الفرق شاسع بين "لوغو" كازا وأمستردام وسانغفورة... وإليكم الدليل

الفرق شاسع بين "لوغو" كازا وأمستردام وسانغفورة... وإليكم الدليل

عندما شاعت تقنية الإنترنت بين الناس، تم تعريفها بالطريق السيار نحو المعلومة، وتمَّ أيضا وصفها بالقادرة على تحويل العالم لقرية صغيرة، وعندما تمَّ يوم الاثنين 24 أكتوبر 2016 بفندق بالبيضاء صباحا، إعطاء الانطلاقة للعلامة الترابية لمدينة الدار البيضاء من طرف مدير "شركة الدار البيضاء للتظاهرات" بحضور رئيس جماعة الدار البيضاء عبد العزيز عماري ومنصف بلخياط نائب رئيس جهة الدار البيضاء سطات والكاتب العام لولاية الدار البيضاء السيد زين العابدين لزهر، بحضور نواب رئيس مجلس الجماعة حكيمة فصلي وعبد المالك لكحيلي، تمَّ وصف هذه العلامة بعد تداولها من طرف رواد الفايسبوك بالعادية جدا، وبأنها لا ترقى لتاريخ ومكانة مدينة "كازا بلانكا"، وتم أيضا نعتها بالغالية الثمن، إذ تداول المغاربة أن ثمنها بلغ 300 مليون سنتيم، حصلت عليها الشركة ومرَّرَت إنجاز "اللوغو" لوكالة إشهار فرنسية.. ومن المعروف أن كلمة "كازا بلانكا" عبارة استعملها البحارة البرتغاليون خلال القرن 15 الميلادي  للدلالة على المدينة التي كانت تسمى قبل ذلك "أنفا". وقد أطلق وصف "الدار البيضاء" على العاصمة الاقتصادية، بسبب منزل بلون أبيض، كان يساعد البحارة البرتغاليين على تحديد موقعها في مسار رحلاتهم.

وقد جاءت تعليقات رواد الفايسبوك ساخطة على العلامة الترابية لـ "كازا"، التي تبتدئُ بالضمير المنفصل نحن باللغة الإنجليزية (we)، الخاص بالمتكلمين، Wecasablanca، بمعنى نحن الدار البيضاء.. لكن يبدو أن الذين برزوا وهم يعانقون "اللوغو" كانوا هم أيضا منفصلين عن البيضاويين، حيث جاءت التعليقات بالفايسبوك بأسلوب ساخر ومتهكم ورافض لطريقة إنجاز "اللوغو" وغير منسجمة مع تطلعات نشطاء الفايسبوك البيضاويين.

ومن تداعيات الحدث، أن برز مؤخرا ودائما على الفايسبوك طرح مدافع عن "اللوغو"، جاء فيه وصف المغاربة بشعب (الكرتيك) أي (الانتقادات)، وحاول هذا التعليق أن يبرِّرَ شكل "اللوغو" وثمنه 300 مليون سنتيم، مُدافعا ودافعا بكون العلامة الترابية ليست علامة عادية، ولها شروط ومعايير ولا يكون "الزواق" معيارا أساسيا لها حسب التعليق المذكور، الذي أضاف أن الثمن 300 مليون سنتيم، لا يخصُّ فقط تكاليف تصميم العلامة الترابية، بل اعتبره التعليق ثمنا لميزانية المشروع كاملا، من تسويق العلامة وترويجها في القطاعات السياحية والاقتصادية والعقارية، حسب التعليق، الذي عوض أن يفكك رمزية وجمالية العلامة انصرف إلى التبرير ارتدى جبة المُحاسب وخبراء الماركوتينغ الترابي، وهو مصطلح جديد يضاف إلى حسنات المجلس الذي يقرر في الشأن الترابي لـ "كازا".. وبدت لغة التعليق وكأنها تمني النفوس التي وراءها، بإسكات الأفواه وتعطيل لوحات مفاتيح الحواسيب، ولكي يُقارن الذين هم وراء هذا التبرير، العلامة الترابية لـ "كازا" مع مدن أخرى، سقط التعليق في فخ إبراز أن "اللوغو" منقول أو مستلهم من علامات ترابية خاصة بمدن عالمية أخرى مثلا "أمستردام" و"سنغافورة" التي تنعتُ بالجمهورية وبالمدينة العالمية.. وقد سقط التعليق أيضا في غفلة من المخططين له في تبيان الفرق الواضح من حيث المغزى والجمالية، بين علامة البيضاء وسانغافورة وأمستردام، حيث عمَّمَ التعليق علامتي مدينة (أمستردام) الهولندية بهذه الصيغة I amsterdam وسنغافورة بـ (يورْسنغفور) بهذه الصيغةYourSingapore ، مكتوبة باللون الأبيض وسط أشكال هندسية بديعة، ولكي نكتشف الرؤية الفنية للعلامتين معا ونقارنهما بعلامة البيضاء، لن نحل محل الذين أبدعوهما، بل سنفكك طريقة إنجازهما كأي مُشاهد لهما، يفترضُ فيه أن يكون مُلمّا ولو بقسط قليل باللغة الإنجليزية.. لنتابع :

في علامة  I amsterdam تمَّ دمج ضمير المتكلم (أنا) باللغة الإنجليزية (I am)  مع (sterdam) بحكم أن "الفونتيك" الخاص بحروف اسم المدينة يتضمن بشكل متداخل ومترابط، ضمير المتكلم باللغة الإنجليزية (آمْ) (I’m) إضافة إلى الجزء الآخر من العبارة وهو (ستيردام)، لذلك أضحت العبارة الخاصة بالعلامة I amsterdam بصيغة "أنا أمستردام" خصوصا بعد فصل ضمير المتكلم (I am) في بداية العبارة الدالة على العلامة باللون الأحمر، فبدا اللوغو بشكل جميل وبدلالة واضحة.

وبالرجوع إلى لوغوYourSingapore، نجد تداخلا بين (your) وتنتمي لـ Possessive adjectives   ويمكن ترجمتها في اللغة العربية بصفات الملكية أي صفات تملك الشيء، إذ عكس الضمائر المنفصلة لا تأتي صفات الملكية لوحدها، بل يجبُ أن يأتي بعدها الشيء المَملوك وهي المدن في العلامات الترابية، فجاءت هذه العلامة YourSingapore بهذه الصيغة الدالة على أن سنغافورة لسكانها أو زوارها ومسييريها وحُكامها، لكن الجميل في هذه العبارة هي تطابق النطق في بدايتها ونهايتها (يُورْ -  بُورْ) بشكل موسيقي (يُورْ.. سينـْغَ .. بُورْ).

لن ندافع على علامة "كازا" لأنها عبارة عن صيغة عادية (نحن الدار البيضاء) ولن نعطي البديل ونفرضه على المسؤولين، لأن البيضاء حافلة بشباب مبدعين وفنانين، يُمكن أن ينجزوا علامة أكثر جمالية وذات مغزى.. لكن جاءت العلامة بدون جمالية بدون تفكيك وإعادة تركيب عبارة "كازا بلانكا" أو "الدار البيضاء" بلمسة فنية، إذ أطلت في حفل بهيج، بدون اجتهاد على المستوى الجمالي أو الموسيقي.

وختاما في مدخل "سانغفورة" سيجد الزوار (سنغافورة لكم) وفي مدخل أمستردام سيجد الزوار (أنا أمستردام)، أما في مدخل الدار البيضاء، عوض "أنا الدار البيضاء" أو "هذه مدينتكم"، سيجد الزائر (نحن الدار البيضاء)، السؤال الموجه لمنتجي "اللوغو": نحن على من تعود؟ بطبيعة الحال على السكان، حكام ومواطنون وسياسيون وفنانون ورياضيون نساء ورجال كبار وصغار، فتيان وفتيات وحتى الأجنة التي لا تزال في بطون الأمهات.. إلخ..، لكن العلامة الترابية لـ "كازا"، أسقطت في صيغتها الأرض والتراب، والمعمار والمعلمات التاريخية والتراث اللامادي لهذه المدينة العريقة وووو إلخ.