عبد السلام بوطيب : ما حدث بالحسيمة يبرز العلاقة المختلة بين الإدارة و المواطن ويعكس هذه التخوفات

عبد السلام بوطيب : ما حدث بالحسيمة يبرز العلاقة المختلة بين الإدارة و المواطن ويعكس هذه التخوفات

يرى عبد السلام بوطيب، رئيس مركز الذاكرة المشتركة من أجل الديمقراطية والسلم أن قرار المركز تنظيم ندوة وطنية مشتركة الى جانب المنظمة المغربية لحقوق الإنسان يوم 10 دجنبر تحت عنوان: المؤسسة والمواطن: أي تفاعل ممكن؟ تندرج في سياقما يعرفه المغرب من وقائع وأحداث أعادت طرح سؤال علاقة المؤسسة بمعناها الرسمي، ومعناها السياسي والمدني والنقابي والثقافي، بالمواطن وبنوعية التفاعل المجسد في الممارسات والسلوكات، مشيرا الى أن ماوقع بالحسيمة هو النموذج الأبرز لهذه العلاقة المختلة بين الإدارة و المواطن، وهي اختلالات كان تقرير هيئة الإنصاف و المصالحة قد رصدها بدقة ، واقترح سبل معالجتها، محملا المسؤولية لمن عمل على تجميد هذه التوصيات .

+ما الداعي الى تنظيم ندوة حول موضوع التفاعل بين المؤسسات والمواطن ؟

++تعرفون جيدا أن صيرورة بناء دولة الحق تنبنى أساسا على استدامة الحوار بين جميع الفرقاء المتدخلين في الشأن العام للمواطنين، من هنا فالدعوة إلى هذه الندوة جاء :
أولا ،تقديرا منا ، و من الإخوة في المنظمة المغربية لحقوق الإنسان لأهمية الحوار في كل القضايا الوطنية ذات الصلة بحقوق المواطنين و واجباتهم؛
ثانيا، اقتناعا منا بقيمة التداول في قضايا الشأن العام بين مختلف الفاعلين المدنيين، والأكاديميين، والإعلاميين ،والسياسيين والنقابيين، والمؤسسات الرسمية التي خول لها الدستور السهر على تفعيل ما يضمن للمواطن كرامته وحريته ويحقق مواطنته الفاعلة والإيجابية؛
ثالثا، تفعيلا منا للأدوار التي تعكسها الأهداف المؤطرة لعملنا؛ وانخراطا منا في كل ما يمكنه أن يساعد على تقديم أجوبة حقيقية، وعقلانية، وحقوقية عن القضايا التي تشغل المواطنين في إطار مقاربة تؤمن بأن الحقيقة نسبية، وأن الاجتهاد في إبرازها مهمة جماعية يساهم فيها المسؤول الحكومي، والمؤسسات الرسمية، والمناضل الحقوقي، والباحث الأكاديمي، والفاعل المدني والإعلامي. مع ما يتطلبه ذلك من تشارك في مسار القرارات والمواقف التي تسمح بمعالجة الاختلالات وتقييدها بالقانون، وروح المواطنة الحقة.

+ ماهي أبرز المؤشرات التي سجلتموها في هذا الإطار وهل هناك فعلا ما يدعو للتخوف ؟

++ما وقع بالحسيمة هو النموذج الأبرز لهذه العلاقة المختلة بين الإدارة و المواطن، حيث جسدت النموذج الأمثل لطبيعة هذه العلاقة غير المبنية على التراكم الإيجابي الذي حققته البلاد، و الذي تطلب منا نحن المغاربة جهدا استثنائيا. الا أنه من المؤسف أنها ليس الحالة الوحيدة ، بل هناك وقائع وأحداث كثيرة أعادت طرح سؤال علاقة المؤسسة بمعناها الرسمي، ومعناها السياسي والمدني والنقابي والثقافي بالمواطن وبنوعية التفاعل المجسد في الممارسات والسلوكات، والتفاعل المأمول و "الممكن" الذي سعى المغرب إلى تقوية جرعاته منذ تسعينيات القرن الماضي.
المواطنون يعرفون اليوم جيدا ، أن حماية حقوقهم المكتسبة ضروري جدا ، وذات أهمية اكبر من النضال على حقوق جديدة ، لذا تراهم اليوم يبدعون أشكالا نضالية جديدة لرفض ممارسات تعيد عقارب الزمن إلى مرحلة اجتهدت مختلف المؤسسات من أجل ضبط مسارها على إيقاع الحقوق والواجبات، والمسؤولية والمحاسبة .
من وجهة نظري ، أرى أن ليس هناك تخوف، لكن من الضروري اليوم أن نحيي جميعا الآمال التي زرعناها في أنفسنا غداة زمن الإنصاف و المصالحة، و أن نعتمد كثيرا على الذكاء الجماعي للمغاربة.و ألأهم أن نطلب ، اليوم قبل الغد، بمؤسسة تسهر على حماية الحقوق المكتسبة، لحمايتها من أي انتكاس مهما كان الظرف السياسي.

+أشرتم ومن خلال مأساة الحسيمة ان علاقة بين المؤسسة والمواطن غير مبنية على التراكم الإيجابي ؟ هل هذا يعني وجود محاولات لإقبار توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة والعودة بالمغرب الى زمن سنوات الرصاص ؟

++أحداث الحسيمة، ليست محاولة لإقبار توصيات هيئة الإنصاف والمصالحة والعودة بالمغرب الى زمن سنوات الرصاص، بل هي أحداث عكست طبيعة الاختلالات في العلاقة بين المواطن و الإدارة ، وهي اختلالات كان تقرير هيئة الإنصاف و المصالحة قد رصدها بدقة ، واقترح سبل معالجتها، لذا فالمسؤولية يتحملها من عمل على تجميد هذه التوصيات .
كما أن الاحتجاجات التي رافقتها عكست حجم التخوفات التي تسكن المواطن على حقوقه في ظل استقالة تامة للمؤسسات التي من واجبها تأطير المواطنين، و وجود المؤسسات المسنود إليها لعب دور الوساطة بين الدولة و المجتمع في حالة شرود، و هذا الخوف هو الذي يولد حالات الاحتقان، و يفجر احتجاجات يتداخل فيها المطلب السياسي بالحقوقي بالاقتصادي والاجتماعي.
و في اعتقادي أن لهذا الأمر علاقة مع ما عرفه المغرب عقب ما سمي بالربيع العربي ، السئ الذكر، فنتائج هذا "الربيع العربي" مغربيا ، هو إغلاق قوس إشاعة حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا و ثقافتها ، و بناء دولة الحق و القانون ، التي تحمي المواطنين من كل أشكال العنف ، و التي أوصت بها توصيات هيئة الانصاف و المصالحة.و من هنا يمكن فهم دعوة الأمين العام لحزب العدالة و التنمية و مريدوه بعدم الخروج الى الشارع احتجاجا على مقتل شهيد "الحكرة" ، الذي هو بالنسبة لي شهيد التراجع على مسلسل الإنصاف و المصالحة . و من هنا سأجدد طلبي الداعي الى المطالبة اليوم قبل الغد، بمؤسسة تسهر على حماية الحقوق المكتسبة، لحمايتها من أي انتكاس مهما كان الظرف السياسي.
و بالرغم من ذلك فأنا من المؤمنين أن بناء دولة الحق صيرورة طويلة و معقدة، و تتطلب تظافر جهود الجميع – مع وضوح كبير في الرؤية ، لذا أعول كثيرا على ندوة الرباط المقبلة التي سوف تشارك فيها مؤسسات رسمية، وهيئات حزبية، ونقابية ومنظمات مدنية، وباحثون أكاديميون، وإعلاميون بهدف توظيف الذكاء الجماعي لفتح حوار وطني مسؤول، يتجاوز لغة المجازات والخشب،ويتعامل مع القضايا الحقيقية بمقاربات حقيقية تتجاوز العلاج الموضعي لكي تخرج بتوصيات للمساهمة في معالجة هذه الاختلالات و النظر في سبل العودة إلى روح تجربة الإنصاف و المصالحة .و البدء في التطبيق الفعلي و السريع لتوصيات هيئة الانصاف و المصالحة .