أكد سعيد الصديقي، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة العين للعلوم والتكنولوجيا بأبو ظبي، أن الموقف الكويتي والقاضي بعدم الإنسحاب من القمة العربية - الإفريقية بخلاف باقي دول مجلس التعاون الخليجي، لا يعني حدوث تحول في موقف الكويت المبدئي من قضية الصحراء، بل هو مجرد حدث عابر أملاه الحرج الدبلوماسي الذي وجدت الكويت نفسها فيه. مضيفا ومن جهة أخرى في حوار مع "الوطن الآن" أن الوضعية السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر به مصر أثرت كثيرا على سياستها الخارجية التي تعيش اضطرابا غير مسبوق في مواقفها..
ما تعليقك الموقف الكويتي المفاجئ والقاضي بعدم الإنسحاب من القمة العربية - الإفريقية بخلاف باقي دول مجلس التعاون الخليجي والذي يتنافى مع الاتفاقية المبرمة بين المغرب ومجلس التعاون الخليجي ؟
لابد من الإشارة في البداية إلى أن هذا الحدث لا يعني حدوث تحول في موقف الكويت المبدئي من قضية الصحراء، بل هو مجرد حدث عابر أملاه الحرج الدبلوماسي الذي وجدت الكويت نفسها فيه. إذا كانت هذه الإشارة تفسر إلى حد ما عدم انسحاب الكويت من القمة، فإنها لا تبرره، لاسيما وأن المغرب ظل دائما متوافقا في سياسته الخارجية مع دول الخليج عموما وعلى رأسها دولة الكويت في مختلف القضايا الإقليمية.
إن ترأس الكويت للدورة الأخيرة للقمة العربية الإفريقية التي انعقدت قبل ثلاث سنوات ومساهمتها في الإعداد لهذه القمة بغينيا الاستوائية أوقعا الكويت في هذا الموقف الحرج. فمن جهة تتحمل الكويت المسؤولية في عدم الاعتراض على وجود راية ما يسمى (الجمهورية الصحراوية) داخل قاعة المؤتمر خلال مرحلة التحضير للقمة، ومن جهة أخرى لا تستطيع دولة من خارج منظمة الاتحاد الافريقي أن تفرض إقصاء عضو كامل العضوية من الحضور أو على الأقل من وضع رايته في قاعة المؤتمر. لذلك أرى أن تسليط الضوء إعلاميا وسياسيا على هذا الموقف السلبي العابر للكويت أخذ حجما أكثر مما يستحق.
المغرب كان دائما مساندا للكويت على مر التاريخ سواء إبان الغزو العراقي للكويت أو أثناء حدوث عدد من القلاقل الداخلية والذي كانت له كلفة سياسية واقتصادية ، فلماذا تخلفت الكويت عن دعم الموقف المغربي بعدم استضافة البوليساريو التي ليست عضو في الأمم المتحدة في تناقض مع ما تم تكريسه في القمم السابقة ؟
كانت هذة القمة بين الدول العربية ومنظمة الاتحاد الإفريقي التي تتمتع فيه (الجمهورية الصحراوية) بعضوية كاملة، وليس في ظل منظمة الأمم المتحدة. فإلى جانب الدعم المغربي الدائم للكويت سياسيا وحتى عسكريا كما حدث في أعقاب غزو العراق للكويت في 1990، فإن المغرب أيضا كان ولا يزال يحظى بدعم غير مشروط من الكويت في مختلف قضاياها وعلى رأسها قضية الصحراء، لذلك لا يمكن لمثل هذا الحدث العابر أن ينسينا ما قدمته دول الخليج عموما ومن ضمنها دولة الكويت للمغرب في مختلف المراحل الصعبة التي مر بها اقتصاديا وسياسيا.
ماذا عن الموقف المصري المتذبذب في دعم القضية الوطنية، هل يعود ذلك الى حسابات ذات طابع استراتيجي فيمات يخص العلاقة مع بلدان الخليج ؟
الوضعية السياسية والاقتصادية الصعبة التي تمر به مصر أثرت كثيرا على سياستها الخارجية التي تعيش اضطرابا غير مسبوق في مواقفها، ولعل تقاربها مؤخرا مع روسيا وإعلان دعمها لنظام بشار الأسد في سوريا في تناقض تام مع مواقف دول الخليج التي كانت المساند الأساسي للانقلاب العسكري الذي حدث في مصر في 2013، يظهر هذا المستوى الكبير من الغموض والاضطراب اللذين يطبعان السياسة الخارجية المصرية الحالية. وتفسر هذه الوضعية أيضا إلى حدما حضور وفد البوليساريو في اللقاء الذي جمع بين البرلمان المصري وبرلمان عموم إفريقيا (الذي يتكون من برلمانات الدول الأعضاء في الاتحاد الرفريقي) الذي عقد في شرم الشيخ في شهر أكتوبر الماضي، والذي أثار ضجة إعلامية كبيرة في المغرب.
في الحقيقة لم يكن المغرب قط يأمن جانب الأنظمة العسكرية، لذلك يبدو أن المغرب يحاول ألا يدخل في صدام مباشر مع مصر خلال هذه المرحلة التي يهيئ فيها انضمامه إلى منظمة الاتحاد الإفريقي، لاسيما وأن مصر لا تعترف بما يسمى (الجمهورية الصحراوية) وتتعامل معها كأمر واقع باعتبارها معا عضوين في منظمة إقليمية واحدة.
ومن جهة أخرى لا بد أن نستحضر التوتر الذي حدث بين مصر ودول الخليج لاسيما السعودية خلال الشهور الأخيرة، والذي قد يرخي بظلاله على العلاقات المغربية المصرية لاسيما وأننا نعيش في عالم مركب وتتداخل فيه القضايا لاسيما على المستوى الجهوي، مما يجعل من التقارب الذي صرنا نلاحظه بين النظامين المصري والجزائري بسبب حاجة مصر للنفط الجزائري بعدما أوقفت السعودية حصتها من الدعم الذي كانت تقدمه لمصر يفسر لنا جزئيا هذا التذبذب والغموض في الموقف المصري تجاه قضية الصحراء.
ماهو المطلوب من الدبلوماسية المغربية سواء منها الرسمية أو الموازية لمواجهة ما حدث من مفاجآت خلال القمة العربية الافريقية علما أن دولة مثل الصومال التي لاتربطنا بها أية علاقة تعاطت بشكل ايجابي فيما يخص الوحدة الترابية للمغرب ؟
ما حدث في قمة غينيا الاستوائية الأخيرة ليس كافيا رصم صورة كاملة على طبيعة العلاقة التي تربط المغرب بمختلف الدول العربية والافرقية، لكون (الجمهورية الصحراوية) تتمتع بصفة العضوية في منظمة الاتحاد الافريقية.
فقد حصلت البوليساريو على هذه العضوية في ظل اختلال لموازين القوى السياسية في القارة الإفريقية في غير صالح المغرب آنذاك والذي أدى به إلى الانسحاب من منظمة الوحدة الإفريقية. لكن مع تغير ميزان القوى خلال العقود الأخيرة، واستعادة المغرب لموقعه في إفريقيا لاسيما في غرب القارة، وبدأه لاستراتيجية جديدة لتعزيز علاقته بدول دول جنوب وشرق القارة، فإننا بدأنا نشهد مرحلة جديدة من السياسية الخارجية المغربية تجاه القارة الإفريقية قد تتكلل باستبعاد (الجمهورية الصحراوية) من هذه الاتحاد الإفريقي خلال السنوات القادمة.
يبدو أن المغرب يسير في سياسته الخارجية تجاه القارة عبر مراحل، فبعد استعادته لحضوره في القارة خلال نشاط دبلوماسي مكثف في السنوات القليلة الأخيرة بالموازاة مع دبلوماسية اقتصادية مهمة، لينتقل حاليا إلى مرحة أخري والمتمثلة في بدأ إجراءات الانظمام إلى الاتحاد الافريقي. وبعد هذا ستدشن الدبلوماسية المغربية مرحلة جديدة من استراتيجيته ضد الأطروحة الانفصالية من داخل مؤسسات الاتحاد الإفريقي.
ويعتبر انسحاب الدول العربية الثمانية من هذه القمة رسالة مهمة للدول الإفريقية مفادها أن استمرار تمتع (الجمهورية الصحراوية) بهذه العضوية داخل الاتحاد الافريقي ستكون له كلفة سياسية واقتصادية كبيرة، وستسبب للدول الافريقية مشاكل كثيرة مع المغرب وحالفائه داخل القارة وخارجه.
ويظهر هذا الحدث أيضا أن الدبلوماسية المغربية ستتسعمل مختلف أوراقها لطرد جبهة البولسيارو من الاتحاد الافريقية بما في ذلك الاستعانة بنفوذ شركائه من خارج القارة الافريقية وعلى رأسهم دول الخليج التي تتجه لتوسيع استثماراتها الاقتصادية في إفريقيا وتوسيع علاقتها التجارية مع دول القارة.