رسالة لوزير الأوقاف القادم: حتى لا تتحول فاس من منبت ملوك المغرب إلى منبت الأصوليين

رسالة لوزير الأوقاف القادم: حتى لا تتحول فاس من منبت ملوك المغرب إلى منبت الأصوليين

ووقعت الفتنة بمدينة فاس، وليس لوقعتها كاذبة؛ إذ أضرب المصلون عن صلاة الجمعة بمسجد يوسف بن تاشفين، احتجاجا على توقيف الإمام محمد أبياط.

خطورة الموضوع لا تكمن في الاحتجاج على تأديب إمام متمرد على خطب وزارة الأوقاف، أو "فقيه" يطمح إلى زعامة دينية عبر لعب دور "ابن حنبل" في فيلم من إخراج حزب البيجيدي. بل الخطورة تكمن أساسا في الإضراب عن ممارسة شعيرة دينية يتوجه عبر المسلم إلى خالقه إرضاء لمخلوق ارتأى مسؤولوه الإداريون (وزارة الأوقاف) أن يخضعوه للتأديب والتوقيف.

فبصرف النظر عن التوبيخ الذي تعرض له هذا الإمام الذي أطلق حبله على الغارب ليخنق كل من يخالفون "حركة التوحيد والإصلاح" الرأي، بصرف النظر عن مواقفه وخطبه التي لا "عقل" لها ولا كوابح، والتي تعلن عداءها للعلمانيين والحداثيين واليساريين، والتي تفسر النوائب بالخوارق والغضب الإلهي.. بصرف النظر عن كل ذلك، هل يعقل أن يتم الإضراب عن الصلاة، من أجل الضغط على الوزارة لتعيد الإمام الموقوف إلى منبره، ومع ذلك قبلة فوق الرأس!؟

لقد أقدمت "حركة التوحيد والإصلاح" على سابقة خطيرة بالانخراط في إضراب عن الصلاة. وهو مؤشر على التنازع مع إمارة المؤمنين على الحقل الديني، ومؤشر على رغبة أكيدة في السيطرة على المساجد، وتعيين الأئمة التابعين للحركة، وتركيزهم في مواقعهم، بغاية الانقضاض على الأمر.

فلم يكف هذه الحركة السيطرة على الإدارة والحكومة والبنوك الإسلامية والجمعيات، بل أكدت عبر هذه الخطوة الخطيرة أن مسعاها أكبر وأخطر، وأن الحقل الديني، وهو بنية مفصلية تتحكم فيها الدولة لتسهيل الحكم، هو المشروع الذي سيتمم لها السيطرة الشاملة على المغرب والمغاربة.

إن الإقدام على الاحتجاج داخل المساجد والإضراب عن الصلاة يعتبران استفزازا لإمارة المؤمنين، وإعلان حرب لا هوادة فيها على الملك. وهذا يحدث في لحظة يباشر فيها أحمد التوفيق مهام وزارة الأوقاف، علما أنه هو الوزير الذي مكَّن لحركة التوحيد والإصلاح، وسهل مأموريتها في الانقضاض على المساجد، وفي إبراز زعامات دينية لا يربطها بالعلم والفقه إلا الخير والإحسان.

 لقد حذرنا كثيرا من زواج المتعة بين وزارة الأوقاف وحركة التوحيد والإصلاح، وبيننا غير ما مرة خطورة هذا الزواج على الدولة، وعلى إمارة المؤمنين، وعل التعددية والحداثة والاختلاف. فعلى وزير الأوقاف القادم أن يكون في مستوى المسؤولية الملقاة على عاتقة، وأن يطهر عتبة بيته من أمثال هؤلاء المخربين ودعاة الفتنة والإضراب على ممارسة الشعائر الدينية، انطلاقا من مبدأ النصرة والولاء..