قرار مجلس الأمن الأخير رقم 2440 بشأن نزاع الصحراء موجه بشكل أساسي نحو تحضير الشروط الملاءمة من أجل إنجاح الجولة القادمة من المفاوضات السياسية و هي عبارة عن مائدة مستديرة ستجمع أطراف النزاع في الخامس و السادس من شهر دجنبر المقبل بجنيف. من خلال قراءة مضمون القرار، دعامتان رئيسيتان تمنحان هذا القرار أصالة مقارنة بالقرارات السابقة.
أولا ، يبدو من الواضح أن المنطق الذي يوجه القرار هو تحفيز وتسريع العملية السياسية التي ينبغي أن تفضي في النهاية إلى حل سياسي ، عادل ودائم ومقبول من الأطراف. جدير بالاهتمام أن القرار 2440 شدد بقوة على هذه النتيجة المرغوبة كمرادف لتقرير المصير. وهذا يعني بلا شك إقبار نهائي لخيار الاستفتاء ، لا سيما عندما تصور لنا الفقرة 2 من الجزء التنفيذي لهذا القرار الحل السياسي على أنه حل عملي ودائم.
و في نفس الاتجاه تشير الفقرة 4 إلى أن هدف تقرير المصير لا يمكن التوصل إليه إلا كصيغة حل سياسي يتوج مسار سياسي مع الأخذ بعين الاعتبار التطورات منذ عام 2006 في إشارة واضحة إلى خطة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب والتي وصفها القرار بأنها جدية وذات مصداقية.
تجدر الإشارة إلى أن مصطلحات "الحل السياسي" و " المسار السياسي " تكررت 13 مرة في القرار.
وتتمثل الدعامة الثانية للقرار في الضغط على البلدان المجاورة ، ومن الواضح أن الرسالة موجهة تحديداً إلى الجزائر باعتبارها الطرف الحقيقي في النزاع. يدعو القرار الجزائر إلى تقديم مساهمة فعالة في العملية السياسية ، ويطلب منها المشاركة في المائدة المستديرة المزمع عقدها بجنيف الشهر المقبل بدون شروط مسبقة وبحسن نية. ما يثير الاهتمام هنا في هذا الصدد هو تبني القرار لمصطلحات القانون الدولي، و هذا يعني أن مجلس الأمن ينتظر من الجزائر أن تساهم بشكل جاد و فعال في العملية السياسية ولم يعد ينظر إليها فقط كطرف مسهل أو مراقب. و يمثل هذا التطور سابقة في جميع قرارات مجلس الأمن بشأن قضية الصحراء.
و من أجل تأكيد هذا الطرح، يربط القرار صلة مباشرة بين الحل السياسي ومستقبل الاستقرار السياسي و الإقلاع الاقتصادي في المنطقة المغاربية برمتها.
على نفس المنوال، يسلط القرار الضوء على المتوقع و المطلوب من المساهمة الجزائرية في العملية السياسية و يشترط أن تكون وازنة و نشيطة. من الواضح أن مجلس الأمن الدولي يدفع الجزائر لتحمل مسؤوليتها التاريخية فيما يتعلق بهذا النزاع، و بالتالي يتضح هنا أن القوى الكبرى تربط بين القطيعة مع الوضع القائم Statu Quo و الرفع من درجة الضغط على الجزائر. ما يعزز هذا الاستنتاج تشديد مجلس الأمن في الفقرات 2 و 3 و 9 من القرار على أن مشاركة البلدان المجاورة في العملية السياسية يجب أن يتم في إطار روح التسوية و الواقعية طوال مدة العملية كشرط أساسي من اجل ضمان التوصل إلى الحل السياسي. تثبت هذه الصياغة أن الأمم المتحدة تتجه نحو تقدير جدية المساهمة الجزائرية كمعيار لمراقبة مدى تقدم العملية السياسية.
بناءا على هذه التطورات يمكن القول أن الجزائر اصبحت في أعين الأمم المتحدة طرفا أساسيا في نزاع الصحراء حتى وإن لم توجد صياغة صريحة بهذا الخصوص. الجدير بالذكر أن أهمية مشاركة الدول المجاورة في المحادثات السياسية تم التأكيد عليها 7 مرات في نص القرار بصياغات مختلفة.
وفي الختام ، نستطيع القول أن مجلس الأمن الدولي بهذا القرار فهو يقوم بإعادة تعريف مشكلة الصحراء من منظور المسؤولية التاريخية التي تتحملها الجزائر في قيام هذا النزاع المفتعل. ربما بدأت تعي القوى الكبرى أن إخراج هذا الملف من الجمود الحالي لن يتم إلا عبر تحميل الجزائر مسؤوليتها كاملة طوال مراحل مسلسل التسوية السياسية كشرط من شروط التوصل لحل سياسي، عادل، نهائي ومقبول.