الجعيدي: ربط منظومة التربية المتعثرة بمنظومة التكوين المهني الفاعلة يثير كثيرا من الإستغراب!؟

الجعيدي: ربط منظومة التربية المتعثرة بمنظومة التكوين المهني الفاعلة يثير كثيرا من الإستغراب!؟

يعتبر فؤاد الجعيدي أن الحداثة التي يعيش أطوارها المغرب واكبها قطاع التكوين المهني وعرف معها تحولات عميقة وكبرى، من المكاسب ولكن أفرزت في ذات الوقت تناقضات حادة على مستوى الوظائف والمهام أصابت منظومة الجهاز التكويني باختلالات بينة حول هذه المعاينة أو (الكونستا) العامة والتي تلتقي مع إرهاصات الهندسة الحكومية المرتقبة وسؤال فصل قطاع التكوين المهني عن وزارة التربية،. التقت "أنفاس بريس" بالجعيدي باعتباره خبيرا في قضايا وشؤون التكوين المهني، ساهم منذ أواخر الثمانينات من القرن الماضي في خلق صفحة شهرية تعنى بالتكوين المهني، بجريدة "البيان" و"بيان اليوم" وعالم الشغل/ وهو عضو المكتب الوطني للجامعة الوطنية للتكوين المهني التابعة للإتحاد المغريي للشغل وأجرت معه الحوار التالي

ما هو رأيك في مطالبة البعض بضرورة من جهة فصل النظام التكويني (كمراس مهني للمتدربين بالمحارف ) عن النظام التربوي الذي يعتبر المكونين (كتلاميذ يتلقون تعليما تقنيا)؟ وبالنظر من جهة ثانية لطبيعة النظام التكويني وعلاقاته بالفرقاء الاقتصاديين والاجتماعيين؟

منذ أن طرح الميثاق الوطني للتربية والتكوين سنة 2000، للنقاش الوطني، نبهنا ساعتها {في ندوة وطنية كان المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية قد نظمها سنة 2004، تحت شعار: التكوين المهني بالمغرب إلى أين؟} أن جعل نظام التكوين المهني، نظاما تابعا للتربية الوطنية، ينطوي على مخاطر. كيف؟

أولا الميثاق الوطني خص التكوين المهني فقط بعشر دعامات وكان في أوج تحولاته، في حين أن ما يزيد عن 157دعامة ظلت تتلمس، سبل الإصلاح الشامل لنظامنا التربوي والذي لا زالت كل المؤشرات تدل على أنه نظام ينتج في جميع مراحله الفشل وتناوبت عليه كل الفصائل السياسية ورصدت له اعتمادات مالية مهمة من جيوب دافعي الضرائب، واستنجدنا له ببرامج استعجالية، لكن لم نقو اجتماعيا بعد على الحصول على تعليم ناجع وقادر على إنتاج متعلمين متمكنين من المهارات اللغوية التواصلية ومتمكنين أيضا من قدرات الاستيعاب المعرفي والتحليل والتركيب والاستنتاج.

ثانيا أن العاملين بقطاع التربية في كل مستوياته، كانت لهم القدرة، بأعدادهم الهائلة على الهيمنة على النقاش المجتمعي وهي إمكانيات لم تكن متوافرة لنساء ورجال التكوين المهني الذين كان عددهم في هذه المرحلة لم يتجاوز ستة آلاف مستخدم بما فيهم المتعاونون وانشغالاتهم تقنية ومهنية وليس لهم أي تأثير في النقاش العمومي..

لكن المفارقة التي نسجلها على النظامين، أن التكوين المهني ظل يستقبل زبناء من النظام التربوي في كل مراحلة حتى الجامعية منها ويتدارك تأخرهم التعليمي ويعمل على تهيئهم لوضعيات مهنية وحرفية وتمكينهم من التشبع بالقيم الثقافية للمقاولة والحياة المهنية، ونجح في هذا المنحى وانتزع اعتراف السلطات العليا بالبلاد على نتائجه.

إذن ربط منظومة متعثرة بأخرى نعتبرها رافعة أساسية في عمليات النمو ومرافقة النسيج الاقتصادي لمواجهة تحديات ضمان تدفق الرساميل الوطنية والأجنبية يثير فينا علامات الاستغراب والقلق.

نحن إزاء منظومتين متباينتين صحيح متكاملتين في منافعهما الاجتماعية، لكن في أهدافهما وأشكالهما التنظيمية وأنواع التعلمات مختلفة جذريا. في التكوين المهني نتحدث عن المكون والمتدرب وعن الأطر التقنو بيداغوجية وعن المحارف والقاعات المتخصصة والحصص التطبيقية والتدريب الميداني والعلاقات مع الوحدات الإنتاجية فيما يناهز 230مهنة من الترصيص الصحي حتى صناعة السيارات والطيران أي مجموع الأنشطة المهنية التي يعرفها النسيج الاقتصادي الوطني، والوظيفة الأساس للجهاز التكويني تغذية سوق العمل باحتياجاته من الموارد البشرية المؤهلة والتقنية والتقنية المتخصصة. وما يجب الاعتراف به للمنظومة التكوينية، أنها تختلف في تعاطيها البيداغوجي مع التعليم التقني الذي ظلت تحتضنه وزارة التربية الوطنية.

هذه هي المسوغات التي تؤكد على ضرورة التفريق بين النظامين والدعوة لاستقلالية أحدهما عن الآخر وضرورة ارتباط التكوين المهني بالوزارة المعنية بقضايا الشغل والتشغيل.

في ظل المنظومة الموحدة و المزدوجة لوزارة التربية والتكوين هل ما يزال المكتب يقوم بمهامه المتعلقة اساسا بتنظيم التدريب المهني ومراقبته؟ وكيف يعمل على الحفاظ على علاقات عالم الشغل وارتباطاتها بتحديات النسيج الاقتصادي الوطني وأهدافه الاستراتيجية؟

الازدواجية في اعتقادي هي إحدى التمظهرات الصارخة اليوم، لأزمة تم العمل على تصريفها وإسقاطها من منظومة على أخرى. فالتكوين المهني بالمغرب، منذ نشأته مع الحماية الفرنسية ارتبط بإعداد حرفيي المحركات ذات الوقتين. في أول مركز مهني بالمغرب بحي المحيط بالرباط. ومع البدايات الأولى للاستقلال تم اعتبار التكوين المهني مصلحة من بين مصالح وزارة التشغيل. إلى أن أتى الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 183. 1.72بتاريخ 21مايو من سنة 1974لإحداث مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، حيث المشرع مكن هذه المؤسسة الوطنية من التمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي ووضعها تحت وصاية السلطة الحكومية المكلفة بالشغلفي الفصل الأول من الظهير. وأناط بها مسؤولية العمل بالاتصال مع مختلف الوزارات والمشغلين المعنيين بمهام إنعاش الشغل الذي تنظمه الوزارة المكلفة بالشغل والتوفيق بينه وبين حاجيات البلاد.

وتحقيقا لهذه الغاية، تعين على مكتب التكوين المهني، ضمان تزويد المرشحين أو وحدات التكوين التابعة له بالمعلومات اللازمة وتوجيههم وانتقائهم المهني، كما تعين عليه تجديد التكوين للشغالين. وكلف هذا المكتب من جهة أخرى بتنظيم التدريب المهني ومراقبته. ومن الناحية التنظيمية، يسير المكتب مجلس إداري، يرأسه وزير الشغل أو الكاتب العام للوزارة وليس وزير التربية الوطنية والتكوين المهني إلى جانب ثمانية وعشرين عضوا منهم أربعة عشر ممثلا للدولة وسبعة ممثلين لأرباب العمل ومثلهم ممثلين للعمال. وسواء من حيث الوظائف والمهام أو تركيبة المجلس الإداري، فإن منظومة الجهاز التكويني تتقاطع فيها كل علاقات عالم الشغل، في ارتباطاتها بتحديات النسيج الاقتصادي الوطني وأهدافه الاستراتيجية. وهي معطيات لا تقبل المزايدات أو استخدامها بين القوى السياسية في عمليات الصراعات التي تخبو أو تشتد حسب الظروف والأحداث.

هذه هي العلاقات والمهام التي قعد لها ظهير 1974، لكن اليوم جعل منظومة التكوين المهني تحت وصاية التربية الوطنية يجعلنا نتساءل عن الدواعي والمسببات وهل هذا الموقف السياسي صحيح وسليم من الوجهة القانونية، لست فقهيا دستوريا، إنما حسب قناعاتي المتواضعة، أصر على أن هذا القرار أعتبره خطأ من الأخطاء السياسية الجسيمة للحكومة المنتهية ولايتها، حيث أن جسامة الأمر تتعلق أولا بخرق المقتضيات التنظيمية للظهير الشريف لسنة 1974. وهو أمر غير مقبول في مجتمع يتشبث على الأقل في هذه المرحلة من تطوره وطبيعة نضج ظروفه الوطنية بالرغبة الملحة في الاحتكام للقوانين والدعوة لاحترامها والتقييد بها وليس العمل على خرقها.

هناك اليوم وضع نشاز في هذه المعطيات المتداخلة بين النظامين، التربوي والتكويني حيث غدت تنتج توترات في اللقاءات التشاورية بين المنظومتين بشأن تفعيل جسور التعاطي مع مسالك البكالوريا المهنية وتؤشر لتضاربات في الاختصاصات وحدودها وصلاحياتها بين مسؤولي وزارة التربية الوطنية ومكتب التكوين المهني وبالتالي، فتح الباب على مصراعيه لتعطيل استراتيجيات العمل على تنمية الموارد البشرية وإنعاش التشغيل بالمغرب وهي تحديات تضع على المحك نسيجنا الاقتصادي الوطني الذي يتطلع في هذه المرحلة بالذات لاستقطاب المزيد من الرساميل الوطنية والدولية ويراهن بموارده البشرية الانضمام إلى الاقتصادية الناشئة في صناعة السيارات والطائرات و المشاريع الكبرى للطاقات المتجددة.

ماهي الاختلالات في نظرك التي أصابت منظومة جهاز التكوين المهني والذي كان يشكل أفضل الفرص للإدماج السوسيو اقتصادي و يتيح للشباب إمكانيات التسلق الاجتماعي؟

لو سمحتم لي التكوين المهني لا زال إلى اليوم يشكل، أفضل السبل للإدماج السيو اقتصادي ويتيح للشباب إمكانيات التسلق الاجتماعي القوي، للأسف لا نتوفر على دراسات سوسيولوجية تعمل على تحليل أوضاع شباب وشابات انتقلوا من الوسط الريفي ومكنهم التكوين المهني اعتبارا لمساراته القصيرة من مهن وحرف بالقطاع الخاص أو العمومي وعمل على استقرارهم بالحواضر وداخل المناطق الصناعية وغير تركيبتهم الاجتماعية وفتح أعينهم على مظاهر الحياة العصرية في السكن والتغذية والصحة وتمدرس الأبناء أي ساهم في انتقالهم من حياة البداوة وضنك العيش إلى حياة أخرى. التكوين المهني مارس هذا التأثير وبقوة.

وبالعودة إلى منظومة التكوين المهني لمقاربتها في أسئلتها العميقة منذ إحداث مكتب التكوين المهني وإنعاش الشغل، لا بد من الاعتراف أن الحداثة التي يعيش أطوارها المغرب واكبها القطاع وعرف معها تحولات عميقة وكبرى، من المكاسب ولكن أفرزت في ذات الوقت تناقضات حادة على مستوى الوظائف والمهام أصابت منظومة الجهاز التكويني باختلالات بينة. وهي الاختلالات التي ساهم فيها الميثاق الوطني للتربية والتكوين، في سياق العشرية التي خصصت لإصلاح النظام التربوي بالمغرب. وهنا بالذات كما قلت تم حشر قضايا التكوين المهني وتم اختزالها في الحديث عن المسالك بين النظامين، ليتم الالتفاف على التكوين المهني وجعله تابعا لوزارة التربية الوطنية بشكل متعارض مع المنطوق الصريح للظهير المؤسس للمكتب وبالتالي أن هذا المنزلق تزامن مع التراجع عن المناظرات الوطنية والتي كانت سنة حميد لتطارح الإشكاليات الجوهرية، لمنظومة الجهاز التكويني بين الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين والمهتمين بصيرورة المنظومة وتفاعلاتها مع النسيج الاقتصادي والاجتماعي. وبالعودة إلى أهم المحطات البارزة في تاريخ منظومة التكوين المهني ببلادنا، سنقف على أهمية الأسئلة والمواقف والخلاصات التي جاءت وفي مراحل معينة وعبر عشريات، لتجاوز عوامل فرملة تطلعات الجهاز في التجاوب مع قضاياه وأساس وجوده.

المحطة التي بدأت من الـتأسيس سنة 1974إلى حدود سنة 1984نستحضر فيها عبر عقد من الزمن بداية التحولات العميقة والحاسمة من بينها:

 

فقط إطلالة بسيطة على المخطط الاستراتيجي لمحاور تنمية قطاع التكوين المهني في أفق سنة 2021سيعكس لنا حجم الانتظارات وقوة التحديات التي تنتظرنا في البحث عن موارد مالية وبشرية لمرافقة هذه التحولات والوظائف الجديدة التي سيلعبها القطاع وطنيا وتصدير خبراته في التعاطي مع إشكاليات التكوين والتشغيل إلى العمق الافريقي وسنواجه تحديات تجديد بنيات المؤسسات التكوينية ومعدات العمل بها والمراجعة الدائمة والمستمرة للبرامج ومناهج التعلمات في علاقاتها مع التحولات التكنولوجية المتسارعة وهي تعلمات فيها جوانب بيداغوجية وتستحضر أيضا علوم وتقنيات الأندرولوجيا. وما يجب وضعه في مركز الإهتمام في هذه التحولات وإنجاز أهدافها لا بد من استحضار أوضاع العاملين بالتكوين المهني رجالا ونساء لتممينهم من أجور لائقة وأوضاع مقبولة وشروط عمل طبيعية لإنجاز هذه التحديات.