خلق التصريح الأخير لوالي بنك المغرب عبد اللطيف جواهري، والذي قام خلاله بشخيص الوضع الحالي في المغرب محذرا من الانكماش الاقتصادي وضعف النمو وثقل المديونية الحدث وآثار الكثير من الجدل؛ وفي هذا الإطار اتصلت "أنفاس بريس" بـ"رشيد حسناوي" لقراءة هذا الحدث من زاوية تخصصه كأستاذ الاقتصاد بجامعة ابن طفيل بالقنيطرة فأعد الورقة التالية :
أؤكد بداية بأن قضية النمو الاقتصادي تستأثر دائما بالاهتمام الواسع للرأي العام فالرفع من النمو يبقى تحديا يواجه كل الدول،حتى المتقدمة منها أما في المغرب تحديدا فلم نعد في حاجة إلى مزيد من التشخيص، بل نحن في حاجة ماسة إلى وضع سياسة اقتصادية ناجعة ومن صنع كفاءات مغربية ، ليس من الضرورة أن تكون من عالم السياسة. وكما يعلم الجميع لقد تراجعت نسبة النمو في المغرب من 9، 5% سنة 2008، حسب أرقام البنك الدولي، إلى أقل من 3% حسب تقديرات المركز المغربي للظرقية سنة 2019، وهذا التراجع مرتبط ارتباطا وثيقا بمجموعة من العوامل من بينها:
أولا- الاقتصاد المغربي يبقى رهينا بالتقلبات المناخية نظرا للمساهمة المهمة للأنشطة الفلاحية في نسبة النمو الاقتصادي،فرغم إبداع الحكومة في تقليص النفقات العمومية عن طريق رفع الدعم عن مجموعة من المواد الأساسية، ورغم التراجع النسبي لأسعار المواد الطاقية في السوق الدولية ، ورغم الزيادة المستمرة في الضرائب؛ آخرها مشروع مرسوم بأحداث رسم شبه ضريبي يسمى " رسم التضامن ضد الوقائع الكارثية، والذي سيطبق على عدد كبير من عقود التأمين، واستمرار هيمنة القطاع غير المهيكل، في تحقيق رقم معاملات كبير جدا تجاوز480 مليار درهم؛ وإمكانات جبائية ضخمة من المفروض أن تستفيد منها خزينة الدولة، رغم كل ذلك تبقى هذه التدابير في تقديري قاصرة عن تحقيق الأهداف المرجوة منها على المستوى الاقتصادي .
ثانيا- هنالك مشكل آخر يتمثل في تراجع الصادرات بسبب ضعف إنتاجية المقاولة المغربية وعدم قدرة المغرب على جلب استثمارات أجنبية كافية لتعويض النقص الحاصل على مستوى التصدير رغم إبرام مجموعة من اتفاقيات التجارة الحرة مع شركاء أجانب من الاتحاد الأوروبي وأمريكا وتركيا.
ثالثا- وبخصوص المديونية العمومية فهو كما يعلم الجميع موضوع يكتسي أهمية بالغة ، وتبعا لما جاء في مجموعة من التقارير، فقد حطم المغرب الرقم القياسي في مجال الاستدانة ،وتجاوز الخط الأحمر المسموح به في إطار معاهدة" ماستريخت" لسنة 1992، الموقعة بأوروبا حيث أنه في ظرف عشر سنوات انتقلنا من 51%سنة سنة 2008 لا زيد من 80% من الناتج الداخلي الخام سنة 2018 ، حسب أرقام المجلس الأعلى للحسابات لنفس السنة، بينما عرفت تكلفة الدين ارتفاعا مقلقا بـ871، 127 مليون درهم سنة 2017.وهنا أعتقد أن المشكل الحقيقي الذي أدى إلى هذه الوتيرة التصاعدي -قبل دخول القانون التنظيمي للمالية الجديد لبى حيز التنفيذ-هو أن الحكومة توظف عائدات الدين العمومي في بعض نفقات التسيير،ولم تكن توظفها بشكل كاف في زيادة الاستثمارات العمومية الضرورية لإنعاش الدورة الاقتصادية،حيث تستفيد المقاولة الخاصة من الصفقات العمومية،وخلق مزيد من فرص الشغل وزيادة العائدات الضريبية، وخاصة الضريبة على القيمة المضافة ، والضريبة على الشركات.
ومن جهة أخرى، وكما جاء في تقرير المجلس الأعلى للحسابات عرفت وضعية الاستدانة التي تلجأ اليها المقاولات والمؤسسات العمومية ارتفاعا أسرع من دين الخزينة حيث بلغ. 755، 277مليون درهم ، سنة 2017، ومن أبرز المؤسسات المثقلة بالديون بالعملة الصعبة، نذكر منها المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب؛ بنسبة 24% او42808 مليون درهم، وكذلك المجمع المغربي لفوسفاط بنسبة 5، 22% أو 40162 مليون درهم.
ولهذا، أريد أن أركز في الختام على مشكل الحكامة في تسيير المرفق العام والخلل الذي يطبع الخدمة العامة على جميع المستويات؛ مسجلا أن هناك إجماعا لدى المجتمع الدولي حول الشروط والمعايير الأساسية الضرورية لخلق بيئة مواتية للاستثمار،وذلك من خلال تقييمات صندوق النقد الدولي، ويمكن إجمال هذه المعايير في النقط التالية:
- مكافحة الفساد.
- تعزيز النزاهة.
- عدالة النظام القضائي.
كما أن المغرب مطالب في المرحلة المقبلة بتجويد المؤسسات وتطوير الحكامة المالية والإدارية، والعمل على استرجاع الثقة في عمل الحكومة والبرلمان والسلطة القضائية، من أجل بناء اقتصاد قوي ودولة قوية.