تُعَدُّ البرازيل من أكبر دول أمريكا اللاتينيَّة، فقد اكتُشِفَت عام 1500 على الأصحِّ، وتصل مساحتها إلى 9 ملايين كيلو متر مربَّع، ويصل عدد سكانها إلى أكثر مِن 220 مليون نسمة، ولُغتها الرسميَّة البُرتغاليَّة، أمَّا نوع الحكومة فهي جمهوريَّة اتِّحادية تتكوَّن من 26 ولاية، كلُّ ولاية لها حاكم خاصٌّ يُسيِّر شُؤونها، لكن تحت سيادة مركزيَّة موحَّدة.
وهناك أحزاب لها نشاطها ونفاذها، أهمُّها: الحزب الجمهوري، وحزب العُمَّال، وتُعَدُّ البرازيل القوَّةَ الاقتصادية الأُولَى في قارة أمريكا الجنوبية، والمحرِّك الأساسي والفاعل في السُّوق الدولية، كما أنها تعدُّ من الدُّول الصناعية والغنيَّة بثرواتها الطبيعية المختلفة، وهي الآن تحتلُّ الصفَّ الأول من حيث صادِرَاتُها لِلُحوم الأبقار والدَّواجن، وخاصَّة إلى الأسواق العربية والإسلامية. وقد دخَلَها الإسلام فعليًّا منذ اكتشافِ أمريكا في القرن الخامس عشر مع العبيد الذين جُلِبوا من شمال وشرق إفريقيا، وقد استقرَّ أغلبهم في البرازيل، ثم انتَشَروا في باقي أنحاء أمريكا الشمالية والجنوبية، والأغلبية السَّاحقة لهؤلاء العبيد كانوا من المسلمين الذين أُرغِموا على تَرْك دينهم تحت التَّهديد والتعذيب، وذاب الكثيرُ منهم في هذه القارَّة، وتنَصَّر مَن تنصَّر تحت الإكراه البدَنِيِّ والنَّفْسي والمعنوي، وعليه تَقهقَر الإسلام في هذه القارَّة.
وبعد تحرير "العبيد"، وعودة الكثير منهم إلى الإسلام، والهجرات المتكرِّرة من العرَبِ والمسلمين إلى دول أمريكا اللاتينيَّة؛ أصبح وُجودُ الإسلام حقيقةً واقعة في المجتمع اللاتينيِّ، وهذا ما أقرَّ به الكثيرُ من رؤساء دول أمريكا اللاتينيَّة، وفي مقدِّمتهم رئيس جمهورية البرازيل السابق (لولا) في عِدَّة مناسبات؛ بحيث اعتَبَر الهجرة العربيَّة إلى البرازيل وباقي الدُّول في أمريكا اللاتينيَّة بِمَثابَة اللَّبِنَة الأساسيَّة والمُهِمَّة في إعمار أرض البرازيل، وبناء حضارتها وازدهار اقتِصادها، وعليه أقول: إنَّ وُجود المسلمين بِدُولة البرازيل هو بمثابة نقطة عُبور مهمَّة للتبادل الثقافي والمعرفي والتكنولوجي، والتِّجاري والسياسي، على نحو إيجابي بين الدُّول الإسلامية والعربية ودول أمريكا اللاتينية، وتطويره وتفعيله ونجاحه أكثر متوقِّف على تعاوُن الدول العربية وانفتاحها على البرازيل وأمريكا اللاتينية بالإضافة الى تعاون الجمعيَّات والهيئات الإسلامية بعضها ببعض، وتناسي خلافاتها المذهبية الضيِّقة سيُعطي - ممَّا لا يدَعُ مَجالاً للشكِّ - وَمضاتٍ مُشْرِقةً طيِّبة تنعكس إيجابًا على وضع الإسلام والمسلمين في قارة امريكا الجنوبية..وما وصل إليه المسلمون والعربُ اليومَ من نجاح في هذه البلاد يَعُود إلى عدَّة أسباب؛ منها: طيبة الشَّعب البرازيلي وحبُّه للآخَر، بالإضافة إلى حرِّية العقيدة الذي يكفلها القانون، ناهيك عن الدَّور الرائد والجَبَّار لبعض الجمعيات والمساجد والمؤسسات الإسلامية في مقدمتهم اتحاد المؤسسات الإسلامية في رعاية أبناء الجالية المسلمة؛ من تقديم الخدمات، والرِّعاية الاجتماعية والدِّينية، من بناء المعاهد والمدارس، والمساجد والمستشفيات، وعليه فلا أتوقَّع أبدًا ابدا بأن المسلمين في البرازيل سيَلْقَون في يوم من الأيَّام مُطاردة أو متابعة أو حصارًا من قِبَل الحكومات البرازيليَّة المتعاقبة؛ لأن التشكيلة السُّكَّانية للبرازيل وثقافتِها وحضارتها وتاريخِها السلمي بين الدول والشعوب يحصن نسيجها الاجتماعي المتنوع المبني على العيش المشترك والاحترام المتبادل..
من كتاب "المسلمون في أمريكا اللاتينية"، للأستاذ الصادق العثماني