السلطة القضائية من المفترض أن تكون سلطة مستقلة وحيادية بعيدة عن التجاذبات السياسية والتكتلات المصلحية، حتى تتمكن من القيام بدورها في تلبية حق المواطن في العدالة، الذي يمثّل أحد أبرز حقوق الإنسان.
إن التشويش الذي أظهرته قضية بوعشرين يسيء لدولة المؤسسات، حيث أن بعض التصرفات والمبادرات التي تجاوزت مبدأ التصريحات ترمي إلى شن ضغوطات على قضية بيد القضاء، من قبيل ما اتجه له البعض من تأسيس تنسيقية أصدقاء توفيق بوعشرين إلى ما سمي، لجنة "الحقيقة والعدالة"، والحال أن الحقيقة القضائية تقتضي انتظار جميع أطوار المحاكمة بعيدا عن أسلوب الاتهامات الكثيرة، التي لم يأتي بها القانون من سلطان.
فضلا عن استخدام أدوات سياسية إعلامية، في وقت مازالت القضية تحت أنظار القضاء. ولعمري أن تأسيس مثل هذه التكتلات الغاية منها التأثير على عمل السلطة القضائية والقفز على مبادئ المحاكمة العادلة وعلى كل القيم والأعراف الدولية في مجال حقوق الإنسان، وقد خرجت هذه المبادرة بعد المناورة الأولى لتدويل القضية.
المتهم توفيق بوعشرين مواطن مغربي، وكذلك الضحايا مواطنات مغربيات من المفروض أن يحتكم الكل لسلطة القضاء المحلي. علينا أن نجعل القضاء، هو الفيصل في حسم الخلافات والمشاكل في إطار يفضي إلى طمأنة الجميعّ بأحكام السلطة القضائية، وسمو القانون، بغضّ النظر عن الطبيعة الهيكية لتنسيقية توفيق بوعشرين، و التي من واضح أنها غير محايدة من خلال الأشخاص المنتمين لها فأغلبيتهم المطلقة موالين للمتهم من أصدقاء ومحاميه وعائلته .. وغير مؤهلة لا للحقيقة ولا للعدل .فهي لا تملك الوسائل لذلك ومن تم فهي تفضح نفسها. وتسقط عن افرادها كل مصداقية.
حيث تضم أطراف داعمة للشخص بوعشرين بمنطق نصرة الصديق، وإن كان ضدا للقانون، من شأن ذلك بناء مجتمع فاقد للثقة بكافة مؤسسات الدولة. ويساهم دعم أحد أطراف الدعوى في تأصيل سلطة الأمر الواقع في البلاد، وفي هذا ضرب لمصداقية المؤسسات.
مثل هذه التجمعات، تساهم في تدعيم ظاهرة عدم الثقة في مؤسسة القضاء، وهو هدف القائمين عليها، ذلك أنهم يسعون إلى قلب موازين المؤسسات، وإضاعة حقوق الناس، وتأسيس مجتمع العصبيات. ويضع تدخل أطراف في القضية، بهدف التأثير على القضاء المغربي أمام محك الاستقلالية.
مشاركة أصدقاء بوعشرين رفقة بعض الأفراد المحسوبين على الصف الحقوقي، يضعهم في تناقض مع القيم الكونية لحقوق الإنسان التي يدعونها، حيث يفترض أن يكونوا الأكثر حرصا على ضرورة احترام استقلالية القضاء والحفاظ على هيبتهِ وأبعادهِ عن دائرة التجاذبات السياسية، على اعتبار أن الحقوقي، بحكم تشبعه بالقيم الحقوقية، يفترض فيه أن يكون في طليعة القوى الحريصة على ترسيخ دولة القانون القائمة على المساواة و القانون ، واحترام مؤسسة القضاء، فالمحكمة مؤسسة قضائية وطنية مهمة ينبغي انتظار حكمها في النازلة، بكل حرية، وذلك تحقيقا لمبدأ الفصل بين السلطات الذي أقره الدستور.
*دكتور، رشيد لزرق، أستاذ العلوم السياسية، خبير في الشؤون الدستورية والبرلمانية