الطويليع: الأزمي الإدريسي من التقوقع والتجرثم إلى العنف اللغوي والمعجم الحربي

الطويليع: الأزمي الإدريسي من التقوقع والتجرثم إلى العنف اللغوي والمعجم الحربي نور الدين الطويليع
اتكأ البرلماني إدريس الأزمي الإدريسي في خرجته البرلمانية التي هاجم فيها الناشطين الفيسبوكيين على سفسطة العصا أو التخويف، وبناها على عنف لغوي فج صاحبته لغة جسد تنطق بالإنفعال والتوتر والرغبة في محو الآخر بشكل يطرح أكثر من علامة استفهام حول الأسباب التي أدت بهذا البرلماني المعروف بالتقوقع على الذات والتجرثم إلى فقدان توازنه العصبي، واستعمال معجم حربي في مكان له رمزيته الخاصة، وَوُجِدَ ليكون حاضنة لأصوات تنطق باسم الشعب وآلامه، وليس منصة لإطلاق قذائف لغوية ضده بشكل عشوائي ومثير. 
 
ـ قراءة حجاجية في خرجة إدريس الأزمي الإدريسي البرلمانية 
نتوخى من خلال هذه الورقة بسط عناصر الخطاب العنيف في مداخلة البرلماني، ودورها في الكشف عن مفارقة تَحَوُّلِ من يحمل صفة ممثل الأمة إلى النقيض:
1 ـ الاستفهام الإنكاري: 
يتأسس الإنكار "على أن تُنكِر على المخاطب، وتَستهجن منه ما حدث، ليتنبَّه السامع حتى يَرجع إلى نفسه، فيَخجل ويَرتدع ويعي الجواب" ، يساعدنا هذا التعريف ويسعفنا في فهم المقصد الحجاجي لمُرسل الخطاب الذي تساءل بإنكار توبيخي وإبطالي قائلا: "واش دابا البرلماني غادي يخدم بيليكي؟، واش الحكومة غا تخدم بيليكي؟، واش العمال والولاة غادي يخدموا بيليكي؟، واش المدراء ورؤساء الأقسام والموظفين غادي يخدموا لله؟". 
أول ما يثيرنا في هذه التساؤلات التي يتغيى صاحبها توبيخ من يتوجه إليهم بالكلام، وإبطال دعواهم، أول ما يثيرنا هو الخلط بين المهنة والمَهَمَّة، فإذا كان العامل والوالي والمدير ورئيس القسم موظفين يقضون عشرات السنين في وظائفهم قبل أن يُحالوا على تقاعد يستحقونه، فإن البرلماني أو الوزير ليسا موظفين، وإنما يقومان بِمَهَمَّة رشحا نفسيهما لها، ويتقاضيان أجرا مقابل ذلك، ولا يوجد مبرر لاستفادتهما من المعاش لاعتبارات عدة لا مجال لتفصيلها الآن. 
هذا الخلط أوقع مرسل الخطاب في سفسطة "التهرب من عبء التدليل"، فعوض أن يعمد إلى إقناعنا، بالحجة والدليل، باستحقاق البرلماني للمعاش، سلك مسلك تحريف كلام الناشطين الفيسبوكيين، وجعل مطلبهم توقيف أجور الموظفين، في حين أن المطلب ينحصر في توقيف معاشات البرلمانيين، والهدف من هذا "التحريف" هو الهروب إلى الأمام، وممارسة "التعمية" عبر جر موضوع غير مطروح إلى النقاش من أجل تسفيه الآخر، وإظهاره بمظهر صاحب الرأي الواهن الضعيف، وهذه مراوغة تظهر وَهَنَ الخطاب الذي يتكئ عليه المرسِل وضعفه، وهكذا فإقحام موضوع غير مطروح في موضوع يشكل حديث الساعة، واللف والدوران من أجل توأمتهما لم يجن على صاحبه سوى تسليط مزيد من سهام النقد، ووصفه بالمغالِط الذي يروم قلب الحقائق، وإثبات شيء بما لا يمكن أن يُثبت به.
2 ـ النموذج والنموذج وعكس النموذج: 
بنى إدريس الأزمي الإدريسي خطابه المتشنج على ثنائية الصالح والطالح، وهذه الثنائية ما يا يصطلح عليه في الحجاج "النموذج" و"عكس النموذج"، يرى أوليفيي روبول (Olvier Reboul)  أن النموذج (modèle) هو"المثال الذي يظهر بمظهر يستوجب تقليده"، بما يصدر عنه من أفعال وتصرفات، تجعله أهلا للتشبه به، وتضعه في مصاف النخبة المتميزة والمتفردة الجديرة بأن تكون قدوة ومثلا أعلى، أما عكس النموذج (anti-modèle) فيمثل "النموذج المضاد غالبا، وفي الوقت نفسه خصما يجب محاربته، واحتمالا القضاء عليه"، عكس النموذج إذن هو المثال الذي قد "تُقْصَى جميع صفاته الإيجابية، وتُنْسَبُ إليه كل الصفات السلبية الممكنة" . 
إذا كان مرسل الخطاب كريما في حديثه عن النموذج الذي يتمثل في الأحزاب السياسية والبرلمان والمؤسسات التي ذكرها في عموميتها دون تفصيل، إذا كان كذلك مع الطرف الأول، فإنه حين تحدث عن "عكس النموذج" استعان بمعجم الحرب والعدوان، وسعى إلى هدمه مستعينا بإطلاق الصفات التي تتحدد قيمتها الحجاجية في أنها "تجلو وجهة نظرنا وموقفنا من الموضوع...، و(تحدد) نوع الموقف الذي ينبغي أن يحكم به عليه" ، ومن ضمن الصفات التي اجتهد في مراكمتها وإلصاقها بخصومه من النشطاء الفيسبوكيين: تضبيب المشهد الاجتماعي والاقتصادي والسياسي للبلاد ـ "الغميق" على الناس ـ نشر الترهات ـ الخوض في أعراض الناس ـ تلقي التمويلات، وهي صفات تضعهم خارج السياق الوطني، وتظهرهم بمظهر حاملي معاول هدم الوطن ومؤسساته، ومعاكسة إرادة النهوض به، وهي تهم ثقيلة لا يصدق العقل أنها موجَّهة صوب مواطنين يُدَوِّنُ كثير منهم من باب الغيرة والحرقة على الوطن، ويحلمون برؤية مغرب المساواة والحق والحرية، وينبهون إلى الانحرافات الحاصلة في مسار التدبير الحكومي للشأن العام، وهم ليسوا مرتزقة من دول أخرى حتى يوضعوا موضع التبخيس، وحتى يُشير إليهم باحتقار من خلال قوله "ما يسمى بالمؤثرين" الذي أنزل فيه العاقل منزلة غير العاقل عن طريق استعمال "ما" عوض "من" تحقيرا لهم وتقليلا من شأنهم، وكأنهم مخلوقات غير بشرية. 
هذا الخطأ في التوصيف سينجم عنه خطأ في الاستنتاج لا يقل فداحة عن الأول، فمرسل الخطاب لم يتورع في دعوة البرلمانيين بمختلف توجهاتهم، إلى النفير الجهادي ضدهم، يقول: "هاذ شي خاصنا نتصداو ليه....هاذ شي خاصنا نوضو ليه..."،
 هنا نتساءل باستغراب شديد: إذا كان المتحدث يرى أن البرلمانيين جميعهم، على اختلاف انتماءاتهم الحزبية، هم المستهدَف في حملات النشطاء الفيسبوكيين، فمن يجند هؤلاء؟، ومن يمولهم مقابل تدويناتهم؟، هل هناك جهة خارجية قد أفلحت في غزو تفكير المغاربة، وشحنتهم ضد سياسييهم وبرلمانييهم؟، وهل هؤلاء النشطاء الذين يعدون بالملايين قطعوا صلتهم بالوطن، وتحولوا إلى أعداء له، ولم يبق في صف الوطن إلا برلمانييه؟. 
تساؤلات كثيرة تولد من نسلها تساؤلات أخرى حول هذا التقسيم الغريب، وحول هذه النظرة اللاوطنية تجاه أبناء وطن لا ذنب لهم سوى أنهم خالفوا ما يريده إدريس الأزمي الإدريسي، وعبروا عن رأي مخالف، جعله ينسى خصومه بالبرلمان، ويوجه نداء استغاثة إليهم ليؤازروه في حربه "الشريفة" ضدهم، ليكون أهل هؤلاء "الخصوم" من "الموتورين"، وهنا أفتح قوسا لأشير إلى أن هذه الكلمة زلة لسان سقطت من فيه لتكشف عن نواياه، وعما يضمره من رغبة في المحو للتخلص من هذه الأصوات المزعجة، فالكلمة تنتمي إلى معجم القتل والتصفية الجسدية، نقول رجل موتور لمن قُتل له قريب، ولا قدرة له على أخذ ثأره.
نستنتج مما سبق أن مرسل الخطاب قد سقط في فخ العنف اللغوي، وكشف عن منطق إقصائي جعله يتناسى أنه في وقت من الأوقات مارس الشعبوية، وأنه لا يملك الحقيقة، ولا أحد من حقه أن يصادر رأي الآخر، وأن يريه ما يرى، وليس ضروريا أن يكون المواطن على استعداد للرحيل الفكري تبعا لما يريده الأزمي الإدريسي. 
بهذا التفكير سنسقط في الإطلاقية، وسنقع في ما حذر منه الكاتب اللبناني علي حرب: "مآل كل عقل أصولي ومنطق اصطفائي احتكار الحقيقة، والعمل على استئصال المختلف والمعارض رمزيا وسياسيا، أو جسديا وماديا، هذا ما تعطيه الهوية عندما تمارس كقوقعة، أو محكمة، أو نزعة نرجسية، أو محمية عنصرية، إنها تتحول إلى ذات وعصاب، أو إلى فخ ومأزق"؟.