أن نسميه بـ "جلسة- مؤامرة" شارك فيها سماسرة الموت والإبادة وسفك دماء الأبرياء - ممن يسمون أنفسهم بزعماء شعوبهم - يترأسهم متنمر وإلى جانبه سفاح ؟ متنمر وسفاح لكل منهما سجل من المتابعات والخيانات داخل بلده.
كانت مادة الصفقة المبرمة هي أرض ووطن لشعب امتد تاريخ وجوده عليها لمئات السنين وكان موضوعها قضية أمة لها جذور في تاريخ تلك الأرض وابتدأت فصولها منذ سنة 1948 تنفيذا لوعد "بلفور" المشؤوم الذي قدمه للصهاينة سنة 1919 بمنحهم أرضا يؤسسون عليها دولة يهودية وهو حينذاك رئيسا لوزراء المملكة البريطانية التي كانت قوة استعمارية محتلة للأراضي الفلسطينية .
هناك من وصفها بأنها صفعة القرن وأنا لا أتفق على هذا الوصف لأن الصفعة لا تكن كذلك إلا إذا وصلت إلى غايتها . وما وقع كان العكس من ذلك وكانت بمثابة النقمة التي في طيها نعمة، لكونها بدل أن تعمل على تقوية الفرقة واحتدام النزاع بين جبهات التحرير فقد أدت على العكس من ذلك إلى تمكين كل الفصائل الفلسطينية من توحيد المواقف والثبات والتشبت بالأرض ونبذ الفرقة ، وهذا شيء مهم في حد ذاته ، كما قال علال الفاسي في أحد أشعاره:
واثبــت بأرضك لا تفـارقــها فـمـا يقـضي علينا غـير تلك الفرقــــة
وما يؤسف له هو ما نراه من المواقف المتذبذبة والمتخاذلة لبعض القادة العرب والمسلمين مع علمهم بأن كل مقترح لا يعترف بدولة فلسطين كاملة السيادة بعاصمتها القدس لا يمكن أن يكون أصلا موضوعا للمداولة و النقاش قبل البت في الإقرار برفضه.
إن هذا التخاذل وهذه التفرقة هو ما يمثل ويشكل عنصر ضعف قدراتنا على التصدي لمؤامرات العدو وما يعكسه ذلك سلبيا على معنويات المجاهدين الفلسطينيين الصامدين والقابضين على الجمر. ففي الوقت الذي ينبغي فيه أن ننبذ خلافاتنا ونتجاوز مشاكلنا الداخلية من أجل توحيد مواقفنا وتوجيه جهودنا المشتركة نحو هدف واحد وهو فلسطين والقضية الفلسطينية كقضية العرب والمسلمين الأولى، ترانا لا نزيد هوة الخلافات إلا اتساعا ولا نزيد تربصات أعداء القضية إلا تمكنا وتوسعا . وذلك كما قال مصطفى الجزار:
فأتى العدو مسلحا بشقاقهم ونفاقهم، وأقام فيهم منبره
فلا ينبغي أن نكتفي ببعض المسيرات الشعبية للتنديد بما يجري ومساندة كفاح الشعب الفلسطيني، لكن ما نريده هو المواقف الصامدة للدول وللحكام من أجل القضية الفلسطينية - التي هي قضية العرب والمسلمين الأولى - ومن أجل حق الشعب الفلسطيني في استرداد وطنه المغتصب وفي العيش كشعب يتمتع بحريته وكرامته كباقي شعوب العالم. فهو الشعب الوحيد في العالم في القرن الواحد والعشرين الذي لازالت أرضه مستعمرة وحريته مهضومة وحقوقه منتهكة. إن أمل كل عربي ومسلم حر هو أن يرى الأمة كلها وهي تقف كرجل واحد في قضية مصيرية كقضية فلسطين.
وبخصوص وصف الصفقة التي أُعلن عنها بأنها صفقة القرن، فإنه وصف أو تسمية لم توضع عبثا أو بشكل تلقائي. إنها تسمية تتضمن في معناها شكلا من أشكال الإبتزاز والتهديد الذي لا يمكن قبوله . هذا مع العلم بأن القرن في بدايته ولازالت أمامنا ثمانون سنة وبالتالي يمكن أن تكون هناك عشرات الصفقات . إن المقصود بالتسمية في نظري هو أنه لم يعد أمامنا أية فرصة أخرى وأن هذا هو الحل الوحيد الذي يمكن الأخذ به أو تركه. وإذا لم يؤخذ به فستكون النهاية. إنه الصورة المعكوسة للنازية . فهل يمكن لأكثر من مليار مسلم أن يقبل بهذا ؟ إنه الإنتحار بذاته. ينبغي أن تكون هذه الصفقة هي الهزيمة النكراء التي تخلص العالم من " ترامب" ومن جرائمه.
إن هذا يذكرني بما قاله علال الفاسي وهو يتكلم عن " بلفور" وينطبق تماما على " ترامب" حيث قال :
"هل كان يملك أرضنا (ترامب) حتى يستبيح مقايضات الصفقة ؟ "
ومن جهة أخرى، فإذا تمعنا في هذه الصفقة نرى أنها مرفوضة حتى من الناحية القانونية. وهنا نكتفي بما جاء به شاهد من أهلها وهو الرئيس "جيمي كارتر" الذي اعتبر أن خطة "ترامب " للسلام تنتهك القانون الدولي وحض الأمم المتحدة على منع إسرائيل من ضم أرض فلسطينية.
قال " كارتر" في بيان له حول الصفقة : " إنها تنتهك القانون الدولي المتعلق بتقرير المصير وحيازة أراضي بالقوة وضم مناطق محتلة ."
وقال أيضا : " الخطة الأمريكية الجديدة تقوض فرص سلام عادل بين إسرائيل والفلسطينيين . ففي حال تطبيقها ستقضي الخطة على الحل الوحيد .. حل الدولتين" .
وأضاف : " بتسمية إسرائيل بالدولة القومية للشعب اليهودي فإن الخطة تشجع أيضا على إنكار الحقوق المتساوية للفلسطينيين في إسرائيل ".
الحل الوحيد إذن هو وحدة المسلمين ومحاربة هذا الشكل الجديد من الاستعمار وهو في بدايته. والنصر كل النصر لأبطال فلسطين .
ولا يمكن أن ننسى المثل المغربي الذي يقول : " الحمية كتغلب السبع ". لا هوادة في الدفاع عن فلسطين.