ذاكرة الوطني سي محمد بوراس من "سفر في زمن المقاومة والنضال" (1)

ذاكرة الوطني سي محمد بوراس من "سفر في زمن المقاومة والنضال" (1) مصطفى المتوكل(يمينا) وسي محمد بوراس الفيجيجي (يسارا)

في هذه الحلقات من سيرة رجل وطني ومقاوم ضد الاستعمار، يقدم الأستاذ مصطفى المتوكل لقراء جريدة "أنفاس بريس" محطات مشرقة من حياة الاتحادي الوطني الكبير سي محمد بوراس الفيجيجي ، الذي كان يحمل الوطن في قلبه منذ أن وشمت ذاكرته بحدث استشهاد جده وإصابة والده والدته في مواجهة المستعر الفرنسي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. وقد انتقل إلى عفو الله ورحمته الوطني والمقاوم وأحد مؤسسي حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية الوطني الصادق سي محمد بوراس الفيجيجي بمدينة تارودانت يوم الأحد 23 غشت 2020، حيث ووري الثرى بالمقبرة الكبرى بباب الخميس قرب رفيقه في الوطنية والنضال عمر المتوكل الساحلي . في علاقة بهذا المصاب الجلل تنشر "أنفاس بريس" خلاصة تركيبية لحياة الفقيد انطلاقا من  مذكرات الفقيه الفيكيكي التي تحمل عنوان : "سفر في زمن المقاومة والنضال والمنشورة سنة 2015 "

محمد بوراس الفيجيجي رجل خلق ليكون مناضلا 

 محمد بوراس بن محمد العربي بن محمد البشير من قبيلة زناكة بمنطقة فكيك (فجيج) المعروف بالفيكيكي، قدمت أسرته تضحيات حيث استشهد جده من جهة الوالدة وأصيب والده ووالدته في مواجهة الاستعمار الفرنسي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين.

الفقيد سي محمد بوراس من مواليد أوائل العشرينات وأوراقه الرسمية تحمل سنة 1927 . تلقى تعليمه الأول بمسجد القبيلة حيث ختم القرآن مرتين ودرس الفقه والنحو والمنطق الصوري. التحق بالقرويين سنة 1944 وكان مستواه  المعرفي والتعليمي متقدما على أقرانه وعلى ما يدرس ورغم كل محاولاته ليجتاز امتحانا يخوله المستوى الذي يستحق أن يدرس به اضطر سنة 1946، للتوجه إلى عبد العزيز بن إدريس الذي نصحه بالذهاب إلى مؤسسة بن يوسف بمراكش حيث شكلت لجنة من عالمين ليختبراه ليقررا بأن يلتحق بالثانوي.

بمراكش تعرف على الفقيه البصري، وبوشعيب الدكالي ،الحريري، وبوشعيب البيضاوي وآخرين ..  و كان من مؤطريهم في الوطنية والسياسة كل من عبد الله إبراهيم والمهدي بنبركة وأبوبكر القادري.

 تأسست جمعية للطالب باقتراح من عبد الله إبراهيم وأجريت انتخابات تمثيلية على مستوى كل قسم وانتخب هو وثلة من الشباب منهم بوشعيب الدكالي ،ومحمد بلحاج، ومحمد البصري ، وعبد الرحمن بلفضيل ، وبوشعيب البيضاوي.. وأصدروا مجلة أسموها الشرارة .و أصبح للجمعية صدى ووزن تجاوز مراكش ليؤثر في طلبة فاس ومكناس حيث تم الاتفاق مع عبد الله إبراهيم ليتجه للرباط كل من بوراس والبصري عند سي بوبكر القادري للتنسيق معه للسفر إلى فاس ومكناس فعقدت  لقاءات مصغرة  كشفا فيها غايتهما وموضوع تأسيس الجمعية بفاس ومكناس .

أثناء زيارة محمد الخامس لمراكش 1950 قام مع بعض الطلبة بالتشهير ببعض الخونة بكتابة أسمائهم على الجدران وكان من القلائل الذين قاموا بالإتصال مع بعض العلماء لجمع عرائض مؤيدة لمحمد الخامس الذي كانت تجمع عرائض ضده بإيعاز من المقيم العام وإشراف القياد الخونة ومنهم الباشا الكلاوي، وفي سنة 1951 كان من المشاركين الرئيسيين لتنظيم إضراب للطلبة احتجاجا وتضامنا مع طلبة القرويين بسبب توقيف أستاذين بها، بتوجيه من الإقامة العامة للسلطات الاستعمارية، ونجح الإضراب الأول ثم نظم إضراب ثان لا محدود  للتضامن حول نفس الموضوع ..ليستدعى الفقيه بوراس من طرف الباشا بمراكش حيث اقتيد مكبل اليدين ب "الحجيلة " حبل صغير ليعتقل ويتعرض للضرب بعصبة الثور 200 مرة تناوب عليها أربعة مخازنية، كما اعتقل العديد من رفاقه وتعرضوا للتعذيب مثله ، الى أن افرج عنهم بتدخل من السلطان محمد الخامس  لينتهز فرصة إطلاق سراحه ويتجهه إلى البيضاء للتواصل مع وطنيين منهم مبارك منار ..

 كلفه حزب الإستقلال بتنفيذ برنامج محاربة الأمية بمراكش، ليتعرض للاعتقال والتهديد بسبب ذلك حيث منعوا من تنظيم دروس محاربة الأمية بمدرسة الفضيلة.

ولقد كان من ضمن الوفد الذي زار السلطان بالرباط لتقديم تهاني عيد الفطر سنة 1951 كما التقوا بعد ذلك بولي العهد الحسن الثاني ..

وكانت أعمالهم وأنشطتهم متنوعة امتدت إلى العمل المسرحي حيث توفق في الحصول على رخصة لعرض مسرحية بسينما مرحبا بأكادير .. لكن  بسبب حملة اعتقالات استباقية لمقدم وفد من الأمم المتحدة مخافة تنظيم وقفات احتجاجية ضد الاستعمار وكان من المعتقلين أعضاء فرقة التمثيل، فتعرض للإبعاد من مراكش  بعضهم، حيث بادر الوطني بوراس إلى استدعاء طلبة آخرين إلى اكادير ليتدربوا على المسرحية وليتمكنوا من استيعاب أدوارهم في زمن قياسي ليتم عرضها.

 في إطار إعادة ترتيب الأوضاع  تم إجراء الاتصالات للقاء الملك محمد الخامس حيث رافق بوراس ثلاثة طلبة،  فطلبوا منه التدخل لأن بيوتهم مشمعة وطلب منهم التوقيع عدليا على الالتزام بعدم التدخل في أمور السياسة وعدم الاتصال بالحزب واخبروه بأنهم  لا يرضون بذلك ووعدهم خيرا، وبقي الوضع على حاله لمدة شهر وزيادة لعدم قبولهم بالعودة و الإتجاه عند الباشا بمراكش لترتيب طي ملفهم، ليخبروا لاحقا  بأن الملك قال بأن المشكل حل وعليهم الرجوع لمراكش وتبين أنه تدخل فقط حتى لا يتم اعتقالهم، وعادوا  ليجدوا بيوتهم لازالت مشمعة ليبحثوا لهم عن مساكن بديلة، وقد تعرضوا للإعتقال بأمر من ابن الباشا الكلاوي الذي كان ينوب عن والده في سفره  بسبب الشك في أنهم وراء كتابة أسماء الخونة بجدران مراكش وتم جلده 50 جلدة ، وليمنع بعض زعماء الطلبة من الاقتراب من كلية بن يوسف، ويؤمر بوراس بمغادرة المنطقة ورفضت الإدارة تسليمه شهادة الانتقال التي توضح مستوى دراسته ليرحل إلى الدار البيضاء .. وبعد هدوء العاصفة أرسلت له  الشهادة ليسجل نفسه  بالقرويين بفاس ..

وبلغ إلى علمهم عن طريق الإعلام العملية التي وقعت بمراكش المنظمة من المقاومة بمراكش ضد الباشا الكلاوي عميل الاستعمار، وبعد حملة الاعتقالات التي طالت قياديين من المقاومة منهم حمان الفطواكي وعمر الساحلي ومحمد السوسي وآخرين، وبعد انكشاف خلايا المقاومة والإبعاد الاحتياطي لبعض المقاومين والقياديين إلى مناطق أخرى منها الشمال  شكلت قيادة شبابية جديدة من أربعة أفراد  لتدبير المرحلة مكونة من بوراس، وبوشعيب الدكالي، والمنوزي سعيد، ..وعملوا على إحداث خلية بفاس بعناصر من الشرق والبيضاء ..

وكان الفقيد صلة وصل قوية بين الزرقطوني والفقيه البصري والمقاومة بالبيضاء ومناطق أخرى من المغرب منها فاس، ومكناس، و وجدة، و الناظور وفكيك ، حيث سيتعرض للاعتقال في شهر مارس 1955 .

يتبع...