هي ثلاثة رسائل أساسية وجهها الخطاب الملكي يوم افتتاح المؤسسة التشريعية، يقول الفاعل الحقوقي الاستاذ مصطفى المانوزي لـ " أنفاس بريس " منها رسالة قوية مرتبطة بضرورة " أن تتحمل الحكومة مسئولياتها واختصاصاتها طبقا للدستور، في العلاقة مع الإدارة والمؤسسات العمومية، من تكوين وترشيد وتجويد للخدمات العمومية، ومن مراقبة ومحاسبة أو مساءلة تأديبية أو جنائية، وهذا مجرد تذكير وتحصيل حاصل، لذلك فالرسالة الثانية، وهي الأهم من حيث أسباب نزول الخطاب الملكي بتلك الحدة " وهذا نص الحوار مع الاستاذ مصطفى المانوزي.
++ بصفتك الحقوقية ، ما هي أهم الخلاصات والاستنتاجات من خطاب الملك يوم الجمعة 15 أكتوبر الجاري بالمؤسسة البرلمانية، والتي يمكن أن تتحول إلى قرارات ملزمة للجميع ؟؟
إن التأويلات التي يمكن أن يقوم بها الحقوقيون لا يمكن إلا تكون إيجابيا، فعنوان كلمة الملك الدستورية لا تخرج عن تحذير عظيم، اتخذ أشكال تلميحية وأخرى تصريحية، فهو إن كان يشير إلى قاعدة « ربط المسؤولية بالمحاسبة » الدستورية، فإنه يتجاوب مع المبدأ الكوني، الذي طالما دافعنا عنه في العلاقة مع مطلب « سن استراتيجية عدم الإفلات من العقاب » كوسيلة لتفادي تكرار الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولأن الحكومة هي المسؤولة، اختصاصا، دستوريا عن تنفيذ السياسات العمومية، في مجال الأمن والتعليم والصحة و كافة الخدمات العمومية، فإنه حان الوقت، بالنسبة للرسالة الأولى، أن تمارس الحكومة اختصاصها كما يحدده الدستور، في العلاقة مع الإدارة والمؤسسات العمومية، من تكوين وترشيد وتجويد للخدمات العمومية، ومن مراقبة ومحاسبة أو مساءلة تأديبية أو جنائية، وهذا مجرد تذكير وتحصيل حاصل، لذلك فالرسالة الثانية، وهي الأهم من حيث أسباب نزول الخطاب الملكي بتلك الحدة، تشخيصا وتأنيبا، فخلال الحملة الانتخابية وبعدها، تسرب خطاب يشي باهتمام بعض الفرقاء بمصير الدولة كخط أحمر، وينذر بما يسمى تجاوز القانون وحدود الصلاحيات الدستورية، من هنا تم الإصرار على أن دور الحكومة ينبغي أن يقتصر على تدبير الشأن العام وتأهيل الموارد البشرية في إطار الوظيفة العمومية، خدمة للمواطنين، بإصلاح الإدارة دون التفكير، حتى، فيما يخص الدولة ومطلب إصلاحها، ما دامت الانتخابات التشريعية تروم انتخاب ممثلي الأمة وليس ممثلي الدولة .
وكحقوقي لا يسعني إلا التشديد على ضرورة فصل الاختصاصات، داخل السلطة التنفيذية نفسها، لأنها برأسين، فالتنافس حول تكريس بعض الشرعيات واحتكارها شيء مقبولا، إلا التنافس حول الشرعية الدينية التي توافق المغاربة على اعتبارها الشأن الوحيد المحفوظ للملك كأمير للمؤمنين، فليس الوطن في منأى عن توظيف تنازع الاختصاص في هذا المجال ذريعة لدخول « الخوارج »على الخط بدعوى تصدير الديموقراطية .
إذا كان لابد من تثمين لما جاء في الخطاب الملكي، فهو ما يمكن اعتباره رسالة ثالثة، لا تقل أهمية عن الرسائل الأخرى، هو ضرورة الاعتبار مساءلة المنتخبين، بعيدا عن منطق الحصانة والمواطنة الإمتيازية ، فالتفويض عن طريق الاقتراع، لا يمكن أن يبرر كل جنوح نحو استغلال النفوذ و الارتشاء والشطط في استعمال السلطة والقانون والحق « النيابي » نفسه، من هنا لا مناص من رد الاعتبار للمفهوم الجديد للعدل، عبر إصلاح النظام الأساسي للوظيفة العمومية بصفة جذرية، تضمن حقوق الموظفين ، وهي رسالة ضمنية إلى المشرعين الجدد كي يعيدوا النظر في التعسف الذي شاب ما سمي غبنا إصلاح أنظمة التقاعد . غير أنه في نظري ينبغي استكمال إصلاح منظومة العدالة ، بتفعيل مطلب إنشاء مجلس الدولة كأعلى هيأة في مؤسسة القضاء الإداري ، وكهيأة استشارية للدولة نفسها والمؤسسات العمومية، تفاديا لأي تنازع في الاختصاصات أو انحراف أو شطط في استعمال السلطة، وبالمناسبة فهي مطلب تقدم الملك محمد السادس في خطابه أمام القاضيات والقضاة بمناسبة افتتاح السنة القضائية يوم 15 دجنبر من سنة 1999 .
++ بصفتك مهتم بالمشهد السياسي المغربي، ما هي التحالفات الممكنة انطلاقا من التقارب الفكري بين مكونات الفرق البرلمانية لولادة حكومة جديدة برآسة الأمين العام لحزب العدالة والتنمية ؟؟
هذا السؤال لا يمكن التكهن به في ظل عدم وضوح الاختيارات وتماهي الخطوط ، لأنه موضوع لصيق ورهين بمدى استقلالية العمل الحزبي وبالأحرى السياسي .
++ ما هي الوصفة التي تقترحون في أفق رد الاعتبار للعمل النيابي بصفة خاصة والمؤسسة التشريعية بصفة عامة، حتى تلعب دورها الدستوري كاملا ؟
إن الدستور الجديد رد الاعتبار للمؤسسة التشريعية بأن خصها باحتكار تام لمجال القانون، لكن بالنظر إلى الخريطة التي أفرزتها صناديق الاقتراع وبوأت نفس الحزب الأغلبي نفس المرتبة والصدارة الكمية من حيث المقاعد، فإن المخطط التشريعي لن يعرف أي تغيير جوهري، مادامت الحكومة ستحتكر المبادرة في التشريع ، وبالنظر إلى طبيعة الحكومة ورئاستها ، ذات العلاقة المتوترة مع منظومة حقوق الإنسان، فإنني أخشى على مآل الشق السياسي من توصيات هيأة الإنصاف والمصالحة ، خاصة وأن من بين قيادة حزب العدالة والتنمية من يعتبر أن التوصيات من تداعيات الصلح المبرم بين الملك واليسار . لكن الأمل في آليات وهيئات الحكامة والاستشارة، وهي المخولة دستوريا لكي تلعب التوازن المتطلب « من زاوية الأمن السياسي » بين احتكار الحكومة وأغلبيتها ل « مزايا » الديموقراطية التمثيلية، وبين تمكين مكونات وقوى المجتمع المدني من مقتضيات الديموقراطية التشاركية، وإن أول مطلب ملح هو إلغاء وزارة العلاقة مع المجتمع المدني والتي لم تكن سوى وزارة تصرف مواقف نفعية الحكومة لدى زبنائها المفترضين، في حين تعرقل بوصايتها وحجرها كل مقومات تحرر المجتمع المدني ، ولعل « هاجس الأمن الثقافي » الذي ينتاب الحكومة السابقة / اللاحقة تجاه الأمازيغية كفزاعة قد تعوض العلمانية وتشتغل، افتراضا، بالوكالة عنها، لخير دليل على أن كل ما يتعلق بالأمازيغية واللغات ، ينبغي أن يكون محل حوار حقيقي ووفاق وطني . فمطلب المسافة والحياد الموضوعيين ضروري .
++ كيف تتوقعون عمل المعارضة بالمؤسسة التشريعية، اعتمادا على نتائج استحقاقات السابع من أكتوبر التي افرزتها صناديق الاقتراع ؟ وهل سيكون لصوتها صدى بقبة البرلمان ؟
هذا السؤال مرتبط بالسؤال الأول، ولكن المهم هو العمل على تجاوز خلفيات الصراع حول الصدارة وتفادي منطق افتعال قطبية قسرية لم تفرز طبيعيا من الصراع المجتمعي، وشخصيا لا أراهن كثير على « صراع الديكة » سوى إذا كان الهدف التفكيك التدريجي لهيمنة المحافظة المتصاعدة والمكرسة للهجانة والتقليدانية المبتذلة، فبالرغم من الوضع الصحي لمكونات اليسار، فالدولة ملزمة باحترام التزاماتها تجاه المواطنين ، قبل الخارج ، بتحديث نفسها ، في أفق دمقرطة ذاتها والمجتمع .