عزيز لعويسي: حديث "رأس السنة"

عزيز لعويسي: حديث "رأس السنة" عزيز لعويسي

ونحن نعيش آخر أنفاس سنة 2019، كل أنظار العالم، تترقب حلول السنة الجديدة، بباقات أحلام وحزمة أماني، في أن يكون "الضيف المرتقب"، "فأل" خير وصحة وأمن وسلام، بين أمم وشعوب الأرض في المشارق كما في المغارب، بعيدا عن عناد الساسة وغطرسة السياسة، التي قادت العالم عنوة، إلى حلبات النزاع والصدام والبؤس والألم المستدام، بشكل أجهز أو يكاد يجهز على "لحمة" الإنسانية التي تجمعنا ..

 

"رأس السنة".. قد يكون مجرد يوم رتيب بالنسبة للبعض، ينضاف إلى أرشيـف الرتابة وانسداد الأفق، وقد يكون "فسحة زمنية" قصيرة، أو "فلتة" من فلتات الزمن العابر، بالنسبة للبعص الثاني، للتعبير عن مشاعر الأمل وتقاسم الهدايا وتوزيع صكوك الأماني على الأحبة والأقارب والأصدقاء، وقد تكون مناسبة للبعض الثالث، لممارسة لعبة الزهو واللهو والعبث والانفلات، والظفر بموضع قدم بين "السكارى" في الحانات والملاهي الليلية، حتى يتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسـود، وقد لا يعني هذا "الرأس" شيئا، بالنسبة لمن اقترنت لوحات يومياته، بألوان "البؤس" و"الحرمان" و"الشقاء" في واقع قاس لا يرحم ..

 

وإذا كان "رأس السنة" يختزله الكثيرون في مشاهد الاحتفالات المتعددة المستويات، في ليلة ليست ككل الليالي، فإن هذا الموعد السنوي، يحل "ضيفا ثقيلا" على "الأجهزة الأمنية" بكل انتماءاتها، فيرفع من إيقاعات العمل ودرجات اليقظة، وينقل أحاسيس الأمنيين بكل درجاتهم إلى طنجرة "الضغط" والتوتر" و"الترقب"، بشكل يجعل منهم "شموعا" تحترق بدون كلل أو ملل، في سبيل المحافظة على النظام والأمن العامين، والحرص على سلامة الأشخاص والممتلكات، في ليلة "العيون" فيها "عيون".. "عيون" تسهر و"عيون" تزهو و"عيون" تتربص و"عيون" تلهو".. وبين "العيون" و"العيون"، هناك "عيون" تراقب وتحرس كل "العيون"...

 

وفي جميع الحالات، ومهما كان حجم الأماني والأمنيات، ومهما كانت درجة الأمل والتطلعات، فهذا "الرأس" (رأس السنة)، يفترض أن يكون فرصة سانحة لنقد الذات، بما يسمح بتصحيح المسارات وتجاوز الكبوات والإخفاقات، كما يفترض أن نقطع بشكل لا رجعة فيه، مع ما أضحى يسيطر علينا من ممارسات، مغذية للعناد والأنانية والخلاف والصدام، والتدافع والتهافت الجماعي لخدمة قضايا الوطن وتطلعات المواطنين، لنكون في مستوى ما ينتظرنا من رهانات مرتبطة بمرحلة "المسؤولية" و"الإقلاع الشامل" التي سيكون "النموذج التنموي المرتقب" مدخلها الأساس، وفي مستوى ما يواجهنا من تحديات آنية ومستقبلية، تفرض التعبئة الجماعية والالتفاف حول ثوابت الأمة ..

 

أما على المستوى العربي، فالمناسبة، تقتضي منا كعرب، لم الشمل وصون اللحمة، وترك ممارسات العناد والقلاقل والنعرات المحركة لدينامو التشرذم والتفرقة والشتات، مستحضرين ما يجمعنا من عروة وثقى لا انفصام لها، تشكل مرأة عاكسة لما يجمعنا من روابط الدين واللغة والتاريخ والجغرافيا والتقاليد والعادات والمصير المشترك، في مناخ إقليمي ودولي، يعيش على وقع التوتر والاضطراب، وفي عالم لا يقبل إلا بمنطق "الوحدة" وواقع "التكتل" و"الاندماج"، عسى أن نعود إلى الرشد ونرتقي بمستوى الخطاب والممارسة، من أجل فضاء عربي، تحيى فيه الآمال وتتحقق فيه التطلعات والانتظارات من المحيط إلى الخليج.. أما "العالم"، فالأمل كل الأمل، في أن تجتاحه حمائم "السلام" و"التعاون" و"العدالة" و"الإنصاف".. ونختم بالقول، كل عام و"الإنسانية" بألف خير...