشرات الأسهم والكثير من المشتقات المكتوبة بالحروف العربية biliki عمرها آلاف السنين وتشعبت حتى وصلت لنا من كلمة بيليك أو البيليك العثمانية او التركية الحديثة التي استخدمت الحروف الجرمانية واللاتينية القديمة بعد زمن اتاتورك.
فالكلمة خطيرة تتضمن معاني كثيرة تسيب بدوخة لا سياسيا او لغويا فبيليك وصلتنا من أصل عثماني وتركي، biliki هذه الكلمة التي استخدمت لقرون من قبل العثمانيين في الجزائر لتصلنا في المعنى المتداول هو ما تعطيه الدولة من خدمات بالمجان أو ما يعطى بمجانية وهي المؤسسات العمومية المتاحة للجميع للاستغلال ولذلك سميت المناطق الإدارية بالبيلك في الجزائر... هذا المفهوم السياسي البيلكي كما ينطقها اهل الشمال المغرب، يأتي من الاحتكاك بالعثمانيين الذين ربطوا المجانية بالحرية في مجال ملكية الدولة أي المساحات الحرة التي يتوافق عليها الراعي والرعايا وتمنح حرية العيش والتملك الشخصي للفرد، لذلك عندما كان يقال دارالبايلكBeylek فهذا يعني الملك العام ومكفول للجميع استخدامه واستغلاله.
لكن هل كان المصطلح مستخدما في القرن 19 متأثرا بالعثمانيين فقط كالكثير من المصطلحات المغربية السياسية أو بالمصطلح الفرنسي في شموليته. فهل قصد المغاربة بالبيلك أي مؤسسة عامة أو مفهوم الدولة في إطار الاستغلال العام كالفرنسيين. فكلمة البيلك استخدمت في صفحة 262 من كتاب: "رحلة الصفار إلى فرنسا" لمحمد بن عبد الله الصفار الاندلسي التطواني وذلك في سنة 1846- 1845 عندما وصف فرنسا: "... ومن قوانينهم أن وزراءهم وسائر حكوماتهم يعطونهم دارا يسكنون فيها، وهي دار للبيلك بجميع أثاثها، فيوم يتولى يدخلها برأسه، فإذا عزل خرج كما دخل. وعند رأس كل سنة يتفقدون ما فيها من الأثاث، فيبيعون منه ما بلي ورث، ويخلفونه بالجديد، لتبقى دائما بأثاثها محفوظا جديدا..."
إذن مفهوم البيليك ارتبط من ناحية الاصطلاح والدلالة في المغرب بشيء الرخيص عند العامة وعديم الأجر والقيمة كاللغة الألمانية تماما، فهذا نفسه المفهوم الألماني لتطور الكلمة والمصطلح،
نعم البيليغي هي التطور اللغوي المتناسق في معجم الجرماني القديم عموما الذي افرز الكثير من المصطلحات حتى وصلنا لبليغ أي (billig)
فكل شيء رخيص ولا قيمة كبيرة له يعتبر بليش أو بيلغ بالألمانية، وهو تهمة وسبة شنيعة في اللغة الألمانية وهذه المعاني تشمل اللغات الإسكندنافية ذات الأصل الجرماني كسويدية والنرويجية، التي احتوت هذه الكلمة ...وهذا يتفق مع امعنى المتداول عند المغاربة.
لكن إذا رجعنا لأصول اللغتين الألمانية والتركية نجدهم يرجعون للغة لأم وهي اللغة الهندواأوروبية التي تحتوي على المصطلح الأصل المشترك حتما .... bili) الأصلي المشترك منذ آلاف السنين وهو المصطلح تفرع ليعطي الكثير من المعاني والصفات).
من خلال هذا الشرح الضروري، يظهر الشرخ في الخطاب بأمثلته، فهل قصد السياسي عندنا أن العمل السياسي بلا ريع هو عمل باللغات الجرمانية وهل قصد بهل تريدون أن يكون العمل السياسي متاحا للجميع ومجانيا بدون احتكار billig رخيص أو بلا قيمة دون اخرى أي مجانيا للجميع؟
فهل كان قصده أن العمل سيصبح رخيصا وبلا قيمة عندما لا يضمن للإنسان تقاعدا لو اشتغل فقط ل بضعة سنوات في وظيفة كلها ارباح وامتيازات لخدمة المصلحة العامة، رغم ان الغالبية العظمى من برلمانيين يشغلون مناصب سامية ويحتلون أكثر من وظيفة، بل الكثير منهم اغنياء ونافذون؟
فهل العمل السياسي بدون حماية المصلحة الخاصة هو بيلك biliki أي متاح للجميع، رغم أن البرلماني يؤدي خدمات للدولة والشعب بشكل تطوعي ولعدة سنوات، وأجره الكبير وامتيازاته لسنوات في البرلمان مكلفة جدا؟
هنا أصبحت الكلمة مفلسة والخطاب مفلسا وكل عمل بدون ريع وامتيازات دائمة هو عديم القيمة عند عمدة العاصمة العلمية؟
لكن لماذا في نظر العمدة حاليا أن اي شخص ضد هذا الفكر الاستغلالي يعتبر الديبخشي أي الذئب السخي، كما كان ينطقها يهود فاس قديما لكل من يعرف بالبخل والمكر في السوق او التجارة عن طريق المكر والدهاء، أي ان الذئاب تعطي بسخاء فقط، لقضاء مصالحها والتهام الضحية. فمنهم إذن الذئاب السخية هنا، هل هم من يشتغل فقط بمصلحة أم ينتقد لمصلحة الوطن؟
المصطلح الملاحي اليهودي الفاسي، كان استخدم من بنكيران وأسماه سياسة الديبشخي في للانتخابات ونتائج انتخابات الجماعية لسنة 2005.
من خلال هذا الخطاب السياسي الفاشل وهفوات معانيه وسوء استخدامها في المعنى والجوهر، الذي يفتقر لفكر الخطابة وسحر أدب الكلام والبلاغة وعمق في التفكير. هذا الخطاب الذي عوض أن يربح التعاطف كما كان، قد أغضب وجلب لعنة الكل فقط لأنه خطاب يفتقر لرؤية شاملة لمعنى العمل السياسي واهدافه الحقيقية، لأن هدفه فقط المصالح الشخصية الضيقة وليس المصلحة العامة، لأنه خطاب كاذب ومنافق يقول الكلمة ويفعل عكسها ويقول الكلمة في غير محلها ويخون الكلمة فتخونه في المعنى فتتركه بلا كلمة تحفظ كلمته ومقامه في الكلام!
لأن الكلمة حق ولأن روح الكلمة نور ولأن المعنى في الكلمة هو الخطاب وهو المبدأ والقيمة والغاية للأسمى، لذلك فالكلمة تتخلى عن من يتخلى عنها، لأن كلمته هي فقط مصلحته، لأن كلمته أنا ومن بعدي الطوفان، وهكذا انتقمت الكلمة وكانت كلمة البيليغي هي سر الكلام والله يضع سره في أضعف كلمة!