من المؤكد أن الأعاصير والأمطار الطوفانية والفيضانات المصاحبة لها أصبحت السمة البارزة لتقلب أحوال الطقس والمناخ، وكشفت الأرقام الرسمية أن حدة الفيضانات تزايدت بشكل مهول في مختلف جهات المغرب، كان آخرها ما عرفته الأقاليم الصحراوية (العيون، فم الواد،...) وبعض المدن الداخلية بالجنوب وبجهة مراكش أسفي (إقليم اليوسفية نموذجا) من أمطار طوفانية صاحبتها فيضانات لم تصمد أمامها هشاشة التجهيزات والبنيات التحتية المتآكلة، وأغرقت مدنا وقرى، مخلفة خسائر مهولة في الاقتصاد الوطني تعد بالملايير دون الحديث عن تكلفة الخسائر البشرية والمادية والنفسية، التي تتكبدها ذات المناطق.
انطلاقا من هذه المعطيات طرحت "أنفاس بريس" عدة أسئلة مشروعة عن الأسباب الحقيقية التي تؤدي للفيضانات، ومن يتحمل هذه المسئولية؟ ولماذا لم تتمكن الدولة ومؤسساتها المعنية من مواجهة أخطار هذه الفيضانات المنتشرة نقطها السوداء كالفطر عبر ربوع المملكة؟ وما هي الحلول الممكنة لمواجهة ظاهرة الفيضانات وخسائرها الفادحة كلما ازداد منسوب منبع الأنهار بفعل الأمطار العاصفية؟
"أؤكد لكم بأن هناك دراسات تقنية ووثائق علمية مهمة وخرائط مدققة تخص كل النقط السوداء التي تعرف فيضانات دورية بفعل منسوب المياه، عبر ربوع المملكة اشتغلت عليها مؤسسات الأحواض المائية بمختلف الجهات"، يقول أحد المختصين في المجال البيئي، موضحا أن الإشكال يتعلق بنوع من الإهمال واللامبالاة داخل الإدارة المغربية والمؤسسات بمختلف تخصصاتها التي تتقاطع مع الظاهرة، مضيفا بأن الفراغ والثغرات المتواجدة بالقانون يتم استغلالها من طرف أصحاب القرار ولوبيات العقار والمؤسسات المنتخبة وبعض المستثمرين عند برمج مشاريعهم الاقتصادية والاجتماعية والبيئية والثقافية، ولا تأخذ بعين الاعتبار ظاهرة الفيضانات كمعطى بنيوي أضحى يشكل خطرا وتهديدا بمجموعة من المناطق. وفي هذا السياق أعلن ذات المتحدث لـ "أنفاس بريس" تحديه للمسئولين بوزارة النقل والتجهيز إن كانوا قد استحضروا في مشروع الطريق الرابطة بين أسفي ومراكش مثلا معطى فيضان الأنهار والوديان، متسائلا "هل يمكن لذات الطريق التي أنفق عليها غلاف مالي ضخم وتم إنجازها بتلك الطريقة، أن تتحمل فيضانات محتملة سواء اليوم أو على المدى القريب أو المتوسط؟؟".
واستحضر محاورنا فضيحة المشاريع الاقتصادية الضحمة التي تم رصدها بمدينة طنجة، والتي تم إنجازها بمناطق مجرى الأنهار والوديان حيث دمرتها الفيضانات في رمشة عين مخلفة خسائر مادية مهولة، نفس الشيء وقع لمعامل لاسمير التي كانت تضم أكبر مخزون للبترول بمدينة المحمدية حينما كادت الفيضانات أن توقع خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات ذات سنة ممطرة، دون أن ينسى ما وقع للمواطنين بعدة تجزئات سكنية سواء بمدينة الجديدة أو ما يقع الآن بمدينة أسفي بإحدى التجزئات التي شيدت داخل مجرى الوديان والأنهار أمام أنظار كل المؤسسات المعنية بذلك. واستغرب في هذا الشأن كون أن القانون لا يحمي المواطنين الذين يتعرضون للنصب والاحتيال أثناء شرائهم لمنازلهم ببعض التجزئات التي تتربع على مجاري الأنهار والوديان، ولا يتم تعويضهم من طرف المضاربين والمنعشين العقاريين الذين يشيدون التجزئات السكينة بمناطق تعرف فيضانات دورية.
واعتبر ذات المصدر أن التكلفة المالية لإنجاز القناطر الضخمة والقنوات تحت أرضية، وتوفير سبل مرور مياه الفيضانات خارج المناطق المأهولة بالسكان، أو بعيدا عن الطرق الوطنية والثانوية، وبعيدا عن العقارات التي ستعرف مشاريع متنوعة وتقع على عرش الوديان والأنهار، تعتبر تكلفة مالية ضخمة في نظر المستثمرين بمختلف أصنافهم، وفي نظر الدولة كذلك، ومن يدبر شأننا الوطني والإقليمي والجهوي، من مؤسسات منتخبة وإدارية وترابية، ما يجعل الجميع يغض الطرف على التعامل مع خرائط الأحواض المائية المنجزة لهذا الغرض. هذا وخلص محاورنا إلى أن المسئولية يتحملها صاحب القرار الذي مازال لم يستوعب أن ظاهرة الفيضانات أضحت معطى بنيوي وجب التعامل معه بقوة القوانين المنظمة التي تكفل الحقوق والواجبات بشكل واضح لا لبس فيه.
ووفق تصريحات المصدر نفسه فقد عدد الكثير من الأسباب التي تساعد على تنامي ظاهرة الفيضانات وذكر منها بالخصوص استفحال مشكل تدهور الغطاء النباتي، والتدمير الوحشي للغابات. وقال "علميا المياه تتجدد بفعل الدورة المائية الطبيعية كل سنة، لكن التربة الخصبة للأراضي الفلاحية لا يمكن تجديدها بفعل الانجراف بسبب القضاء على الغطاء النباتي بجانب منبع مجاري الوديان والأنهار، واقتلاع الغابات والنباتات التي تعيش بالقرب منها". مضيفا أن "كل الفيضانات التي عشناها مؤخرا في المغرب، تجرف معها التربة من الأراضي الفلاحية على قلتها بالمغرب (تشكل 10% من مجموع الأراضي المتنوعة)، وتحولها إلى أوحال تسافر عبر مجاري الوديان وتتسبب في خسائر مادية وبشرية، وتغرق الطرقات والأزقة والشوارع وتقتحم حتى البيوتات والمساكن والأكواخ".