تفاصيل هبة الملك الحسن الثاني التي تعرضت للنهب بسيدي مومن..!

تفاصيل هبة الملك الحسن الثاني التي تعرضت للنهب بسيدي مومن..!

درج المواطن المغربي والبيضاوي على وجه التحديد أن يُجاب كلما طالب بحقه في منتزه أخضر بتلك العبارة المصكوكة، والمبنية على عذر "غياب الوعاء العقاري"، لكن ما القول حين يكون هذا الوعاء موجودا ولا ينتظر سوى إرادة تهيئته؟. النموذج هنا من منطقة سيدي مومن حيث تنتصب بقعة أرضية تمتد على مساحة 100 هكتار، تحيط بها كل من مقبرة "سيدي مومن" وكاريان "الرحامنة" ومسار "الترامواي"، ثم حي "أناسي"، سبق للملك الراحل الحسن الثاني أن منحها "هبة" لساكنة الدار البيضاء من أجل استثمارها في إنشاء فضاء ترفيهي. إنما الغريب والمؤلم كذلك هو بقاؤها وإلى حدود اليوم محنطة على الرغم من حاجة هذه المدينة الملحة لكل شبر ينعش مشهدها البيئي السائر نحو مصير كارثي. إذ وكما هو معلوم، فإن هذه المدينة التي تأوي خمس ساكنة المغرب، ونصف المؤسسات االصناعية به، وربع الاستهلاك الطاقي الوطني، فضلا عن ثلث الأزبال التي ترمى يوميا بالبلاد. تعرف في المقابل وبشكل يثير أكثر من تساؤل شحا كبيرا في الحدائق والمنتزهات الترفيهية. الأمر الذي ذهب بالعديد من المواطنين الذين التقهم "أنفاس بريس" إلى التأكيد بسخط بالغ على أن الوضع مأساوي بهذا الشأن، ولا ينسجم مع ما تتطلبه معالجة التلوث والصخب، ثم هدير محركات السيارات والحافلات والشاحنات التي تملأ الفضاء ضوضاء لا تطاق.

إنها هبة، وليست للنهب..!!

الساعة تشير إلى منتصف اليوم، أما المكان فليس سوى ذلك القريب من مقر صيانة "الترامواي" بسيدي مومن حيث تتراءى لكل مار من هناك رقعة أرضية خالية من كل شيء، اللهم بعض الشباب والشيوخ الذين فضلوا ذلك الزمكان لممارسة رياضة العدو. إنما في المقابل كانت أغلب الأجوبة التي استقتها "أنفاس بريس" بعيدة عن معرفة حكاية تلك الأرض وأصل دورها المفترض، فبالأحرى أن تكون لديهم نية في إثارة ملفها أمام مسؤوليهم. ومع ذلك، كان الاستثناء من بعض الفاعلين الجمعويين الذين استنكروا بشدة هذا الواقع، مبدين بالغ قلقهم من أن يزحف الشبح الإسمنتي على تلك الهكتارات ليحولها إلى إقامات سكنية على غرار الكثير من سابقاتها التي نُهبت على مرأى ومسمع الجميع. وليس هذا فحسب، فقد كان من بين ما عاينته "أنفاس بريس" وجود آثار قضاء ليالي خمرية لمنحرفين بذلك المحيط، مما يعطي الانطباع بتحول المكان إلى مصدر خوف وتوجس لدى كل من صادفه القدر بالمرور من هناك، طالما أنه صار مرتعا لكل أنواع التسيب والفساد الأخلاقي.

وفي هذا السياق، قال حاتم، البالغ 46 سنة، بأنه لم يعد لنا اليوم عذر جهل دور فضاءات الترفيه في مساعدة الطفل على تنشئة سليمة باعتبارها الملاذ الأنسب لتفريغ شغبه الطفولي. ومن ثمة، تنمية مواهبه والتنفيس عن ضغوطات أسبوع من الدراسة ليجد ذاته بنفسية مستعدة لتحمل التزامات مقبلة. بل الأكثر من ذلك، يسجل هذا الموظف، قد يصير هذا الفضاء عامل استثمار للآباء كمحفز للأبناء من أجل الحصول على نتائج دراسية طيبة "ولما أقول الآباء، تجب الإشارة إلى الامتياز الذي سيتيحه لهم هذا الفضاء على صعيد انخفاض كلفة المصاريف". إذن هي مرامي متداخلة ومتجاهلة في الآن ذاته بين ما هو تربوي واقتصادي وثقافي واجتماعي تضامني، وإن كانت بعنوان ترفيهي. يختم حاتم.

ومن جهتها، شددت غزلان، البالغة 36 سنة، على القول بأنه: "أكاد أجزم بأن الفضاءات الترفيهية بمدينة الدار البيضاء شبه منعدمة. إذ وعلى الرغم من تواجد بعض النقاط المضيئة فإنها لا تلبي حاجيات ساكنة أصغر مقاطعة فبالأحرى المدينة بمجملها. وبالتالي، تبقى الفئات الميسورة هي الأقرب للاستفادة من تلك الفضاءات على ندرتها لما تتطلبه من إمكانيات الوصول إليها"، خاصة، تستطرد ربة البيت هاته، أن الكثير منها يقع بأماكن ضاحوية ولا يصل النقل العمومي إلى معظمها. ناهيك عن أثمنتها المرتفعة إن كانت لتذكرة الدخول أو للألعاب أو المأكولات أو المشروبات. مشيرة إلى ما تعتبره المسؤولية التي يتحملها المنتخبون في تكريس هذا الواقع، وذلك بعدم إيلاءه العناية اللازمة بفعل إهماله على مستوى النقاشات والبرامج العملية.

هرمنا من هذا الواقع.. فهل من منقذ؟

لم يعد لنا فضاء نجلس فيه مع أبنائنا، وحرمنا من الاستمتاع بخضرة الحدائق، تقول أمال، سيدة في الأربعين من عمرها، وهي تتأسف على عدد من المنتزهات التي كانت الملاذ الوحيد للأمهات وأبنائها. لتوضح بأن المدينة تنقصها فعلا متنفسات خضراء يمكن للمواطنين أن يستمتعوا بها في ظروف ملائمة، حتى أن الوضعية تتأزم سنة بعد أخرى، وخاصة بعد أن فوتت مجموعة من القطاعات إلى شركات لتسييرها. وفي خضم هذا التحول في الاستراتيجية المتبعة، تساءل عدنان، البالغ 39 سنة، موظف، قائلا: "الملاحظ هو كون حتى في حالة وجود تلك الفضاءات فإنها غالبا ما تعاني ضعفا في تجهيزاتها، وتفتقر لأبسط شروط الراحة، ناهيك عن سوء التدبير واستغلال الموارد البشرية". ليتساءل عن من له القدرة والشجاعة أيضا على إنقاذ البيضاويين من قبضة واقعهم البيئي المختنق؟، طالما "أننا هرمنا في ظل سوداوية الأجواء، والخوف كل الخوف أن يهرم أبناؤنا تحت وطأته".

هذا، وكانت "أنفاس بريس" قد وقفت من خلال معاينتها للعديد من "المنتزهات" على حالتها السيئة، والتي تعكسها الأعشاب اليابسة والكراسي الصدئة، دون الحديث عن عامل الأمن المهتز بفعل عشرات المتشردين والمنحرفين الذين يحتلون جنبات تلك الفضاءات. مما يتسبب، حسب شهادة عبد القادر، متقاعد، في عزوف المواطنين عن ولوجها. ويضيف هذا الرجل البالغ 65 سنة، أنه كان في وقت سابق يصطحب أبناءه إلى حديقة عين السبع أسبوعيا، غير أن واقع الحال راهنا لم يعد يشجعه على ذلك لما آلت إليه مرافقها التي طالها النسيان والإهمال.

أما عبد الغني، أستاذ، فقد ذكر بأن زيارة معظم الحدائق البيضاوية والتجول في ممراتها، يعطي الدليل على غياب المرافق التي تسمح بالترفيه عن الرواد، ولا تتضمن أي تخطيط محكم لمجالها "إذ لا نجد أي فسحات خاصة بالأطفال تخول لهم اللعب دون المساس بالعشب والنباتات، كما لا نعثر على زوايا للمطالعة وأخرى للعجزة، وثالثة للرياضيين. بل حتى الماء الشروب والمراحيض لا تجد لها مكانا هناك". وتكملة لما أفاد به زوجها، نبهت فوزية، أستاذة، إلى أن ما يُعقد الوضع أكثر هو التزايد المهول الذي تشهده المدينة بشأن أسطول النقل الذي ينفث سمومه بسخاء، والمصانع التي لا تتوقف عن تلويث الأجواء. مستفسرة عما "إذا كان سيفتح أبناؤنا أعينهم على الجدران الإسمنتية فقط. وهل ستصبح الدار البيضاء معملا أكثر منها وسطا إيكولوجيا. وما أخشاه هو أن تغدو مدينتنا بعد عشر سنوات،  تُؤرَّخ بالأزبال والتلوث في وقت تؤرخ فيه مدن البلدان الديمقراطية بالفن والمعمار والبيئة السليمة".

 

محمد برزوق، مهتم بالشأن المحلي

لا داعي للتستر وراء غياب الموارد المالية التي نعلم أين تصرف..

تعتبر هذه الهبة الملكية واحدة من المشاريع المهمة بمدينة الدارالبيضاء التي لم ترى النور مند سنوات، والتي هي عبارة عن مئة هكتار أراد من خلالها الحسن الثاني رحمه الله خلق متنفس أخضر لسكان العاصمة الاقتصادية، خاصة ما وراء الطريق السيار. والمثير هو أن هاته الهبة الملكية فتحث شهية عدد من "المنهشين" العقارين من أجل تحويلها إلى عمارات سكنية، بعد أن نجت من إنجاز مشروع الملعب الكبير.. إن ساكنة الدار البيضاء في حاجة ماسة إلى تنفيذ هذا المشروع في أقرب وقت ممكن حتى ينعم السكان بمساحات خضراء. مع العلم أنه من المبرمج أن يحتوي على حديقة للحيوانات وألعاب الأطفال، فضلا عن مطاعم وملاعب لـ"التنس" والكرة الحديدية وحلبة لألعاب القوى. ولن أخفي بأنني كنت أتمنى أن أتمتع يوما باللعب في هاته الهبة الملكية، لكن مع الأسف لم يتم ذلك، لتنتقل الأمنية إلى ابنتي التي أرجو أن تستفيد منها. فهي الآن تعبث وسط الأعشاب والأحجار والأزبال، بدل أن تلهو وأقرانها من أبناء هاته الأحياء في جو صحي وجيد تلفه الأغراس والأشجار ومختلف الألعاب.

إن المسؤولين عن تسيير الشأن المحلى بالدار البيضاء من الواجب عليهم إخراج هذا المشروع إلى حيز التنفيذ بتعاون مع وزارة البيئة ووزارة الداخلية، وأن يطلق على هذا المشروع منتزه "المرحوم الحسن الثاني"، لأنه عندما قدم هاته الهبة لسكان الدار البيضاء خاصة شرقها، كان يعرف بأن المدينة ستعرف توسعا عمرانيا شرقا وغربا، وأن الإسمنت سيزحف على عدد من المساحات الفارغة.

وبكل صدق، لدي رغبة كبيرة في أن أصطحب أبنائي يوما إلى هاته الهبة الملكية بعد إتمام ما أنجزت لغايته وما أراده منها المرحوم الحسن الثاني. فالمساحة ليست بالهينة (100 هكتار)، وفي موقع مهم. بقيت فقط الحاجة إلى إرادة قوية من أجل الإسراع لزرع الروح بها عاجلا، وعدم الاختفاء وراء غياب الموارد المالية التي نعرف جيدا توافرها، ولا تصرف سوى في قضاء المصالح الخاصة.

فدوى.. اللعب بجمع الحلزون في انتظار يقظة مدبري الشؤون..

وهي في سن الخامسة، استيقظت فدوى صباح السبت الماضي حيث عطلتها الدراسية وكلها أمل في أن تأخذها أيدي الأب إلى فضاء ترفيهي تربوي يشحنها بما يمكن أن تواجه به يومياتها التعليمية المقبلة. غير أنه كان منية ذاك التمني بعد أن التفت الوالد يمينا وشمالا ولم يجد في ذاكرته مكانا يستوفي مطلب ابنته، سواء من حيث القرب أو الجودة أو التكلفة، وكل ما مال إليه قراره الأخير هو مصاحبتها إلى هذا المكان الفسيح، تحت شمس "دجنبرية" حارقة، والمؤشر (أي المكان الفسيح) على كل ما يوحي بعبرة مَلِك وقلة اعتبار مسؤولين أبوا إلا أن يعملوا جاهدين على نسف تطلعات ياما ترقبها المواطنون المحرومون بفارغ الصبر، لكن دون أن تجد لها صدى. والنتيجة، سقوط هذه الطفلة في إغراء مجموعة من "الحلزون" لتنشغل في جمعها ولو أنها على غير دراية بأن المساحة التي تبعد عنها بأمتار قليلة وُجدت لها ولأمثالها ربما حتى قبل أن يقترن أبواها. غير أن المسؤولين عن تدبير شؤونها كان لهم رأي آخر، ولسان حالهم يقول:"مصالحنا.. مصالحنا.. وليأتي من بعدها تسونامي مصالح العموم".