مصطفى المنوزي : الإنتخابات التشريعية أظهرت أن الدولة في حاجة الى صد منافسيها في الشرعية الدينية

مصطفى المنوزي : الإنتخابات التشريعية أظهرت أن الدولة في حاجة الى صد منافسيها في الشرعية الدينية

في هذا الحوار الشيق مع المناضل الحقوقي مصطفى المنوزي، سافرت " أنفاس بريس " بأسئلتها حول المشهد السياسي بالمغرب بعد وقبل استحقاقات السابع من أكتوبر، ونبش ذات الضيف في تفاصيل الصدمة / النتائج التي ولدت من رحم صناديق الاقتراع، وقال " بأن الدولة في حاجة لصد منافسيها في الشرعية الدينية، وهي الشرعية التي ما فتأت الولايات المتحدة الأمريكية تستعملها لتصدير « ديموقراطيتها » عبر التبشير الوهابي والإرهاب غير الدولتي، لذلك لا مصالحة مع الحلفاء الموضوعيين قبل المصالحة مع الذات والتاريخ والذاكرة الوطنية بنفس حقوقي وإنساني ." وهذا نص الحوار مع مصطفى المانوزي.

++ من يتحمل مسؤولية النتائج التي خرجت من صناديق الاقتراع، ومكنت حزب العدالة والتنمية من تصدر نتائج استحقاقات 7 أكتوبر، رغم إجهازه على مكتسبات وحقوق المغاربة وانتظاراتهم من خلال القرارات الشهيرة لأمين حزبه عبد الإله بن كيران ؟

ــ أولا النتائج لم تكن مفاجئة، وكل ما قامت به الدولة وحزب الأصالة والمعاصرة هو العمل على الحد من تصاعد واكتساح البيجيدي لمقاعد مجلس النواب، وفعلا يبدو أن النتيجة كانت مقلصة عما كان منتظرا، فدعوة الخارج، خاصة الولايات المتحدة والمؤسسات المالية إلى تمديد الولاية للحزب الحاكم، بالإضافة إلى دعم بعض الفعاليات المعروفة والتي لها علاقة بأجنحة هنا وهناك، بمن فيهم السلفيون وبعض الحركات الدينية والثقافية، بغض النظر عن الاستراتيجية الإعلامية التي بوشرت لفائدة مطلب تكرار ما جرى من « استقرار سياسي » وهدنة في المشهد الاقتصادي والمالي لضمان وفاء جيد لتنفيذ الالتزامات وتسديد الديون، بصرف النظر عن الاجتهاد في ضمان تمرير الاملاءات والتوجيهات تجاه السياسة العمومية المناقضة لكل أمل في استرداد الدولة لمسؤوليتها الاجتماعية في القطاعات الحيوية من تشغيل وصحة وتربية وطنية وتكوين وتعليم،لذلك فلولا الخطة التي توافت حولها الإرادات لحصل حزب العدالة والتنمية على الأغلبية الساحقة والمطلقة، ستحتل بموجبه الحكومة لوحدها، دون حاجة إلى تحالفات « مسمار جحا » التي تشوش عليها أغلبيتها المريحة جدا .

من هنا وجب تحذير المثقفين والمتنورين بأن ما يزعمه بعض اليسار من كونه نجح في تكسير القطبية الثنائية بين « أصولية دينية » و أصولية دولتية » لا أساس له في الواقع ولا في الخيال، فالخريطة ضمنت التوازن المتطلب بين امتدادات الدولة اجتماعيا واقتصاديا وماليا وثقافيا حتى، حتى لا نقول أن الدولة نجحت في حماية شرعيتها الدينية من المنافسة غير المشروعة، مقابل تصريف مخطط قديم لتصفية الشرعيات الأخرى من تاريخية وطنية وتقدمية وديموقراطية ، وهذا ما ستلاحظه باستقرائك لنتائج نتائج الاتحاد الاشتراكي على الخصوص .

++ كيف تفسر تدحرج حزب الاتحاد الاشتراكي على مستوى نتائج 7 أكتوبر 2016 مقارنة مع سنة 2011 ، في الوقت الذي كان يتنبأ فيه الكاتب الأولالمرتبة الأولى للحزب؟

فعلا ، هذا يؤكد ما قلته سلفا ، فمنذ قرار العقل الأمني بتكليف الحركة التقدمية بقيادة الاتحاد الاشتراكي بالسهر على الانتقال السلس من عهد الى عهد، في حين يتولى الملك ومهندسو عهده مهمة التأسيس لشرعية جديدة أساسها « الحقيقة والمصالحة الوطنية » بالموازاة ودون تنسيق بين الاستراتيجيتين، اللهم حضور التوقيع على صك التقرير النهائي لهيأة الإنصاف والمصالحة، بعد صياغته من قبل قدماء ضحايا سنوات الرصاص من اليسار غير الاتحادي، وحتى نكون منصفين، فإن المصالحة مع اليسار كانت تعني بالنسبة لمهندسي الدولة نهاية مرحلة، في علاقة مع الشرعيات التقليدية، وبذلك فالمفهوم الجديد للسلطة وشعار لكل زمان رجالاته، أجهضت مقتضياته الحراك الاجتماعي الفبرايري، وهو الذي جعل الدولة تقبل قسريا و بتأجيل مخططها، إلى حين هدوء العاصفة، أي بعد الولاية التشريعية المنقضية، والتي أجبر الاتحاد الاشتراكي خلالها على أن يلعب أدوارا ليس من اختصاصه المبدئي، كورقة حداثية لمواجهة فزاعة الأصولية، وهذه المهمة أكلت من شعبيته ، بغض النظر عن عامل الصراعات الداخلية، والتي توجت بانشقاق حزب البديل الديموقراطي، الذي تأسس من قبل برلمانيين لا يوافقون القيادة الحالية على التحالف مع الأصالة والمعاصرة وفي نفس الوقت لا يمانعون من بسط جسور « التعاون البرلماني » مع العدالة والتنمية، وهو تعاون كان ينسق خيوطه الفقيدان عبد الله باها وأحمد الزايدي ، أما ما تنبأ به الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، فقد حصل لأنه فعلا نجح في الحفاظ على الوضع الحزبي مستقرا، فهو ضمن تعايشا للحزب داخل المشهد البرلماني ، وهو لم يعد يهمه سوى البقاء ، أي الكينونة من خلا بقاء الحال على ما كان .

 ومع ذلك فقد حان الوقت للتقييم والتقويم من خلال دعوة جميع الاتحاديين إلى رد الاعتبار للبعد الاجتماعي في الهوية الحزبية، فهي عماد صمود الشرعية التاريخية في ثنايا مطلب الديموقراطية، والعبرة من خيارات العدالة والتنمية والدولة اللذان ركزا على التنمية البشرية كمسوغ للحفاظ على الشرعية الدينية .

 ++ تبخرت أصوات المثقفين والجمعويين والحقوقيين من صناديق الاقتراع ليلة 7 أكتوبر الجاري، كيف تفسر أن اللائحة الوطنية لفيدرالية اليسار الديمقراطي لم تتمكن على الأقل من منح كرسي بالمؤسسة التشريعية للقيادية نبيلة منيب رغم المساندة والتعاطف الكبير ين الذي لقيته تجمعات الفيدرالية بعدة مدن مغربية ؟؟

إن الذين يتساءلون ويستغربون لماذا لائحة فدرالية اليسار الوطنية لم تفز، واعون ضمنيا بأن الجواب يكمن في تضخيم التركيز في التعبئة عليها كانتظار فريد، لا يروم سوى البحث عن موقع في معارضة داخل المؤسسة النيابية، في حين من يصوت يبحث عن صانع القرار، لأن زمن الفضح ولى ، في ظل تواصل رقمي ناجع وسريع ، بغض النظر عن أن للحملات الانتخابية خصوصيتها ، فهي تقتضي الانطلاق من الخاص نحو العام ، مادامت الشرائح الاجتماعية المفترض فيها التصويت لفائدة اليسار منتشرة عبر الامتداد العرضاني أي في الوسط الأفقي وليس الامتداد العمودي، وقد يتحمل المسؤولية من جعل الرسالة تتماهى مع الرمز، عوض أن يدفع في اتجاه تماهي الخطاب مع المؤسسة والمشروع .

++ من المؤكد أن الفاعل السياسي لن يظل رهينا للمعطيات الحالية التي أفرزتها استحقاقات السابع من أكتوبر بما لها وعليها، بل أنه سيخطط ويهيئ نفسه للمستقبل، ما هي في نظركم الخطوط العريضة لاستراتيجية تجميع قوى الصف الديمقراطي الحداثي، وكيف يمكن الاشتغال في أفق تصالح سياسي بين كل مكوناته في أفق 2021 ؟؟

هذا موضوع يحتاج إلى مسافة زمنية وذهنية للجواب عنه، لكن مع ذلك لابد من التذكير بأن مفهوم اليسار في حاجة إلى تحيين، اقترانا مع التحولات التي عرفتها استراتيجيات الكفاح التحرري والنضال السياسي والديموقراطي ، فموازين القوى، دفعت بكثير من المنظومات الى أن تجدد دماءها ومواردها البشرية والمادية ونفسها الثقافي ، بعد أن أعياها التجريب والانتظارية والمغامرة ، وهناك من تخلى عن البعد الاجتماعي في الهويات الحزبية وحول الأحزاب إلي مجرد وكالات انتخابية ، من أجل التسويات والصفقات ، وهناك من أعياه القمع وهناك من أنهكه النظر إلى الماضي الذي لايريد أن يمضي، وبالتالي لا يمكن استشراف المستقبل دون الأخذ بعين  الاعتبار أن السياسة لا تصنعها النوايا والأحلام ، فالعالم تغير والتواصل التاريخي بين الأجيال خفت ونقص ، ولا أحد صار ينتبه إلى هجانة الانتقال القيمي، واسمح لي أن أؤكد لك بأنه واهم من يعتقد بانه خلال شهر واحد من الحملة الانتخابية يمكن أن يوقف زحف المد المحافظ ، الذي لم يعد يهدد فقط الحركة التقدمية أو اليسار الاشتراكي ، بل يقض مضاجع اللبرالية والديموقراطية الاجتماعية ، منذ سقوط جدار برلين وإبرام صفقة توافق واشنطن سنة 1989 ، وواهم من يراهن على بنيات حزبية هشة أنهكها القمع وعلى مجموعات سياسية لازالت تنتظر غودو، دون أن تراعي تماهي تحولات الانتقال الديموغرافي مع تكييفات الانتقال الديموقراطي .

 لذلك حان الوقت لإعادة طرح سؤال أزمة المجتمع والبناء الديموقراطي مع تعديله في صيغة تساؤل حول الدولة التي هزمتها المحافظة ديموغرافيا، و لهذا أعود لأذكرك بما قلته سالفا، بأن الدولة في حاجة لصد منافسيها في الشرعية الدينية، وهي الشرعية التي ما فتأت الولايات المتحدة الأمريكية تستعملها لتصدير « ديموقراطيتها » عبر التبشير الوهابي والإرهاب غير الدولتي، لذلك لا مصالحة مع الحلفاء الموضوعيين قبل المصالحة مع الذات والتاريخ والذاكرة الوطنية بنفس حقوقي وإنساني .