عبد اللطيف برادة: ما معنى التنمية البشرية الحقيقية

عبد اللطيف برادة: ما معنى التنمية البشرية الحقيقية عبد اللطيف برادة
لا يمكننا – ونحن نحارب الإرهاب والتطرف ونواجهما – إلا أن نتذكر ونتدبر قول المولى سبحانه وتعالى في سورة العلق " اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ «حيث يؤكد الخالق على ضرورة التعلم من اجل تدبير امر الامة لكن التعليم الدي يعنيه سبحانه وتعالى لا يقتصر على علم الفقه وهو فرع من فروع العلم ليس الا لكن على من يرغب في تفقه دينه كي يصبح قادرا على استنباطه ومن ثم تعليمه ان يتشبع ويتبحر في شتى العلوم كرياضة ضرورية لتدبر معاني القران العاصية على كل من لا يمتلك الكفاية من العلم ومن ثم التبحر في عوالمه حتى يتسنى له ان يدرك بعد الرؤيا وعمق حكمه وانطلاقا من دلك تتبين لنا الأهمية القصوى لدور التعليم في مواجهة كل مشاكل المجتمع ضمنها الانحراف والبطالة و الإرهاب والتطرف وذلك بقصد تربية مواطن صالح قادر على بناء المجتمع المتقدم والحديث. وفي ضوْء مراجعتنا لهذه الأدبيات ورؤيتنا، نرى أنه لكي نُمكِّن العملية التعليمية من الاضطلاع بهذا الدور الرهيب يجب علينا أن نزودها أولًا بالرؤية الواضحة، المحتوى والمناهج السليمة، والمعلم المقتدر، وبيئة تعليمية فاعلة، ومنظومة تقويم شاملة، بالإضافة إلى إتاحة التعليم عالي الجودة للجميع.
إذ أن من أهداف التعليم «بناء الشخصية ... وتأصيل المنهج العلمي في التفكير، وتنمية المواهب وتشجيع الابتكار، وترسيخ القيم الحضارية والروحية، وإرساء مفاهيم المواطنة والتسامح وعدم التمييز"، وبناء على دلك يجب توفير موارد بشرية متنامية القدرة والكفاءة، وعلى أعلى درجة من الجودة والأخلاقيات المهنية"، وذلك تحقيقًا للرؤية الأعم والأشمل وهي "بناء مجتمع يقوم على التعلم واقتصاد المعرفة". وفي ضوء هذه الرؤية يجب وضع خطة من اجل التأكيد على الالتزام بحق كل طفل في فرصة متكافئة لتلقي خدمة تعليمية بمستوى من الجودة يتناسب مع المعايير العالمية"، والهدف الاهم يتمثل في " التنمية الشاملة للنشء مع غرس روح المواطنة والتسامح، ونبذ العنف، وتفهم أسس الحرية والعدالة من حقوق وواجبات وشعور بالمسؤولية تجاه الوطن والمواطنين". وهنا وفي ظل ما تفرضه علينا عملية مواجهة الإرهاب والتطرف يجب أن نسأل أنفسنا: هل فعلا اتسقت رؤية وزارة التربية والتعليم مع ما حدده الدستور من أهداف؟ ألا يجدر بنا ونحن في هذه المرحلة الحرجة مراجعة رؤيتنا للتعليم؟ دلك إن حربنا مع الإرهاب الغاشم والتطرف تتطلب منا إعادة النظر في رؤيتنا ومراجعتها وصياغتها وإشراك الجميع في ذلك. ألا ينبغي علينا في هذه المرحلة أن نجعل من "التنمية الشاملة للنشء مع غرس مبادئ الحرية والعدالة من حقوق وواجبات وشعور بالمسئولية تجاه الوطن والمواطنين؟
وهكذا يجب علينا تصميم محتوى المناهج بحيث تنمي في النشء الجوانب الثلاث: الجانب المعرفي والمهارى والوجداني. وهنا نسأل هل نعطي كل المعارف نفس القدر من الاهتمام والتركيز؟ أم نركز فقط على بعض العلوم ونهمل بعضها (خاصة العلوم الإنسانية، بما فيها التربية الدينية والموسيقى والتربية البدنية)؟ هل نولي مثل التفكير الناقد والتحليل وتنظيم الأفكار أو الاجتماعي (مثل روح العمل في فريق وقيادته وقبول الآخرين والتعاون معهم والمناظرات والحوار والتركيز على نقد الأفكار لا الأشخاص – ما نوليه للتركيز على مجرد حفظ واجترار المعارف وتخزينها؟ هل يراعي المحتوى في مناهجنا بناء الجانب الوجداني سواء كان ذلك على المستوى الديني الراسخ أم العائلي أو الشخصي؟ أم ليس لهذا الجانب الوجداني – ولا للجانب المهارى – مكان في مناهجنا لأن المحتوى لم يعد إلا المعرفي؟ هل رسخ هذا المحتوى وهذه المناهج المعرفة السليمة والراسخة بالتعاليم الدينية الوسيطة السمحة، والقدرة على التأمل والتفكير، والدعوة بالحسنى والموعظة الحسنة، تأسيًا بقوله تعالي في سورة النحل " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ]، هل تأكدنا من أن المحتوى والمناهج تعكسان النسيج المتناغم والمنسجم لمجتمعنا وما به من ثروة من الأطياف والأشكال الدينية والثقافية؟ هل أشركنا أصحاب المصلحة جميعًا – خاصة النشء والمعلمين – في اختيار هذا المحتوى ووضعه ومراجعته وتحسينه وتطويره؟ أم يتم وضعه من قبل الخبراء والمؤلفين والناشرين ويمن ثم ُفْرض على من يَدْرسونه ويُدَرّسونه، كما تُفرض الأوامر بالإرهاب من قيادات الجماعات الإرهابية؟ ولو حدث – وتم استطلاع آرائهم – نادرًا ما تُأخذ مأخذ الجد عند المراجعة
هل وفرنا هذا المحتوى وهذه المناهج في أشكال ومصادر تعلم متنوعة مثل الكتاب المطبوع ومواقع التعلم الإلكتروني، خاصة التفاعلية منها؟ أم وفرناهم فقط في شكل كتاب سيئ الطباعة بسبب رداءة حبر الطباعة ونوعية الورق؟ ولازالت في جعبتي عدة أسئلة سأحتفظ بها كزاد المتاع لجولات أخرى لي في عالم التعليم الذي يعتبر من أولويات التدبير الحسن حتى يستقيم ما تم اعوجاجه في المجتمع.