ونظرا لكون هذا النوع من التفكير ما يزال مهيمنا عندنا، فإننا نجد التعليم الديني يربي الأجيال الصاعدة على تكفير الفلسفة والعلوم الإنسانية ومناهج العلوم ونتائجها... كما أنه يرسخ الطائفية التي ينعدم معها هاجس الوطن والمواطنة، حيث يكون الفرد تابعا لطائفته، ولا يتجاوز وعيه تخومها وزعاماتها من سياسيين ورجال دين. ولا تشكل الطائفية عقبة في وجه بناء الوطن فقط، بل تشكل أيضا تهديدا للقيم الدينية في نفوس أتباعها بتحويل الدين فيها من التزام بالينابيع الروحية وبالقيم الإنسانية والوطنية، إلى خضوع لشيوخ الطائفة وتقديسهم على حساب الولاء للوطن.
تدافع الطائفية عن مصالح الطائفة من أجل تمكينها من الهيمنة على المجتمع أفرادا وجماعات ومؤسسات... وهكذا، فهي تُغَرِّبُ الإنسان عن إنسانيته بجعله يكره مواطنيه الذين لا ينتمون إلى طائفته. وفي الواقع، لا يدافع أتباع الطائفة إلا عن رجال الدين وأسيادهم مموليهم في الخارج. فالمغلولون يدافعون عن الأغلال المكبلة لهم، وعن الذين سطوا على كينونتهم من أجل استغلالهم، وهم يتوهمون أنهم يدافعون عن حقوقهم وحقوق الخالق في آن !
ولا يعني رفضنا التعليم الديني التقليدي رفض الدين أو رفض تدريسه في المدارس والجامعات. فالدين عنصر مهم من عناصر الشخصية والمجتمع. وهو موجود في حضارات جميع الشعوب، وله تاريخ طويل. من هنا كان لابد من تدريس الدين في المدارس بشكل سليم.
وإذا كان التعليم الديني جزء لا يتجزأ من المنظومة التربوية العامة، فينبغي إصلاحه بهدف جعله يرمي إلى تحقيق غايات المشروع الحضاري العام الذي يهدف اليوم إلى إشاعة قيم التسامح والحوار على صعيد المجتمع وأيضا في مجال العلاقات بين الشعوب...
واستلهاما لروح العصر، ينبغي أن يواكب إصلاح المناهج والبرامج الدينية متطلبات العصر، ويتم فتح باب الاجتهاد الذي أغلقه الفقهاء الحنابلة بعد الغزوة الصليبية. كما أنه من المفروض معرفة حقيقة أهداف الأديان ووظائفها التاريخية ومنجزاتها الثقافية ومكانتها...
ويرى محمد أركون أنه يجب تدريس تاريخ الأديان وعلم اجتماع الأديان وأنثربولوجية الدين وتاريخ الأديان المقارن... وإذا لم يتم تبني منهجيات الأنثربولوجيا الاجتماعية والثقافية وأسئلتها...، فلن يكون بإمكاننا تطوير تعليم سليم لتاريخ الأديان. وبما أن المجتمعات الإسلامية غارقة في الفكر التقليدي، فيجب القيام بثورات فكرية عديدة تناهض الصورة التقليدية اللاتاريخية عن الدين الإسلامي التي تسيطر عليه حاليا...