يونس نعومي: العقود الرياضية وكورونا

يونس نعومي: العقود الرياضية وكورونا يونس نعومي
تعاني كل دول العالم اليوم من فيروس كورونا المستجد أو 19 COVID الذي ظهر أول مرة في ولاية ووهان الصينية نهاية السنة الماضية، والذي تم تكييفه بتاريخ 11 مارس 2020 كجائحة عالمية من طرف منظمة الصحة العالمية، حيث أثر على كل مناحي الاقتصاد العالمي ومجالات الحياة العصرية  بما في ذلك الالتزامات التعاقدية الشخصية والدولية، وتعد هذه الجائحة تجليا واقعيا لحالة القوة القاهرة التي تؤثر على مختلف المراكز القانونية والاقتصادية للأشخاص والمؤسسات والدول.
 
فقد أجمع فقهاء القانون أن العقد آلية للتداول الاقتصادي بين الأشخاص الذاتيين والمعنويين، وهو بذلك بين جدليتي الثابت والمتغير، فالثابت هو سلطان الإرادة والمتغير هو ما يرد على هذا المبدأ من قيود قانونية -عيوب الرضى- أو واقعية، ولعل القوة القاهرة من أبزر تجليات القيود التي تقع على محل العقد واستمراريته وبالتالي أثره.
 
فالرياضة عموما وكرة القدم على وجه الخصوص من الميادين التي أصيبت بالشلل التام منذ شهر مارس نتيجة هذه الجائحة، حيث توقفت دوريات العالم بأكمله نتيجة الحجر الصحي المفروض في كل الدول تقريبا، مما يعني ضياع ملايير الدولارات من عائدات الإشهار ومختلف الحقوق التجارية ذات الصلة.
 
هذا التوقف غير المتوقع للنشاط الكروي بالعالم دفع بالاتحاد الدولي لكرة القدم الفيفا إلى التدخل من أجل تذليل  بعض الصعاب التي ستواجه أسرة كرة القدم، خاصة فيما يتعلق باستمرارية العلاقة التعاقدية بين الأندية واللاعبين.
 
حيث أقدم الاتحاد الدولي من خلال الدورية 1709 الموجهة إلى كل الاتحادات الوطنية والقارية على توجيه الفاعلين الرياضيين إلى التقيد بإطار عام ومبادئ في كل ما يتعلق بتنفيذ العقود الرياضية.
 
حيث أطر الاتحاد الدولي مواجهته للفيروس المستجد بنص المادة 27 من نظامه الأساسي للقول بتحقق القوة القاهرة لكل الأنشطة الكروية في زمن كورونا، ثم ترك القرار الأخير باستئناف الدوريات المحلية من عدمه إلى الاتحادات الوطنية أي الجامعات حسب الحالة الوبائية لكل بلد.
 
المكتب التنفيذي للفيفا من خلال نفس الدورية حاول أن يقدم تصورا وصفته الدورية بـ:"التوجيهات التفسيرية الغير ملزمة" خاصة فيما يتعلق بالعقود التي ستنتهي بنهاية هذا الموسم والعقود التي كان مقررا بدايتها الموسم المقبل، ثم تنفيذ الالتزامات التعاقدية المالية، كما تطرقت الدورية لفترة الانتقالات  الخاصة بالموسم المقبل أي الصيفية ثم الخريفية بعدها.
 
فإذا كانت المواسم الرياضية تسطر حسب كل اتحاد وطني باحتساب سنة مدنية كاملة، فإن المادة 18 من النظام الأساسي للفيفا يلزم أطراف العقود في مجال كرة القدم بأن تبرم إلى نهاية الموسم على الأقل و حتى خمس مواسم رياضية كحد أقصى، وإلى ذلك فإن المكتب التنفيذي يقترح تمديد هذه العقود في حالة استئناف الدوري المحلي إلى ما بعد نهائيته المحددة سابقا -هي إمكانية تتضمنها كل العقود المبرمة بين أندية كرة القدم المغربية واللاعبين والمدربين حتى قبل تضمينها في مواد العقد الرياضي النموذجي  بداية من 2017- مع إعطاء الأسبقية للأندية التي تتوفر على عقود مع لاعبيها خلال هذا الموسم على الأندية التي كان من المتوقع التحاق أي لاعب بها بداية من الموسم القادم.
 
إلا أن الإشكال الأساسي والفاصل يطرح بمناسبة تنفيذ الالتزامات المالية التعاقدية بين اللاعبين والأندية، والتي تعد جوهر العلاقة التي اختلت موازينها بإدخال حالة القوة القاهرة.
 
فعلاقة القوة القاهرة بكرة القدم الوطنية ترجع للدعوى التي أقامتها الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم في مواجهة الاتحاد الإفريقي لكرة القدم -الكاف- على إثر "انسحابها" من تنظيم كأس الأمم الأفريقية التي كانت مقررة بالمملكة المغربية في الفترة بين 17 و08 فبراير 2015.
 
حيث ارتكزت دفوعاتها الجامعة على اعتبار وباء "أيبولا" الذي انتشر في غرب أفريقيا خلال سنة 2014 حالة من حالات القوة القاهرة التي تعفي المملكة المغربية من تنظيم هذه التظاهرة الرياضية دون جزاءات، وهو ما تصدت له محكمة التحكيم الرياضي واعتبرت أن وباء "ايبولا" لا يعتبر حالة من حالات القوة القاهرة، وبالتالي أيدت العقوبات التي فرضها الكاف على المغرب بعد أن عدلتها فيما يتعلق بمبلغ الغرامة وتعويض 8.050.000,00 دولار القرار TAS2015/A/3920.
 
وبالرجوع إلى التشريع المغربي، نجد أن حالة القوة القاهرة مؤطرة بالفصلين 268 و269 من قانون الالتزامات والعقود الذي عرّف القوة القاهرة بـ"... هي كل أمر لا يستطيع الإنسان أن يتوقعه كالظواهر الطبيعية والفيضانات والجفاف؛ والعواصف والحرائق والجراد وغارات العدو وفعل السلطة، ويكون من شأنه أن يجعل تنفيذ الالتزام مستحيلا..."
 
القانون 30.09 المتعلق بالتربية البدنية والرياضة باعتباره القانون المرجعي للرياضة بالمغرب والقرارات الوزارية المرتبطة به عالج القوة القاهرة في موضِعين.
 
فمن خلال المادة 14 من القانون 30.09 تعد كل العقود الرياضية التي تبرم بين الجمعيات أو الشركات الرياضية واللاعبين أو الأطر الرياضية عقود شغل، أي يخضع في تنفيذها لأحكام القانون 65.99 المتعلق بمدونة الشغل -تنص مادتها 33 على أن القوة القاهرة من أسباب انقضاء العلاقة الشُغلية الغير الموجبة للتعويض- وهو ما ذهبت إليه الغرفة الاجتماعية بمحكمة الاستئناف بوجدة بتاريخ 25/11/ 2013 في قرارها عدد 597 في ملف اجتماعي نزاعات عدد 504/1501/2012، والذي جاء في حيثياته: (أنه  بما أن العقد الذي يربط المدعي- مدرب كرة القدم- والمدعى عليه- النادي- عقد شغل، فإن القضاء العادي باعتباره محكمة الولاية العامة يعود له الاختصاص للبث في النزاع الناشئ عن عقد تدريب ناد لكرة القدم).
 
ثم جاء قرار وزير الشباب والرياضة رقم 1283.16 الصادر في 27 أبريل 2016 بسن العقود الرياضية النموذجية والمنشور بالجريدة الرسمية عدد 6552  ليوم 16 مارس 2017 بالرغم من الإشكال القانوني الذي يطرحه هذا العقد من حيث الرضائية -كعقد شغل- وإلزامية التقيد به، ليضع في مادته 11 المُعنونة "فسخ العقد" القوة القاهرة كأحد أسباب فسخ العقد الرياضي.
 
وبالرجوع إلى القوانين والأنظمة المؤطرة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، نجد أنها تتطرق للقوة القاهرة في أكثر من موضع، فالمادة 68 من قانون العقوبات تتيح إعادة اللقاءات جزئيا أو كليا في حالة القوة القاهرة، ثم المادة 109 من نفس القانون التي تتعلق بالاعتذار في إحالة على واقعة مباراة الدورة التاسعة من "البطولة المغربية الاحترافية"  بين نادي الدفاع الحسني الجديدي ونادي الرجاء البيضاوي .
 
كما نجد أن النظام الأساسي للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، أوكل للمكتب الجامعي كجهاز تنفيذي للجامعة اثنتان وعشرون صلاحية بمقتضى المادة 28 منه ليضيف إليها صلاحية بالبث في الأمور المستعجلة والحالات غير الواردة في القانون ثم حالة القوة القاهرة، وذلك بناء على مبادئ القانون والعدالة مع الأخذ بعين الاعتبار القوانين والأنظمة المطبقة من طرف "الفيفا" و"الكاف" كما هو مبين في المادة 79 من نفس النظام.
 
و يعد ملف المدرب امحمد فاخر ونادي حسنية أكادير المعروض حاليا على أنظار الغرفة الوطنية لفض النزاعات التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، الأول من نوعه في كون أحد طرفيه (النادي) كان قد علل قرار "الانفصال" بالقوة القاهرة متمثلة في غضب الجماهير والعنف المحتمل جراء تجمهر أعداد غفيرة بالشارع العام لفترة غير بسيطة.
 
حيث أن العمل القضائي للغرفة الوطنية لفض النزاعات التابعة للجامعة الملكية المغربية لكرة القدم لم يسبق أن علل أحد مقرراته بحالة القوة القاهرة، ففي الملف عدد 452/2017 بين المدعي (اللاعب) والمدعى عليه (النادي) رفضت الغرفة اعتبار "عدم تقيد المدعي بأجل 48 ساعة النصوص عليه في المادة 271 من مدونة الشغل لخضوعه لعملية جراحية مستعجلة حالة للقوة القاهرة"، وقضت بتاريخ 8 مارس 2019 بخطأ اللاعب في إنهاء العلاقة التعاقدية وبالتالي عدم استحقاقه للتعويض فيما تبقى من العقد.
 
فإذا كان تحقق القوة القاهرة يعد من إشكاليات العمل القضائي عادة، فإن المكتب التنفيذي للفيفا أعفى أسرة كرة القدم العالمية من هذا العناء بحسمه في الموضوع، كما تم بيانه سابقا بناء على رأي منظمة الصحة العالمية، مما يجعل الاتحادات و الجامعات الوطنية في أريحية كبيرة في اتخاد أي قرار بناء على حالة القوة القاهرة بما في ذلك انهاء الموسم الرياضي، وما يتعلق بها من تبعات.
 
وفي ظل استحالة عقد اتفاقيات جماعية خاصة فيما يتعلق بتأجيل أو تقليص الأجور لغياب البنية الحاضنة لها كنقابة اللاعبين المحترفين، فإن "اللجان القضائية" التابعة للجامعة الملكية المغربية ومعها غرفة التحكيم الرياضي المحدثة بموجب مرسوم رقم 2.10.826 بتطبيق القانون رقم 30.09، من خلال ما سيعرض عليها  لامحالة من ملفات بُعيد رفع حالة الطوارئ الصحية، مدعوة إلى احترام مبادئ العدالة والإنصاف والتوازن وهي تبُثّ في "قضايا كورونا" خاصة وأن المكتب التنفيذي عبر صراحة عن ذلك تحت طائلة "عدم الاعتراف" بأي قرارات انفرادية لم تستوفي المسطرة الودية، ولم تراعي الوضعية المالية للأندية وكثلة الأجور وشمولية القرارات لكافة المتعاقدين من عدمه.
 
- ذ. يونس نعومي، محامي متمرن بهيئة المحامين بالدار البيضاء، باحث في القانون الرياضي