عبد السلام بوبراهيم: وحدة اليسار أساسية في هذه المرحلة والمشاركة شرط من شروط البناء الديمقراطي

عبد السلام بوبراهيم: وحدة اليسار أساسية في هذه المرحلة والمشاركة شرط من شروط البناء الديمقراطي

عبد السلام بوبراهيم، قيادي سابق وطنيا وإقليميا لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بسطات، وحتى وإن كان يعتبر نفسه اليوم في حالة تقاعد سياسي على المستوى التنظيمي، فهو يفتخر بانتمائه لأسرة "الوردة" وسيبقى اتحاديا رغم الاختلاف مع بعض الاتحاديين، لأنه اتحادي من سلالة الحركة الوطنية أبا عن جد، وشارك في المؤتمر الاستثنائي سنة 1975 الذي رفع شعار "الدمقرطة".. ولهذا يرى بوبراهيم أن الإنسان إذا عاش لحظة ازدياد مولود له وتابع نموه خطوة خطوة لن ينساه ولو وصل المولود إلى حد العقوق.. وبالتالي فبوبراهيم لن يكون خارج الاتحاد الذي ينتمي إليه فكرا ووجدانا.. "أنفاس بريس" التقته، وأجرت معه الحوار التالي حول اليسار واختيارات المرحلة، وكيف يمكن بلورة يسار من داخل الممارسة وانطلاقا من المشاركة في المؤسسات بعيدا عن التنظير المجرد مع المثابرة والعيش مع الشعب من أجل تأسيس المستقبل التقدمي..

+ من خلال تجربتك الطويلة في المجال السياسي وتتبعه، هل أنت مقتنع بأن شروط مشاركة اليسار في الاستحقاقات الحالية متوفرة؟

- أعتقد أن مسار البناء الديمقراطي يقتضي محطات انتخابية، ونؤكد خلال هذه المحطات على شرط أساسي ألا وهو "المشاركة".. فمنذ 1975 وأنا مع مبدأ المشاركة.. وخلافنا داخل اليسار مع الإخوة الذين كانوا منذ السبعينات من القرن الماضي، كان حول نقطة البناء الديمقراطي الذي كنا ندافع دوما على أنه يقتضي المشاركة من الداخل رغم مختلف النواقص الموجودة في النظام الانتخابي.. وقد اقتنعنا باختيار البناء الديمقراطي في 1975 وانخرطنا فيه.. لذلك فنحن سواء عند الصراع الذي نشب داخل الاتحاد في الثمانينات مع الإخوة الذين انفصلوا وأسسوا حزب الطليعة أو الإخوة كذلك سنة 1989 في المؤتمر الخامس حول مسألة الديمقراطية التي كانت مطروحة بحدة داخل الحزب كان يتم نعتنا "الاشتراكيون الديمقراطيون"، وفي السبعينات كنا ننعت بـ "الإصلاحيون"... فهذا هو "الموروث ديالنا وديال النقاش ديال اليسار".. ولذلك بالنسبة لي في ما يخص هذه المحطة وهذه الوحدة واللمة الراهنة لليسار أعتبرها أساسية وأشد بحرارة على أيدي الإخوة بفيدرالية اليسار الديمقراطي، وندعمهم، وقد كان تأثير نبيلة منيب واضحا وأعطى زخما مهما للإخوة بالفيدرالية.

+ أين يتجلى ذلك التأثير في رأيك؟

- أولا بالانخراط في المشاركة والدعوة لها كما يقتضي ذلك البناء الديمقراطي، وكذلك باقتناع الجميع بالنضال من الداخل بالرغم من النواقص، وذلك حتى "تتمكن من توسيع الهامش الذي خلق لك وتكون فيه" وذلك للمواجهة الواعية.. ولست بالمناسبة مع مقولة الثنائية القطبية الحزبية بين أصوليتين دينية ومخزنية، لأنها من تجليات خطاب تيئيسي انهزامي ساهمت في ترويجه المواقع والجرائد.. كما أنه إذا أخدنا سياسيا بهذه المقولة فأين سنخندق قوى اليسار؟ علما بأن السياسة تبنى على برامج، وأنا كاشتراكي لا يمكن أن يتجه برنامجي إلا نحو المجال الاجتماعي والعدالة الاجتماعية والحقوق والحريات، عكس الليبراليين أو الرأسماليين الليبراليين الذين لهم توجه آخر.. ومن هنا نلاحظ عدم اختلاف بين الأصولية الليبرالية التي تدعي الحداثة الممثلة في حزب الأصالة والمعاصرة والأصولية الليبرالية المغلفة بمسحة دينية اجتماعية والتي يتبناها حزب البيجيدي.

+ إذن كيف ترى تموقع اليسار أو ما اصطلح عليه الخيار الثالث؟

- بعدما أكدت على المشاركة كمبدأ أساسي، لا بد ثانيا من الصبر والمثابرة والعمل المستمر كذلك، لأنه لا يمكن بعدما رفع اليسار شعار التغيير والحل الثالث أن يظل اليسار في حدود الشعار فقط مثل الشعار الآخر المتعلق بالملكية البرلمانية.. فأنا من هذه الناحية مع المضي في خط تحقيق الملكية البرلمانية، ولكن في ظل المثابرة على المشاركة داخل المؤسسات لتحقيق الجزء الذي ما زال ناقصا في المشروع اليساري المستقبلي الذي هو تاريخيا تفاؤليا يخص المستقبل ولا يخص اليوم أو اللحظة.. فالفكر اليساري الاشتراكي عموما كان دائما إيجابيا، كما أن الفكرة اليسارية في حد ذاتها تقدمية، تفاؤلية، تهدف إلى المستقبل.

+ كيف يمكن إذن للفكرة اليسارية المتفائلة التقدمية كما شرحت أن تصل إلى شعب اليسار الذي سئم الانتظار؟

- أعتقد أنه من المفروض على الإنسان الذي يؤمن بالمشاركة الديمقراطية، أن يستغل كل الوسائل من أجل تحقيق مشروعه، وذلك تنظيميا وسياسيا مع المثابرة والبناء خطوة خطوة ولبنة لبنة، سواء على مستوى الهياكل أو داخل المجتمع ككل، لأنه إذا لم تكن لديك تنظيمات داخل المجتمع المدني من جمعيات ونقابات وغيرها من التنظيمات الوسطية والموازية، فأداؤك سيكون غير مكتمل.. فما الذي ينقص اليسار اليوم؟ لقد تأكد بأن ما ينقصه عدم حضوره في الجامعة، على الصعيد الطلابي مثلا، ويعلم الكل الفصائل الطلابية التي تسيطر فيها الآن وكذلك على صعيد النقابات الجمعيات.

+ ألا يدخل ضمن الوسائل التي ذكرت لغة الخطاب مع المواطن التي تقتضي مراجعتها وتبسيطها أيضا كي تكون في مستوى فهمها للتفاعل الجيد معها؟

- مبدئيا تكون الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية المنتمية لقوى اليسار ملزمة بأن تشتغل داخل المجتمع ووسط المجتمع ولا يمكنها بالتالي أن تتكلم عن الجماهير ومعها من دون لغتها والتي بها تتفاعل وتحس بمعاناتها وتشارك في همومها، لذلك كي تكون قوى اليسار داخل هذا المجتمع يجب الانتماء إليه فعليا عبر جمعيات الحي المختلفة الثقافية الرياضية وغيرها، كما كانت تفعل الحركة الاتحادية في الستينات والسبعينات من القرن الماضي.. وهذا هو أساس اشتغال المناضل اليساري الذي يدعي الفكر للاشتراكي الديمقراطي التقدمي. وأعتقد أن مساندة قوى اليسار في هذه المرحلة باتت أكيدة وتبتدئ بالمشاركة في المشروع المجتمعي المستقبلي، بمعنى الاشتغال على المستقبل.. ونسعى في ذلك إلى احترام قواعد الديمقراطية في إطار ما يسمى اللعبة الديمقراطية، وأن تكون الانتخابات شفافة، مع الإشارة بأن الانتخابات مع ذلك لم يعد يقع فيها التزوير بالشكل الذي كان من قبل بعدما أصبح هنالك هامش مهم للحرية الذي يجب حسن استثماره من طرف اليسار من أجل الصعود إلى البرلمان كي تتاح له فرصة تغيير القوانين كقانون الانتخابات ونمط الاقتراع والتقطيع الإداري والانتخابي والجهوي، وهي كلها قوانين ليست في مصلحة اليسار الآن.. كما أذكر هنا إحياء ورش مهم كانت قد فتحته حكومة التناوب الذي هو ورش إعداد التراب الوطني الذي يعتبر الأساس لكل التقسيمات التي ذكرت وكان مشروعا رائدا، وكان يمكن أن يشكل آلية فعالة تجنب عدة اختلالات.. فالتزوير الكبير الذي وقع في 4 شتنبر وقع في الانتخابات الجهوية، حيث تم الفرض وبقوة رؤساء جهويين من نوع آخر.. وهذا فيه حيف. وأنا هنا لا أدافع عن العدالة والتنمية التي كانت الخاسرة فيها، بل أدافع عن المشروع الديمقراطي لبلادنا بصفة عامة، فأنا ضد التحكم. لهذا لا يمكن أن تقول لي بالمشاركة في الانتخابات بنمط الاقتراع السائد الآن، كما أنه وبالرغم من ذلك لابد من مشاركة المواطن كي يكون صوته معبرا.. ولذلك فأنا مع إجبارية التصويت، لأن أصحاب المال والإدارة المركزية لا ترغب في تصويت ومشاركة المواطنين رغم الحملات والدعاية. وأشير بأن الفرق يكمن هنا بين مشروع أصحاب المال الذين يراهنون على الأتباع، ومشروع اليسار الذي يراهن على أن يكون المواطن حرا في الاختيار وفي الإدلاء بصوته.. وهذا هو الشرط الأساسي في المعركة الانتخابية.