هنا كانت الصدمة قوية (مع المعذرة للفنان عبد الهادي بلخياط)، إذ لما قابلت المسؤول عن المحطة صباح اليوم المذكور قال لي بالحرف:"غانجيك من الاخير حنا للي حيدنا الضو باش مايبزطوناش الطلبة".
استغربت وقلت له:" إنهم طلبة وليسوا شمكارة والطلبة سلالة محبوبة ومؤدبة."
رد علي: " لا يهمني الطلبة، فهم يأتون ويعصرون على قهوة أو براد ديال أتاي بالمقهى ونحن لا نحب ذلك".
أعترف أني لم أفاجأ لموقف مسؤول "وينكسو"، بالنظر إلى أن الطالب بالمغرب لا قيمة له بمجتمعنا والكل يحتقره ويمقته: من الجامعة التي لا توفر له الظروف الملائمة لإرشاده ومصاحبته إلى البوليسي الذي ينظر إليه كمصدر القلاقل والاحتجاج مرورا بالبلدية والحكومة اللتان لا تضعان انتظارات ومطالب الطلبة في الأجندة العمومية.
تذكرت وضعية طلبتنا والمهانة التي يتعرضون لها بالمغرب وقارنت ذلك بوضعية الطالب في المجتمعات المتمدنة (أوربا وأسيا وأمريكا أساسا) سواء على مستوى توفيرالمكتبات وإغنائها بالمراجع وبناء قاعات المطالعة التي تضم معظم الجرائد ليقرأها الطلبة مجانا أو تجهيز الكليات والمعاهد بالملاعب والمسابح ليفرغ الطلبة شحناتهم السلبية من جهة، والحفاظ على لياقتهم البدنية والترفيه من متاعب الدراسة من جهة ثانية، أو مبادرة البلديات هناك بسن سياسة خاصة بالطلبة في شراء بطائق النقل بثمن جد بخس واقتناء تذاكر ب"زيرو ريال" لولوج قاعات السينما أو المتاحف، هذا دون الحديث عن الامتيازالذي يتمتع به الطلبة في تلك الدول من حيث التأمين والتغطية الصحية.
أما إذا عرجنا على القطاع الخاص نجد الأبناك تضع تسهيلات جد مغرية لتوفيرسبل تمويل الطالب لدراسته الجامعية عبر الحصول على قروض ميسرة ومؤجلة الدفع الى حين التخرج، وانخراط المقاولات في احتضان الطلبة في التداريب" stages" وترتيب صيغ لعقود عمل بأجور لا بأس بها للطلبة الذين يودون العمل ليلا او في العطل. دون الحديث عن انخراط واسع للقطاع الخاص الأوربي والأمريكي والأسيوي في شراكات مع الجامعات لتمويل البحث العلمي وتأطير الطلبة النجباء.
أعرف أنه لامجال للمقارنة، لأنه شتان بين مجتمع يقدس العلم والطلبة ومجتمع يحتقر العلم والطلبة.
ألم يعترض العامل حيمدي في أواسط التسعينات من القرن الماضي على بناء كلية الحقوق بتراب عمالة بنمسيك بالبيضاء بدعوى أن الكلية تجلب"الصداع" والطلبة "فيهم المشاكيل"؟ ألم تعترض بلدية البيضاء على تمتيع الطلبة بثمن تفضيلي جد بخس في النقل الحضري منذ أن كان المرحوم فيصل القادري مديرا للوكالة المستقلة إلى اليوم الذي توجد فيه شركة "مدينةبيس"؟ ألم ترفض مافيا الأبناك المغربية الانخراط في مشاريع توفير مونطاج مالي لتيسير ولوج الطلبة المغاربة المحتاجين للقروض لتمويل دراساتهم وتخفيف العبئ عن أسرهم إلى حين التخرج بدل العرض البئيس الذي تقدمه بعض المؤسسات البنكية المغربية للتمويه ولإبراز أنها أبناك مواطنة بينما هي أبناك "كانيبالية"؟ ألم يرفض الفاعلون في قطاع الاتصالات تجهيز الكليات والمعاهد بخدمة "الويفي" على غرار ماهو معمول به في مدن جامعية أجنبية؟ ألم يرفض معظم أرباب المقاولات المغربية برمجة صيغ لاستقبال الطلبة في تداريب صيفية لصقل مهاراتهم واختبار معارفهم وتثمين معلوماتهم؟ ألم ترفض الحكومة والبرلمان إرجاع مقر الاتحاد الوطني لطلبة المغرب و"هرفت"عليه الدولة لغايات مافيوزية ترتبط ب"همزة"عقارية للمقر؟ ألم ترفض معظم المقاهي (وضمنهم مقاهي شركة "وينكسو"،ياحسرتاه) استقبال الطلبة وتلبية طلباتهم بدعوى أنهم زبناء غير مرغوب فيهم؟
حين يهتم المجتمع المغربي(حكومة وشعبا ومقاولات) بالطلبة ويحتضنهم و"يتهلا" فيهم، آنذاك يمكن للموغريب أن يزدهر ويتقدم. أما اليوم فلن تقوم له قائمة والمغرب لا يقدس إلا "الشفارة والقمارة والبزناسة والنصابة والحقراء والغماقة".
ملحوظة مرتبطة بما سبق:
كانت ابنتي تدرس بفرنسا، ورغم اني اقتنيت لها هاتفا ذكيا جيدا من درب غلف، فإن المثير أنها لما ذهبت للبنك بمدينة "CAEN"لفتح حساب، سلمتها المسؤولة بإدارة البنك ثلاثة هواتف أحسن من ذاك الذي اشتريته لها بكازا وأغلى بكثير. وقالوا لها: نحن لدينا تقليد مع طلبة جامعة "CAEN" يتمثل في أن الطالب لما يفتح حسابه عندنا نخيره بين ثلاثة أنواع من الهاتف مجانا ليختار واحدا كهدية منا وكعربون ثقتنا في تألقه. قلت لها : "راك في بلاد الاسلام الحقيقي.أما حنا في الموغريب راه نعاني مع المتخلفين والساقطين والفاشلين والمنافقين الذين لا يقدرون العلم والساعين إليه"