عبد اللطيف برادة: أين هي زهرة الرياض؟

عبد اللطيف برادة: أين هي زهرة الرياض؟ عبد اللطيف برادة

صباح الخير يا نرجس

فمن مدينتي الصغيرة أسال عنك

ها أنت تطلين على من كوكبك الأزرق تراني ألملم جراحي؟

لي غدا معك مواعيد سنتبادل فيها الرؤى

فضلا هلا لا تتأخري عن موعدي

لي شيء في قلبي أود البوح لك به فرجاء لا تتأخري

إنني ما زالت أعيش بحلم العودة

أبحث عنك في أرجاء غرفتي المزهرة

أسأل عنك كتبي وقصائدي المبعثرة

وأسأل عنك جريدتي "أنفاس" وآخر قوافي تغزلت فيك بلا حشمة

أحن إليك فأبحث بين كل النساء عن فيروز عينيك

أحن إلى بيتٍ سقاني الحب وإلى أزهارك البيضاء

إلى ساعات ود قضيناها نتحدث في صمت عن الأشواق

أحن إلى كتبي التي لمستها وأنت تنفضين عنها الغبرة

إلى كلمات أهديتك إياها في كتابتي الفوضوية 

أحن إلى حنان لن أجده إلا فيك بعدما تفرقت العشرة

فليسق الرّحمن مثواك يا نرجس

من مدينتي الصغيرة أبلغ لك السلام يا نرجس

يا وردة لا تذبل

ومع كل إشراقة شمس أقول لك صباح الخير

مضى العمر يا زهرة العمر وأنا أنتظر عودتك

فإلى متى الانتظار

وجهك يطل على من فوق سحاب مسافر يبتسم لي ويغادر

ها قد أتى الربيع بزهوره يا زهرة النرجس يذكرني بك يا فاتنتي

الطير المغرد يقفز على جنبات نافذتي

يحمل لي نفحات عشرة تركناها وراءنا من دون رجعة

ينقر الزجاج برفقٍ فيحكي لي مدامعه وشكواه

مطأطأ برأسه في كل اتجاه يسألني عنك أيا عشقي الأبدي

أين هي يا ترى الان زهرة الرياض؟

مضى العمر يا نرجس وليالي رياض ما زالت في ذاكرتي تؤرقني

مآذن رياض تقضني تسكن أضلعي

شوارعها  الباسطة شوارعها  تضيء قلبي

أنوار لياليها زرعت بداخلي سلام

أتذكرين المتاجر الحبلى بالهدايا

وكأنها تبتسم وهي تقدم لكي ما تشتهيه من عطور

نعم كنت أقدم لك كل الدنيا هدية وكنت أنت الأغلى

عفوا لن أذكرك بهذه الأشياء حتى لا أتجمل

هي أيام ما زال عبق بأريجها يحوم في جوارحي

وكأنّ أضواء الأسواق البهيجة ببضاعتها النفيسة تلاحقنني فتذكرني بما كدت أنسى

أين أيام عشتها في رياض الوئام

أينها يا نرجس؟

وأين عبير قهوتك حين كنت أرتشفها من يديك بنهم؟

كنت تدعونني وبيدك فنجان بنكهة القرنفل والعنبر

فتسقيني وتطعمني حلوى وتمر وتغمرني بمحبة عمر لن يتكرر

مضت أيام يا عزيزتي من غير أن تبتسمين لي

مند رحلت فقدت طعم الحياة وكل شيء يبدو لي الآن بلا لون ولا نغم

فكيف لي أن أتذوق قهوة من دون عبير ينساب من أصابع ناعمة

قدح قهوتي لا يروق لي أن أمسكه الآن في غيابك

أقلبه على وجهه تم أقرأ في شخبطات جوانبه مرارة مصير يشقى علي عيشه من دون ابتسامتك

آه كل شيء لم يعد كما كان يا نرجس

كل شيء تغير فحتى طعم القهوة تعكر

فأين رحاب المنزل هناك في رياض وأين نعماه؟

وأين صدى كلامك وأنت تضحكين لي في زواياه

أين سعادتي فيه؟

هنا توجد تعاستي يا نرجس

وقدري هو أن أحب وطني مهما كان طعم الحياة

هنا غدر بي الظهر وتنكر لي الزمن حتى قيل عني أني لا أتقن الكلام

هنا لا أستحق العيش حيث عشش سراب غربان يدعون أنهم الصقور

هنا عذاباتي تلاحقني 

هنا استدار لي الفرح ظهره وكشر لي القدر أنيابه

فكل أضحى يتنكر لي الآن

لم يعد لي رفيق ولا حتى ظل يتعقب خطاي

حتى الملل أضحى يضجر مني عندما أحكي فأتكلم

إذا توسدت الجدار بظهري يشتكي مني ويتبرم  

في دروب مدينتي الصغيرة أجرجر خطاي فتآكل من قلبي الأحزان

يا شعراً سطرته على خدود ضاحكة وجفونا تبثث بها أحجار من الماس

كن لي معينا يا ملهمتي حتى أذكر ها هنا بما في حبيبتي من حسن وجمال

لقد كنت يا نرجس أجمل أنثى تغزلت فيها وكأنها كل النساء...

ذبت فيك يا معشوقتي حتى صلبت في محبتك حيا

فليسق الرّحمن مثواك يا نرجس

كل ليلة تأتيني في غفلة مني

تميل على كتفي تسألينني عن ابننا حمزة

توصيني به وتهمس لي

يا عزيزي ذلك الطّفل أغلى شيء في دنيا الحب

بالله أوصيك به دلله وكما كنت أفعل فأفعل

فأرد عليك مندهشا وعلى لساني رجفة

فلما تسأليني وأنت تعلمين أن فيه وفيك تختصر دنيتي 

لقد أحببت فيك كل شيء وابني حمزة صورة طبق الأصل لك

فهل تدرين أنك أنت بين النساء الأحلى

الآن فضلت أن تبحرين بعيدا عني

تبحرين بين السحب حيث كوكبك الأزرق

حملت معك حقائبك وكل آهات

لم تتركي من ورائك ولو نجما يضيء عتمتي

و تركت أحزاني تنمو بداخلي

ها هي تتكاثر كحقل خشخاش لا ينضب

وفي كوكبك الأزرق توجد أجمل الأشياء

أما هنا فأنا وحدي أجتر جراحي

أحزاني كالعصافير تفرد الآن جناحيها ترغب بدورها أن تهاجر

لقد سافرت كثيرا فعرفت نساء بقلوب من إسمنت

تعد القروش تتظاهر بالعشق فينبض قلبها حبا عقيما  

طفت العالم فلم أعثر على امرأة تقنع قلبي ولا من تروي عطشي مثلك

حاولت فلم أعثر في قوامهن على أي نعمة تؤنسني في أيام البرد القارس

ولا من تنير طريقي فتنسيني بضحكة بريئة ما بي من الم المهجر

هكذا تهت في دروب الحب وشعرت بالغدر

فهل من امرأة تستحق أن تخلد في قصيدتي غيرك

و لا بسمة ولا كلمة ولا عيون تستحق أن تذكر

أين اليد الحنون التي تضمد جراحي

أين الأصابع التي تحول دموعي العطشى إليّ نجوما تضيء ليال أحيكت من الضجر

أينها بوصلتي تهديني بعدما تهت في عالم لا يتقن فن العشق   

أينها اليد التي تنشلني من الغرق  من بحر ملأه الكدر

أنا القبطان الفخور الذي أبحر وحمل في قلبه ذكرى حورية تعشق أن تبحر إلى أبعد جزيرة

لا أدري كيف تغيرت يا نرجس

ولا كيف غدوت قاسية القلب فلا تسالين عني ولو مرة؟

لقد غيروا فيك كل شيء أقنعوك بأن لا شيء في يغري يستحق أن يذكر

قد أصبحت الآن مجرد طفل يحن إلى صدر يحضن قلبي

إلى امرأة تعيدني إلى عالم الأنثى....